مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

براغماتية “فدرالية” في مجال التكوين

في النظام الفدرالي السويسري، تحتفظ الكانتونات بسلطات واسعة جدا في مجال التكوين والتعليم Keystone

مثلما كان متوقعا، أظهر التصويت الإيجابي من طرف الناخبين والكانتونات لفائدة فصول دستورية حول التكوين، تخليّا عن الدفاع المستميت عن الفدرالية.

وفي حين ظلت سيادة الكانتونات في مجال التكوين أمرا غيرَ قابلٍ للانتهاك لعقود طويلة، يُـمكن اعتبار تصويت 21 مايو “مُـنعرجا” لم تتّـضح أبعاده بعد.

اقل ما يمكن أن يقال بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء المتعلّـق بتحوير فصول دستورية حول ملف التكوين، أن المقترح الحكومي قد حصُـل على التأييد بسهولة كبيرة بعد أن اتّـضح أن جميع الكانتونات قد صادقت عليه، وأن نسبة الناخبين المؤيدة له (86%) تكاد تليق بالديمقراطيات الشعبية الراحلة.

وفي الواقع، يندر جدا أن يحصل مقترح معروض على التصويت الشعبي في سويسرا على إجماع من هذا القبيل. ولعل التفسير يكمن بداية، في أن التحويرات المقترح إدخالها على الدستور الفدرالي لم تكن مرفوضة من أي طرف تقريبا.

فالحكومة الفدرالية والبرلمان وكل الأحزاب السياسية تقريبا، (ومن ضمنها الأحزاب الأربعة الممثلة في الحكومة الفدرالية)، قد أعلنت، وبشكل مبكّـر عن تأييدها لها.

أما المعارضة، المحدودة أصلا، فقد اقتصرت في نهاية المطاف على تيارات أقصى اليسار (لكن وزنها محدود جدا في سويسرا) وعلى بعض الأصوات المعزولة في صفوف اليمين المتشدد.

انتصار البراغماتية

في مجال التعليم والتكوين، يمكن أن يتسبّـب النظام الفدرالي – رغم فوائده الجمة – في بروز بعض المشاكل العملية. وهكذا، يمكن أن يتحوّل تغيير مكان الإقامة من كانتون إلى آخر إلى مُـعضلة حقيقية للعائلات، حيث يواجه الآباء الذين لديهم أطفال في سن الدراسة مشاكل متعدّدة من قبيل اختلاف عدد سنوات الدراسة في المرحلة الابتدائية أو الثانوية أو المتوسطة بين المنطقتين أو وجود فوارق بينة بين مضامين البرامج المدرسية.

من هنا، اعتبر السويسريون يوم الأحد 21 مايو أن إضفاء المزيد من الانسجام أصبح مسألة ضرورية، إذ أن تعليما متشظيا بين 26 نظاما محليا مختلفا (نسبة إلى كانتونات سويسرا الـ 26) أضحى أمرا غير متلائم مع ضرورات العصر، الذي يقتضي مواجهة متطلبات تعليمية وتكوينية لبلد وإقليم يتعولم يوما بعد يوم. لذلك، تُـعتبر نتيجة التصويت انتصارا لروح عملية وبراغماتية جديدة.

في هذا السياق، يمكن القول أن أداء النظام التربوي السويسري، غير الجيّـد أحيانا، قد أقنع الناخبين بضرورة إضفاء مزيد من الانسجام والتقارب عليه. فعلى سبيل المثال، أظهرت نتائج الدراسة الدولية المعروفة باسم « PISA »، التي تُـنجز دوريا للمقارنة بين مستوى التلاميذ من سن معيّـن في الدول الصناعية والمتقدمة، أن خِـبرات الأطفال السويسريين في مجال القراءة متوسّـطة مقارنة ببقية نظرائهم.

إنها ليست ثورة

رغم كل ما سبق، تظل نتيجة التصويت مُـدهشة، ولأن معظم السويسريين لا زالوا مصرّين على التمسك بخصوصيات الفدرالية، فقد كان من المُـنتظر أن تواجِـه المقترحات المعروضة على الناخبين معارضـَة أكبر.

يجدر التنويه إلى أن هذا التحوير الدستوري لا يشكّـل ثورة بحدّ ذاته، إذ ستحتفظ الكانتونات باستقلاليتها في مجال التعليم، ولن يخضع هذا القطاع لهيمنة الكنفدرالية بأي حال من الأحوال في المستقبل.

واقعيا، ستتم عملية التنسيق والتقريب بين مختلف برامج التعليم والتكوين في سويسرا عن طريق “الندوة السويسرية لمدراء التعليم العمومي في الكانتونات”، ولن تتدخل الكنفدرالية إلا في آخر المطاف، أي عندما تعجز الكانتونات عن التوصل إلى اتفاق فيما بينها.

أما في الوقت الحاضر، فإن احتمالا من هذا القبيل ليس مطروحا، حيث تقدّمت الكانتونات مؤخرا بمشروع توافقي يحمل اسم (HarmoS)، يهدف إلى إلغاء عدد من الاختلافات التي تميّـز أنظمتها المدرسية في الوقت الحاضر.

من جهة أخرى، يمنح تصويت الأحد صلوحيات جديدة للكنفدرالية في مجال التعليم، لكن المستقبل وحده سيكشف عن كيفية استعمال برن لها.

وسائل الإعلام ترحّـب

الصحافة السويسرية الصادرة يوم الإثنين أعربت عن ارتياحها لنتيجة التصويت، لكن معظم الجرائد لم تتوقف كثيرا في تعليقاتها لتحليل أبعاد الحدث. وفيما استغرب بعض المعلّـقين من ضخامة التأييد، اختلفت التقييمات للأسباب التي دعت الناخبين إلى التصويت بأرقام “سوفياتية” على التحويرات المقترحة.

ولقد لخّـصت صحيفة بازلر تسايتونغ (تصر في بازل) الموقف بالقول، “لقد فهم الجميع أنه لا يمكن الدخول في القرن الحادي والعشرين، بناء على هياكل يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر”.

أما بعض الصحف الأخرى، فقد تركّـز اهتمامها على نسبة المشاركة الضعيفة جدا (27%) في التصويت، وهي أدنى نسبة في تاريخ المشاركة المدنية في سويسرا تقريبا، لذلك لم تتردّد صحيفة كوريري دل تيتشينو، الصادرة في لوغانو، في اعتبار أن هذه النسبة هي “الحدث الأهم” في تصويت يوم الأحد.

عدد من المحللين اعتبروا أن التصويت كان مهمّـا، لأنه يمثّـل في نهاية المطاف، “ضربة للفدرالية” حسب رأيهم. فصحيفة لوماتان، الصادرة في لوزان، قالت إن السويسريين قالوا “نعم واضحة لضجرهم من مفهوم تجاوزه الزمن للفدرالية تُـدافع عنه الأوساط القومية”، أما صحيفة “24 ساعة”، الصادرة في لوزان أيضا، فقد اعتبرت أن تصويت 21 مايو يتجاوز الإطار المدرسي، نظرا لأن “ريحا مركزية تنفخ على المؤسسات السويسرية” منذ عدّة أعوام.

أخيرا، تركّـز اهتمام الصحف الصادرة باللغة الألمانية على المرحلة القادمة، حيث اعتبرت صحيفة نويه تزورخر تسايتونغ أن العبء يقع مستقبلا على عاتق الكانتونات، التي يتوجّـب عليها تطبيق الإجراءات التي سيُـتفق عليها، فيما أشارت صحيفة دير بوند، الصادرة في برن، إلى أنه يتوجّـب على السياسة المدرسية المشتركة بين الكانتونات أن “تُـقيم الدليل على أنها تجيد القيام بإصلاحات ملموسة”.

سويس انفو

صادق 86% من الناخبين على الفصول الدستورية الجديدة حول التكوين.
أيدت جميع الكانتونات التحويرات المقترحة.
الكانتونات الأكثر تحمّـسا للتغييرات كانت برن (93%) ونوشاتيل (93%)، أما الكانتونات الأقل تأييدا للمقترحات فكانت تيتشينو (60%) وأبنزل رودس الداخلية (59%).
بلغت نسبة المشاركة في التصويت 27%، وهي النسبة الأدنى تقريبا في تاريخ المشاركة المدنية في سويسرا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية