باستثناء اليمين، الجميع متوجس من مستقبل البيئة
تنوعت ردود الفعل في سويسرا على تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الصادر في 1 فبراير الجاري حول التغيرات المناخية السيئة التي يشهدها العالم، فبين انتظار القرار السياسي والتنفيذ الاقتصادي، يقف الرأي العام خائفا على مستقبل الحياة فوق الأرض.
وبينما اتجه البعض إلى تدارس الخطوات الضرورية لمواجهة الكارثة المحتملة، بدأت مجموعات أخرى في التحرك العملي انطلاقا من مبدأ “إبدأ بنفسك أولا”.
ففي أول ردود الأفعال السياسية طالب حزبا الخضر والرديكاليين بفتح باب الحوار العاجل حول سياسة الحكومة الفدرالية في الحفاظ على البيئة، وذهب الاشتراكيون إلى أبعد من ذلك وطالبوا بجلسة برلمانية خاصة لمناقشة هذا الملف، في حين وجد البرجوازيون واليمين أن الأمر ليس على هذه الدرجة من الخطورة.
ويرى الساسة المتحفزون لإطلاق النقاش الجاد حول مستقبل الأضرار البيئية على البلاد، أن سويسرا ربما تكون الأكثر تضررا من غيرها من الدول الأوروبية، بسبب طبيعتها الجبلية لاسيما وأنها تضم مجموعة كبيرة من سلسلة جبال الألب، وسيؤدي ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ذوبان كميات ضخمة من الجليد من فوق قمم جبالها، وهو ما سيتسبب في انهيارات وفيضانات، تترك بصماتها القاسية على الإنسان والبيئة.
فمن بين المقترحات التي يرى الساسة أنها واجبة التنفيذ في أسرع وقت ممكن، تعديل أنظمة التدفئة والاعتماد على الطاقات من المصادر الطبيعية، وذلك عند إحلال وتجديد أنظمة التدفئة في المؤسسات الحكومية والتجارية والمنازل.
أما على الصعيد الأوروبي فيرى الساسة ضرورة فتح مفاوضات جديدة مع بروكسل حول سياسة الطيران في القارة، وكيفية التعاون في تقليل الإنبعاثات الناجمة من عوادم الطائرات.
لكن حجر الزاوية في كل تلك المناقشات السياسية سيكون الحوار حول مستقبل استخدام الطاقة الذرية لتوليد الكهرباء، فقد سارع وزير الشؤون الداخلية باسكال كوشبان إلى الإعلان عن ضرورة عدم التعجيل في تغيير قوانين بناء محطات الطاقة النووية، في حين يرى اليمين أنه ليس من المنطقي الانتظار لمدة 15 عاما للحصول على تصريح لبناء محطة جديدة للطاقة النووية التي لا يصدر عنها غاز ثاني أكسيد الكربون، في الوقت الحرج الذي تمر به الكرة الأرضية الآن.
إذ يرى المؤيدون للنووي أن هذه الطاقة “النظيفة” هي الحل الأمثل الآن، بينما سيقف المعارضون ملوحين بالمخاطر المحتملة وضرورة تمويل الطاقات البديلة المستخرجة من الشمس والرياح وقوة المياه.
مبادرات اقتصادية ولكن..
وعند الحديث عن الدعم يأتي على الفور دور الاقتصاد الذي له موقف في هذه القضية، فالحديث عن تلوث البيئة والأضرار المتوقعة أمر معروف، وبدأت بعض الشركات في التعامل معه، إما من منطلق الإحساس العميق بالمسؤولية والقناعة التامة بأن الحل يكمن في يد رجال الصناعة أو للاستفادة من توجهات المستهلكين في البحث عن الشركات صديقة البيئة، فتتمكن من ترويج منتجاتها.
ويقول باتريك هوفشتاتر من الفرع السويسري للصندوق العالمي للحفاظ على البيئةWWF لسويس انفو، إن 15 شركة سويسرية وقعت اتفاقا مع الصندوق تلتزم بموجبه، بالسعي لتخفيض معدلات الغازات العادمة في مصانعها بنسبة 15% حتى عام 2010، ومن بينها شركات كبيرة مثل شركة الاتصالات سويس كوم، ومؤسسة كووب لتوزيع السلع الغذائية، وشركة إيكيا لإنتاج الأثاث المنزلي.
ويعتقد هوفشتاتر أن وجود تلك الأسماء في تلك المبادرة يشجع الصندوق على التحرك نحو شركات أخرى لحثها للانضمام على مثل تلك الاتفاقية، لاسيما وأن بعض المؤسسات الهامة بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات عملية، فبنك كانتون زيورخ مثلا يقول بأنه بدأ خطة الاعتماد على الطاقة البديلة لتحل محل موارد الطاقة التقليدية حتى عام 2010، ومؤسسة ايكيا ستفتح مصنعا جديدا لها، قالت بأنها ستعتمد فيه على الطاقة البديلة.
وحتى في مجال السياحة وأوقات الفراغ، تبارت أيضا المؤسسات السويسرية، فمنتجع أروزا الشتوي في أقصى شرق سويسرا، أعلن أنه سيبدأ في تقديم خدماته للزوار بطريقة تساعد على تقليل الإنبعاثات، ووعدت إحدى شركات السياحة عملائها بأنها لن تتعامل إلا مع الجهات التي تعتمد إجراءات واضحة للحفاظ على البيئة.
لكن المشكلة تبقى في القطاعات الاقتصادية العاملة في مجال الطاقة، فقد عطلت جماعات الضغط الموالية لتلك الشركات قانونا في مجلس الشيوخ السويسري في دورة الخريف الماضي، كان من المفترض أن يستقطع نسبة من مبيعات الوقود لصالح دعم مشروعات لمعالجة الاضرار الناجمة عن انبعاثات الغازات الضارة، وكانت مبرراته في ذلك أن هذه النسبة ستعمل على رفع الأسعار وبالتالي لن تتمكن الشركات من المنافسة بمنتجاتها في الأسواق الدولية، بل طالبت هذا الجماعات بفرض ضريبة على زيوت التدفئة أولا.
مبادرات شعبية
وفي بلاد مثل سويسرا للمبادرات فيها دورها في الحياة السياسية والعامة، أطلقت مجموعة “برن تتنفس”، مبادرة خاصة دعت فيها الرأي العام ليلعب دوره في تقليل 500 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون العادم سنويا، من خلال تغيير ما وصفته بالعادات اليومية الرديئة.
وكان لهذه المبادرة رد فعلها على مؤسسة الكهرباء في العاصمة الفدرالية برن، التي بدأت في إعداد منشورات لتوعية الرأي العام بكيفية المساهمة في تقليل الغازات العادمة، وما تقوم به لتنويع مصادر الطاقة، وسيما وأنها كانت أول مؤسسة رسمية سويسرية تقوم بإعتماد الطاقة الشمسية في مشروعاتها، وبرهنت على ذلك عمليا في مشروع المجمع الرياضي في برن، إذ قامت بتغطية سطحه بالكامل بالخلايا الشمسية.
ووفقا لموقع هذه المبادرة على الإنترنت، فقد سجل 2500 شخص أنفسهم ضمن الناشطين في فعالياتها، وأعلنوا أنهم سيلتزمون بذلك في حياتهم اليومية، وسيعملون على دعوة الأصدقاء ومن في محيطهم للإنضمام إليهم، ولو التزم كل من وعد بتنفيذ ما اتفق عليه، لأصبحت العاصمة برن ربما أول مدينة أوروبية تتمكن من تقليل حجم الغازات العادمة.
أصبح الساسة ورجال الاقتصاد الآن في موقف حرج أمام الرأي العام، فبعد هذا التقرير الأممي وما يقوله الخبراء منذ سنوات، ينتظر الجميع خطوات عملية، مثل تلك التي بدأت في برن وزيورخ، وربما أيضا في مدن سويسرية أخرى، فالجميع على قناعة بأن التأخير في انقاذ البيئة يعني أمرين إثنين، المزيد من الخسائر والمزيد من النفقات، وكلاهما لا يتفق مع فلسفة الإقتصاد في هذه البلاد.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
تفاوتت ردود فعل الأحزاب السياسية على تقرير اللجنة الأممية الصادر في باريس مطلع هذا الشهر، الذي يحذر من المخاطر التي تهدد البيئة والتغيرات المناخية على الأرض التي ستنعكس سلبيا على الجميع.
الخضر واليساريون اعتبروا أن هذا التقرير تأكيد رسمي لصحة ما قالوه منذ سنوات وطالبوا بإتخاذ إجراءات سريعة قبل فوات الأوان.
البورجوزايون واليمين لم يروا أهمية في هذا الهلع الذي أصاب الإعلام والرأي العام بعد نشر التقرير ويطالبون بالتروي في البحث عن الحلول، التي يجب أن تكون على صعيد أوروبي ودولي.
بدأت مجموعات من المواطنين في إطلاق مبادرات خاصة للتقليل من الغازات العادمة، وأعلنت بعض الشركات انها ستتخذ إجراءات إيجابية.
نشرت صحيفة (سنوتاغس بليك) في عددها الصادر يوم 4 فبراير نتيجة سبر للآراء بين 1000 مواطن حول البيئة كانت نتيجته كالتالي:-
57% يخافون من تأثير التغيرات المناخية على الحياة على الأرض.
67% رفضوا أن تستعين مناطق الرياضات الشتوية السويسرية بالثلوج الإصطناعية أو الوصول بدرجات حرارة إلى ما دون الصغر بشكل غير عادي
ونفس النسبة اتفقت على أن الإنسان هو المتسبب في هذه المشكلة البيئية
12% رأوا أن الطبيعة قد تغيرت من تلقاء نفسها
و20% يعتقدون أن مزاج الطبيعة المتقلب وعبث الإنسان بالبيئة هما السبب وراء التغيرات المناخية.
63% يعتقدون بأن الإساءة إلى البيئة تهدد الحياة على سطح الأرض
65% اتهموا الحكومة الفدرالية بعدم وضع قوانين اكثر صرامة للحفاظ على البيئة
21% يتعقدون أن قوانين حماية البيئة الحالية بالغة التعقيد.
88% مستعدون للقيام بدور إيجابي يسهامون من خلاله في تخفيف العبء على البيئة.
85% يطالبون بتشجيع استخدام الطاقات البديلة وإن كانت أغلى
81% يرون الحل في التقليل من استخدام السيارات.
68% يعتقدون أن الحد من السفر بالطائرات عامل هام سيقلل من الغازات العادمة.
58% يؤكدون بأن علاج مشكلة البيئة سيكبد المواطن العادي المزيد من الأموال على شكل رسوم أو ضرائب.
85% يطالبون الحكومة الفدرالية بتشجيع استخدام المواصلات العامة
81% رفع نسبة الضرائب على السيارات الأكثر استهلاكا للوقود في مقابل تخفيض الضرائب على السيارات صديقة البيئة.
66% فرض استخدام الأجهزة الكهربائية صديقة البيئة والمصابيح الأكثر إقتصادا في استهلاك الطاقة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.