باكستان قد تتحول إلى “أخطر دولة في العالم”!
يتواصل الشد والجذب بين الرئيس مشرف وتشكيلات المعارضة والمجتمع المدني في البلد وسط اهتمام إقليمي ودولي واسع نظرا لأن ما يجري في باكستان، لا يمر هكذا على أحد حيث اعتبرتها مجلّة نيوزويك، "البلد الأكثر خطورة في العالم".
ورغم ما يبدو من اهتمام عربي محدود بما يجري هناك، إلا أنه كان يتردّد دائما في أوساط مختلفة، أنه إذا سارت الأمور باتّجاه سيناريوهات أسوإ حالة في المنطقة العربية، فستجد معظم دولها نفسها أمام “النموذج الباكستاني”، أما إذا سارت الأمور في اتجاه أفضل، فقد يكون “النموذج التركي” متاحا. فإلى أين تسير باكستان نفسها؟
رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو تقول “إنه لا ينبغي إجبار باكستان على الاختيار بين الحُكم العسكري والمسلّـحين (الإسلاميين)، ويجب أن تُـتاح لها الفرصة للسّير في اتجاه الخيار الديمقراطي”، وهو تصوّر شديد الطّـموح لمستقبل دولة تُـواجه احتمالات الفوضى، لدرجة يُـمكن في ظلها تصوّر أن مجرّد عودة “حالة نصف الاستقرار”، التي حكمت الدولة قبل عام 1999، أو حتى خلال رئاسة مشرف الأولى، تمثل سيناريو جيدا.
المعادلة القديمة
لقد قامت معادلة الحُـكم في باكستان منذ تاسيس الدولة في منتصف القرن الماضي على أساس وجود ثلاث قِـوى رئيسية، هي المؤسسة العسكرية والجماعات الإسلامية والتيارات المدنية، مع وجود مشكلات خاصة بالمناطِـق القبلية في الشمال الغربي طوال الوقت.
ويشير تطوّر النظام السياسي فى بداياته الأولى بعد الاستقلال عن الهند عام 1947، إلى أنه كان من المُـمكن أن تتّـجه البلاد نحو شكل من الحكم المدني، على الرغم من أنها أقِـيمت كدولة شِـبه دينية لمُـسلمي الهند.
لكن القرارات التي اتخذها مؤسس الدولة محمد علي جناح فتحت الطريق لسلسلة من عمليات الإقالة للحكومات المدنية، والتي استمرّت كنمَـط سائِـد بعد انفصال باكستان الشرقية (بنغلاديش) سنة 1971، مارسه العسكريون، كما مارسه كلّ حاكم عام ورئيس باكستاني، وصولا إلى برويز مشرف، عشر مرّات على الأقل.
فعلى مدى الستين عاما الماضية، حُـكِـمت باكستان عسكريا بشكل مباشر لمدة 33 سنة، وتولّـت السلطة فيها حكومات مدنية لمُـدة أقل، وهي 27 سنة.
لقد شهدت باكستان نمطا واضحا من التطور، يرتبط بقيام العسكريين بتوظيف المتطرّفين الدينيين لقلقلة الحكومات المدنية (العلمانية)، تمهيدا للإطاحة بها أو لاستمرار إبقائها خارج السلطة، إضافة إلى تصدير المشكلات الداخلية إلى الخارج وإدارة التعاون الخارجي مع الحلفاء، لكن الأمر لم يقتصِـر على استخدام التيارات الإسلامية، بل تعداه إلى اللجوء إلى بعض السياسيين المدنيين كواجِـهة للحكم العسكري، إضافة إلى – وهو الأهم – المحكمة العليا في بعض الأحوال، وهو ما يوضّح حجم التغير الذي يجري حاليا في باكستان.
الانهيار الكبير
ما يحدث حاليا، هو أن تلك المعادلة قد انهارت، فقد وصل التحالف بين نظام مشرف العسكري والمتطرفين الدِّينيين إلى نهايته، وبدأ الصِّدام المكشوف بين الطرفين، والذي وصل إلى محاولة اغتياله عدّة مرات وشنّ هجمات دموية في المدن الباكستانية، مع قيام قوات الجيش بدورها بشنّ هجمات واسعة على مناطق تمركزهم وسط القبائل، قبل اقتحام المسجد الأحمر، الذي سيطر عليه العسكريون في النهاية.
لقد تجاوزت التيارات الدّينية تلك الدائرة التي رسمتها لها السلطة في العاصمة، إذ بدأت تتدخّل في “الشأن العام”، وسيطرت عليها ميول طالبانية متشدّدة تُـجاه المجتمع، اعتبرت مهدّدة لاستقرار الدولة، كما بدأت تُـسيطر على كثير من القبائل المتذمرة أصلا في مناطق الشمال الغربي وتتحالف مع قيادات القاعدة وتدعم عناصِـر طالبان في أفغانستان، مما تسبّـب في مشكلات للرئيس الباكستاني مع الحلفاء الأمريكيين، الذين اتّـهموه بالتقاعُـس، وحتى عندما تدخّـل الجيش، تكبّـد خسائر فادحة، واضطر الرئيس إلى عقد تفاهمات معهم أو مع حلفائهم في مناطق الحدود.
لكن الصورة أعقد من ذلك، فقد تجاوزت طموحات مشرف السياسية كل الخطوط، بداية بالاحتفاظ بالرئاسة عبر استفتاءات شكلية أو انتخابات مشكوك فيها، واحتفاظه برئاسة الدولة ومنصبه العسكري وصلاحياته التي تتيح له إقالة الحكومات والبرلمانات وإدارة الانتخابات العامة بصورة تضمن إفراز موالين له يدعمون توجّـهاته، ممّـا أدّى إلى اندلاع صِـدام مفتوح مع المحكمة العليا، التي كادت في النهاية أن تُـعلن عدم دستورية جمعه بين المنصِـبين، قبل أن يعلن هو “إستباقيا” حالة الطوارئ في البلاد.
مأزق الدولة متعدد الأبعاد
لقد وجد الرئيس الباكستاني نفسه في مهبّ رياح ساخنة من كل اتِّـجاه، فقد تدنّـت شعبيته إلى حدود غير مسبوقة، ويبدو أن الشارع قد تخلّـى عنه كما يواجه تهديدات حقيقية من جانب الإسلاميين المتشدّدين والقبائل الحدودية والمحكمة العليا والمعارضة المدنية لأحزاب بي نظير بوتو ونواز شريف، كما يبدو أن المؤسسات التابعة له، بما فيها الجيش والاستخبارات، غير مُـسيطر عليها تماما من جانبه، وفي الوقت نفسه بدأت ضغوط حُـلفائه في الولايات المتحدة أيضا تتصاعد ضدّه.
لكن المشكلة الباكستانية تبدو حاليا أوسَـع بكثير من أن تكون مشكلة مَـن قد يصبح آخر الحكّـام العسكريين في باكستان، إذا لم يقم الجيش فجأة في وقت ما، قادم بما قام به الجنرال ضياء الحق عام 1977 أو ما قام به مشرف نفسه عام 1999، فقد بدأ مشرف يتراجع بشأن مسألة المنصِـبين والانتخابات العامة، إلا أن الدولة الباكستانية تواجِـه كارثة مُـفزعة، بفعل تصاعُـد نفوذ الإسلاميين المتشدّدين الذين هدّدوا بي نظير بوتو أيضا أو وصول مشكلات مناطق الحدود إلى حالة شِـبه كاملة من عدم السيطرة، أو ما يبدو من حالة عدم يقين بشأن الأوضاع داخل مؤسسات الدولة ذاتها، خاصة فيما يتعلّـق بالارتباطات العسكرية – الدينية.
إن ثمة سيناريوهات تتحدّث عن سقوط باكستان في أيدي الجماعات الإسلامية المتطرّفة أو لاحتمال تعرّضها لحالة حادّة من الفوضى وانفصالات الأمر الواقع في المناطق الحدودية، وقد سبق للدولة أن تشقّقت من قبل بانفصال قطاعها الشرقي عام 1971 إثر حرب أهلية دامية، هذا كله إن لم يتمكّـن الرئيس الباكستاني من إيجاد حل للخروج من المأزق عبر صيغة سياسية تحقق ما هو أقرب إلى “الخيار الديمقراطي”، الذي تتحدّث عنه بوتو، إن لم يكن الوقت قد تأخّـر وإذا كان الإسلاميون على استعداد للقبول تلك الديمقراطيات “العلمانية” الآن.
البركان الباكستاني
إن هناك مخاوِف حقيقية من انهيار الوضع العام في باكستان، ويؤكِّـد تحليل “نيوزويك”، الذي تمّـت الإشارة إليه في البداية، إلى أن “دولة فاشلة” أو دولة متطرّفة في باكستان ستقود إلى نتائج أكثر سوءا، مما قادت إليه أوضاع أفغانستان التي أفرزت هجمات 11 سبتمبر 2001، وأكثر سوءا مما تؤدّى إليه حالة العراق الراهنة، التي تتسبب في زلازِل متتالِـية في الشرق الأوسط، ولم تنته تأثيراتها بعدُ.
إن تعرّض باكستان لمشكلة حادّة يمكِـن أن يؤدي بالفعل إلى مشكلات كُـبرى تتجاوز بكثير حدود الدولة إلى الجوار في الهند (حيث توجد مشكلة كشمير) وأفغانستان (حيث توجد قوات الناتو وعناصر طالبان)، وكذلك وسط آسيا، وسوف تتجاوز حدود إقليم جنوب أسيا بالتأكيد إلى منطقة الشرق الأوسط، بل قد تصل تأثيراتها إلى دول أوروبية توجد بها جاليات باكستانية معتبرة تورّط بعض أفرادها من قبل في مشاكل ذات طابع إرهابي خطير، ويمكن الاستمرار في حساب النتائج إلى مدى يصل إلى المغرب على المحيط الأطلسي.
لكن هناك خطر استثنائي مثير يتعلّـق بوجود أسلحة نووية ومرافِـق نووية ومواد نووية في باكستان، وفي هذه اللحظة ليست لدى أحد القُـدرة على تصوّر ما الذي يمكن أن تفعله عناصر إسلامية متشدّدة على غِـرار طالبان أو القاعدة بالأسلحة أو المواد النووية، خاصة مع وجود متعاطفين معها في صفوف العلماء والعسكريين. وفي تلك الحالة أيضا، يوجد سؤال عمّـا يمكن أن يقوم به الأمريكيون في الفترة القادمة، إذا اتّـضح أن الأمور قد تخرج عن نطاق السيطرة.
إن بعض المحللين الباكستانيين يبدو شديد الهدوء تجاه ما يدور، فكثير منهم يعتبر أن ما يحدث هو حلقة أخرى من حلقات عدم الاستقرار الذي تعايشت معه باكستان لفترات طويلة سابقة، وأنه لا توجد أسس قوية لتلك التصوّرات التي تطرح في الخارج حول مستقبل باكستان، وأنه سيتم التمكن في نهاية المطاف من التوصل إلى مخرج ما، مدني سلمي أو عسكري حاد، ولن تصل الأمور إلى حدّ الفوضى. فهل يمكن فعلا تصوّر أنه لا يوجد مُـبرّر لهذا النوع من “القلق”؟
د. محمد عبد السلام – القاهرة
اسلام اباد (رويترز) – قالت إحدى الصحف الباكستانية يوم الاثنين 12 نوفمبر 2007 انه من المتوقع ان تستأنف المحكمة الباكستانية العليا هذا الاسبوع النظر في الطعون المقدمة ضد اعادة انتخاب الرئيس الباكستاني برويز مشرف لفترة جديدة على ان تصل الى قرار في مطلع الاسبوع القادم.
وعزل مشرف منذ أن علق العمل بالدستور وأعلن حالة الطوارئ في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني معظم كبار القضاة واحتجز محامين واعتقل معظم المعارضين السياسيين والناشطين في مجال حقوق الانسان.
وعلل اتخاذ هذه الخطوات بوجود سلطات قضائية مناوئة تعرقل المعركة ضد المتشددين وتتدخل في ادارة البلاد.
ويقول دبلوماسيون ان هدف مشرف الرئيسي من فرض حالة الطوارئ كان استباق اصدار المحكمة العليا لحكم بعدم شرعية اعادة انتخابه في السادس من اكتوبر تشرين الاول لانه لم يكن يحق له خوض الانتخابات بينما لا يزال قائدا للجيش.
وقدم منافسون للرئيس الباكستاني طعونا للمحكمة العليا على اساس انه لم يكن يحق له خوض الانتخابات أصلا وهو قائد للجيش.
وأعلن مشرف يوم الاحد ان الانتخابات العامة ستجرى في التاسع من يناير كانون الثاني القادم لكن في ظل حالة الطواريء التي فرضها قبل تسعة أيام.
وأضاف مشرف الذي يتعرض لضغوط من منافسيه وحلفائه الغربيين لاعادة باكستان الى مسار الديمقراطية انه سيتم حل الجمعية الوطنية الباكستانية والمجالس الاقليمية خلال الايام القادمة مع اكتمال مدد ولاياتها.
ولم يكشف مشرف عن موعد العودة للعمل بالدستور أو انهاء حالة الطواريء. وقال ان قراره بفرض حالة الطواريء كان أصعب قرار اتخذه الى الان لكنه قال انه عزز المعركة ضد المتشددين وضمن اجراء انتخابات نزيهة.
وقال مشرف في مؤتمر صحفي انه سيتخلى عن منصبه كقائد للجيش وسيؤدي اليمين كرئيس مدني بمجرد أن تبت المحكمة العليا في شرعية اعادة انتخابه في السادس من أكتوبر تشرين الاول رئيسا للبلاد. وقال انه يأمل في حدوث ذلك في أقرب وقت ممكن.
وعين مشرف بعد ان عزل قضاة مناوئين له في المحكمة العليا قضاة ينظر اليهم على انهم من المقربين للحكومة.
ونقلت صحيفة ديلي تايمز عن مالك عبد القيوم المدعي العام قوله ان المحكمة العليا ستستأنف جلساتها على الارجح يوم الاربعاء وأعرب عن أمله في ان تتوصل الى قرار بشأن الطعون في شرعية انتخاب مشرف وهو في منصب قائد الجيش في مطلع الاسبوع.
وقالت زعيمة المعارضة الباكستانية بينظير بوتو التي تطالب بانهاء حالة الطوارئ وتدعو الى اجراء انتخابات بسرعة ان الاعلان عن موعد الانتخابات علامة ايجابية.
لكن بوتو قالت ان هناك حاجة لمزيد من العمل وانها تعتزم قيادة مسيرة راكبة من لاهور الى اسلام اباد يوم الثلاثاء الا اذا تخلى مشرف عن منصبه كقائد للجيش ورفع حالة الطواريء واعاد العمل بالدستور. وطالبت بوتو باعادة القضاة المعزولين لكن مشرف استبعد ذلك.
كما رحبت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس بالاعلان عن موعد الانتخابات لكنها دعت الى انهاء حال الطوارئ.
وتدنت شعبية مشرف منذ محاولته الاولى لاقصاء افتخار تشودري كبير قضاة المحكمة العليا في مارس اذار لكن محللين يقولون انه يحظى بتأييد الجيش.
وارتفعت اسعار أسواق المال التي تضررت من اعلان حالة الطواريء في معاملات الاثنين بعد الاعلان عن موعد الانتخابات.
وتخشى الولايات المتحدة أن تعرقل الاضطرابات جهود باكستان حليفتها في الحرب على الارهاب ضد مقاتلي القاعدة وطالبان. وتخوض القوات الباكستانية قتالا ضد متشددين اسلاميين على الحدود الافغانية حيث يعتقد أن أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة يختبئ.
وقالت الولايات المتحدة التي تقدر مشرف كحليف في القتال ضد القاعدة وطالبان انها تتوقع من مشرف الذي جاء للسلطة في انقلاب سلمي عام 1999 أن يتخلى عن منصبه في الجيش ويصبح زعيما مدنيا ويجري انتخابات.
وقالت رايس لمحطة (ايه.بي.سي) التلفزيونية الامريكية ان الخطوات التي وعد بها مشرف “ضرورية لاعادة باكستان الى مسار الديمقراطية” لكنها أضافت “نشجع أيضا على ضرورة رفع حالة الطواريء ورفعها في أسرع وقت ممكن.”
وأعلن مشرف ان الانتخابات يجب أن تجرى قبل التاسع من يناير كانون الثاني قبل بدء فترة حداد سنوية للشيعة حيث يتصاعد في معظم الاحيان العنف الطائفي.
وكان من المتوقع أن تجرى الانتخابات بحلول منتصف يناير كانون الثاني قبل حالة الطواريء التي أعلنها مشرف في الثالث من نوفمبر تشرين الثاني والتي أثارت عاصفة من الانتقادات.
وأضاف مشرف أنه يتوقع الافراج عن جميع الذين اعتقلوا الاسبوع الماضي للمشاركة في الانتخابات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 نوفمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.