اهتمام أمريكي متزايد بالمغرب العربي
أصبحت زيارات كبار المسؤولين الأمريكيين إلى منطقة المغرب العربي في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، أمرا مألوفا.
وفي هذا الإطار، أنهى مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وليام بيرنز جولة قادته إلى كل من الرباط والجزائر وتونس.
كانت هذه ثاني زيارة يقوم بها وليام بيرنز إلى المنطقة خلال الأشهر الأخيرة، وتأتي بعد شهر من الزيارة التي قام بها زميله مارك غروسمان مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية، وهو ما يعكس الأهمية المتزايدة التي أصبحت توليها الإدارة الأمريكية لمنطقة المغرب العربي.
ولم تقتصر زيارة بيرنز على هدف واحد، وإنما جاءت لإبلاغ المسؤولين المغاربيين أكثر من رسالة:
التنسيق الأمني
قال بيرنز في المؤتمر الصحفي الذي عقده بالمقر الجديد للسفارة الأمريكية في تونس، إن من بين المواضيع الأساسية التي ناقشها خلال جولته مع المسؤولين في المنطقة “التنسيق في القضاء على مصادر تمويل كل التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة”، مذكرا بأن هذا التنظيم “يمثل تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة وكل أصدقائها في العالم”.
وتأتي هذه الرغبة الملحة في تطوير أشكال التعاون الأمني لمكافحة الإرهاب، بعد أن تعددت بصمات القاعدة في المنطقة خلال الأشهر الأخيرة. ففي تونس لا يزال ملف عملية جربة مفتوحا، على أكثر من صعيد، ومحاكمة أحد المشتبه فيهم في اعتداء جربة في أبريل الماضي، لم تكتمل فصولها بعد، إضافة إلى اعتقال السلطات الفرنسية لعدد من التونسيين، من بينهم شقيق منفذ العملية لاحتمال مشاركتهم في الإعداد لها، إضافة إلى إيقاف آخرين في أكثر من عاصمة أوروبية للاشتباه في انتمائهم للقاعدة.
أما في المغرب، فقد أحدث اكتشاف ما اعتبرته السلطات “خلية نائمة” تابعة لتنظيم القاعدة ضجة شغلت ولا تزال الرأي العام المغربي. وبالنسبة للجزائر، فقد قُـتِـل أحد اليمنيين المسلحين على أيدي الجيش الجزائري، قيل إنه قد كلف من قبل القاعدة لتنظيم صفوف الجماعات المسلحة التي تراجع حجمها وقل وزنها، نتيجة عدة عوامل من بينها، التقدم الملموس الذي حققه الجيش في مواجهته الميدانية.
وفي ليبيا، أكد العقيد القذافي أن نظامه يعتقل عددا من أعضاء القاعدة، وأنه مستعد لكل أشكال التنسيق مع الجهات الأمريكية لمقاومة من يسميهم بـ”الزنادقة الجدد”.
وقد أكد بيرنز أن واشنطن مرتاحة للتعاون الذي أبدته الحكومات المغاربية في مجال مكافحة الإرهاب، وملاحقة العناصر التي يشتبه في انتمائها لتنظيم القاعدة، مشيرا بالخصوص إلى زيادة التنسيق خلال الفترة الأخيرة في مجال تبادل المعلومات، مؤكدا أن الجهات الأمريكية “ستتابع درس الخطوات التي يتعين على كل طرف القيام بها على هذا الصعيد”.
ويذكر أنه قد سبق وأدى مسؤولون أمريكيون كبارا في المجال الاستخباراتي، وعلى رأسهم مدير “سي. آي. إي”، زيارات إلى الدول المغربية الثلاث لوضع آليات أمريكية للتنسيق والتعاون معها.
التعاون السياسي والاقتصادي
جددت واشنطن تمسكها بتنفيذ مشروع الشراكة الأمريكية المغاربية الذي عرف باسم مبادرة “أيزنستات”، نسبة إلى وكيل وزارة التجارة الأمريكية خلال إدارة كلينتن، ستيوارت أيزنستات، وتريد أن تؤكد باستمرار على استعدادها لدعم دول المنطقة.
وقد تخلت الولايات المتحدة عن انتقاداتها السابقة للسلطة الجزائرية، وأصبحت تولي أهمية خاصة لهذا البلد الغني والشاسع. وفي هذا السياق، تحادث بيرنز مع المسؤولين الجزائريين حول “جهود بلاده لتعزيز الإصلاحات الاقتصادية والسياسية على المدى البعيد”، والتي بمقتضاها ستحصل الجزائر على مساعدة تقدر بحوالي 4 مليارات ونصف المليار دولار خلال الفترة التي تمتد إلى سنة 2005، وهو برنامج يهدف إلى فتح السوق المحلية أمام المستثمرين الأمريكيين بإنشاء منطقة تبادل حر شبيهة بتلك التي ستقيمها واشنطن مع المغرب.
ويشمل البرنامج أيضا، تمويل الطريق السيارة التي ستربط شرق الجزائر بغربها، ومشروع سكك الحديد الذي سيشق دول المغرب العربي، إلى جانب ترميم الموانئ الجزائرية وإصلاح القطاع المصرفي. كما تشجع واشنطن الجزائر على الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة.
أما بالنسبة لتونس، فقد ذكر بيرنز أن واشنطن ستعمل على مساعدتها “لتحقق فرصا أكبر في مجال التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، تقديرا لما تحقق في تونس من تقدم اجتماعي، ودورها في مكافحة الإرهاب، ودعمها السلام الفلسطيني – الإسرائيلي”. وقد تم خلال شهر أكتوبر الماضي في واشنطن التوقيع على “الاتفاق الإطاري للتجارة والاستثمار” بين تونس وواشنطن.
العراق والاستعداد للحرب
ورغم نفي المسؤول الأمريكي أن يكون الرئيس بوش قد اتخذ قرار الحرب ضد العراق، إلا أن جولته لا تخرج عن نطاق التحركات الدبلوماسية الأمريكية المحمومة لتهيئة مناخ الحرب المحتملة القادمة.
فقد نقلت وسائل الإعلام عن مصادر جزائرية قولها، أن من بين أهداف هذه الزيارة تليين الموقف الجزائري الرافض لنية للنوايا الأمريكية الإطاحة بنظام بغداد، وهو هدف ينسجم مع المساعي التي تقوم بها واشنطن مع جميع حلفائها مستعملة الإغراء والتهديد من أجل تهيئة المناخ الإقليمي، والدولي لمرحلة ما بعد صدام حسين.
جولة وليام بيرنز، ورغم قصرها، إلا أنها رسّـخت الاعتقاد بأن المغرب العربي مرشح للوقوع في مجال تجاذب قوي، وأنه يتجه بخطى سريعة نحو التحول إلى إحدى الدوائر الأساسية للنفوذ الاستراتيجي للولايات المتحدة. وهو أمر تتابعه فرنسا بقلق شديد، وتعمل جاهدة، منذ إعادة انتخاب الرئيس جاك شيراك وعودة اليمين إلى الحكم، على تثبيت روابطها التقليدية بدول المنطقة.
لهذا، اعتبر السفير الفرنسي بتونس إيف أوبان، أن توجه بلاده نحو المغرب العربي خلال الأسابيع الأخيرة يتجاوز حدود تعزيز العلاقات الثنائية، ويهدف إلى “إعادة تأسيس علاقات فرنسا مع شمال إفريقيا”.
صلاح الدين الجورشي – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.