برتقال غزة في بطن إسرائيل
يقول أكثر من 80% من إسرائيليين، شملهم استطلاع للرأي مؤخرا، إنهم لم يزوروا قطاع غزة مرّة واحدة في حياتهم.
ومع ذلك، فإن أكثر من 40% من هؤلاء يرفضون انسحاب جيشهم من هذه الأرض الفلسطينية.
ليس خافيا أن غالبية من شمَلهم الاستطلاع قد خدموا في الجيش الإسرائيلي الذي يحتل غزة منذ عام 1967، إن لم يكن معظمُهم، لكن المسألة لم يتم الاشارة إليها في الاستطلاع الذي نشرته الصحافة الإسرائيلية مؤخرا.
وفي حين ينظر الفلسطينيون إلى الانسحاب المُـرتقب على أنه اندحار لاحتلال استمر نحو 40 عاما ودخول الى نافذة حرية، تبدو الصورة على الجانب الإسرائيلي وكأنها معركة من عيار آخر لا يلتفت إلى مسألة الخوض في الاحتلال وتداعياته، بل إن جل النقاش الدائر في إسرائيل على خلفية هذا الانسحاب المنتظر، يسير رهنا بأحكام مجتمعية خالصة تدور في فلك من الآراء المختلطة بين اليمين، ويمين اليمين، والأهم المركز، والوسط، الذي يشكّـل رأي الغالبية.
وليست نسبة التأييد أو الرفض محصورة بقبول أو رفض الانسحاب بشكل مطلق، ولا هي، وفق الاستطلاعات المتباينة، محكومة بماذا ستكون عليه صورة الإسرائيلي المحتل، والفلسطيني المظلوم المغبون.
ما يشغل جموع الإسرائيليين الذين لم يذهبوا إلى غزة ولو مرة واحدة طيلة حياتهم، سوى في بساطير العسكر، هم من طعم مختلف ولون برتقالي يرمز إلى المعارضة، ولكنه ليس مثل لون برتقال غزة الذي اقتلعته جرافات ودبابات جيش الدولة العبرية، ولا هو كذلك بالنسبة لاؤلئك الذين اختاروا اللون الأزرق، لون المؤيّـدين للانسحاب، وهو بالتأكيد ليس لون مياه بحر غزة الذي ظلت قوارب عسكر إسرائيل تمنع مراكب الصياديين من الاقتراب من أسماكه.
قصة الانسحاب من غزة في إسرائيل هي غيرها تماما عن تلك التي يتداولها الفلسطينون وغيرهم من المهتمين، هي قصة داخلية مَـحضة يتم تأويلها بلسان عبري خالص.
خوف من اندلاع حرب أهلية؟
ثمة انقسام أو مجموعة من الانقسامات تؤثر في هيكلية النظرة الإسرائيلية لموضوع الانسحاب، وهي متعلقة بالأساس، حسب ما يقول قاسم الخطيب، الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية، بمجموعة من تيارات الرأي، وهذه المجموعات التي يشير إليها الخطيب، هي مجموعة المستوطنين في مستوطنات غزة، وهم منقسمون بين المؤيد الذي سيغادر، والمعارض الذي يرفض ويريد البقاء.
ثم يلي ذلك تيار اليمين المنقسم بين اليمين المتطرف الذين يقفون على يمين رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، لاسميا تحت القيادة غير المعلنة لوزير المالية بنيامين نتانياهو.
وهناك أيضا التيار ذو الغالبية الكبرى، والذي يحمل إسم المركز أو الوسط، وهو التيار الذي يحسم، على الأقل في استطلاعات الرأي، بينما يأتي في ذيل القائمة اليسار تحت قيادة حزب العمل.
أما تيار أليسار، فإنه تابع لليمين الذي يمثله رئيس الوزراء شارون ولا يملك إلا أن يوافق على ما يوافق عليه، الأمر الذي لا يترك له مجالا كبيرا في التاثير.
لكن جماعة اليمين المتطرف يمكن أن تترك آثارا أكبر، لاسيما وأنها تتعامل مع المسألة باستخدام رفضها للانسحاب، شرط أن لا يكون تمهيدا لانسحاب مماثل من الضفة الغربية مستقبلا.
أما دائرة الوسط أو المركز، وهي الدائرة الأكثر تأثيرا، فإنها تنظر إلى المسألة من زاوية الحرب الأهلية، وهي غير معنية بما سيكون عليه حال الفلسطينيين، بل إنها تتعامل وفقا لمخاوف من إثارة انفجارات داخلية.
المخاوف مرتبطة هنا بتجربةإخلاء مستوطنينن من منازلهم، وهي تجربة غير مسبوقة بالنسبة للإسرائيليين،إذ كانت تجربة إخلاء مستوطنات سيناء في اتفاق كامب ديفيد مع مصر، تجربة مغايرة في بداية العهد بالاستيطان.
وفي هذه الدائرة من الانقسامات، تسير قافلة الرأي الإسرائيلية المتذبذبة صعودا وهبوطا نحو رفض الانسحاب أو التأييد، لكنها جميعا متفقة في النهاية على أنه قادم لا محالة.
وعليه، يكون القاسم المشترك الوحيد بين هذه التناقضات الإسرائيلية، استبعاد الرقم الأساسي في المعادلة، وهو القائم الفلسطيني مقابل رعاية الهم الأسرائيلي الأساسي المختبئ وراء يافطة “الخوف من إندلاع حرب أهلية”.
وفي الوقت الذي يواصل فيه الطرفان الرئيسيان في إسرائيل، حاملو الرايتين البرتقالية والزرقاء، منشغلون في داخلهم الخاص، يكون برتقال غزة قد غار في بطن الدولة العبرية، ويكون بحرها الأزرق قد ظل بعيدا عن متناول الصيادين والمصطافين في صيف الانسحاب المرتقب.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.