بريدك الإلكتروني .. تحت المجهر!
يخضع مستعملو شبكة الإنترنت في سويسرا منذ أول أبريل إلى مراقبة مراسلاتهم الألكترونية من طرف موفري الخدمات.
وطبقا للقانون الجديد، سيكون مُتاحا للسلطات القضائية الجنائية “التقاط” رسائل البريد الإلكتروني للأشخاص المتهمين أو المشتبه في ارتكابهم لجرائم محددة.
أصبح مفروضا على موفري خدمات الإنترنت في سويسرا الإحتفاظ في أرشيفهم لمدة ستة أشهر بمواعيد وتواريخ ارتباط حرفائهم بالشبكة وإرسال واستقبال الرسائل الألكترونية المُرسلة أو المستقبلة على حد السواء.
ويمثل هذا الإجراء الخطوة الأولى في عملية تطبيق المرسوم الفدرالي الجديد الذي جاء – منذ الفاتح من شهر يناير 2002 – مكملا للقانون الفدرالي المتعلق بمراقبة المراسلات عبر البريد العادي والوسائل الألكترونية.
أما المرحلة الموالية فسوف تشمل تحديث وسائل مراقبة الهواتف التقليدية أي كل ما يتعلق بخدمات البدالات والشبكات الهاتفية الثابتة والجوالة.
لذلك من المتوقع أن تقوم شركات الهاتف والمواصلات الخاصة ووزارة الإتصالات الفدرالية بإنجاز استثمارات مهمة لتعصير تجهيزاتها من الآن وإلى عام 2004.
مجال المناورة .. محدود!
في المقابل، يؤدي القانون الجديد – على عكس ما يفترضه البعض – إلى تقليص مجال المناورة المتاح سابقا لقضاة التحقيق. فقد كان بإمكانهم التوجه بمطالبهم مباشرة إلى موفري الخدمات لكنهم أصبحوا الآن في حاجة لتقديم مبررات كافية وواضحة.
إذ ينص القانون الذي بدأ العمل به يوم الثلاثاء في سويسرا على أنه يتوجب على قضاة التحقيق – في صورة فتح تحقيق جنائي – الإستظهار بترخيص من دائرة المهمات الخاصة التابعة لوزارة الإتصالات (DETEC)، وهي الجهة التي سيتعين عليها الإتصال أولا بالشركات الموفرة لخدمات الإنترنت.
يُضاف إلى ذلك أن القانون الجديد لا يشمل الجامعات والمكتبات العامة ومقاهي الإنترنت. كما أنه لا تُوجد أية موانع قانونية أو تقنية تحول دون تحايل مجرم مُحتمل على الحواجز القانونية الجديدة وافتتاح حساب مجاني للبريد الألكتروني لدى موفري خدمات خارج البلاد.
من جهة أخرى، وضع المرسوم إطارا محددا لمجال تدخل قضاة التحقيق من خلال تضمنه لقائمة تشتمل على حوالي سبعين جريمة. لكن الملفت أن هذه القائمة لا تنص على مخالفات ترتبط بالعنصرية أو بالسطو والسرقة أو بالقرصنة من خلال شبكة الإنترنت. ومع انها تُبرز جريمة صكّ نقود مزيفة إلاّ أنها تهمل تماما ترويج النقود المزيفة.
وتشتمل القائمة أيضا على جريمة تبييض الأموال إلا أن الإشكال هنا يتمثل في أنه لا مفر من القيام بمراقبة “استباقية” لبريد المشتبه فيه من أجل التمكن من الكشف عن جريمة تبييض الأموال!
قانون ومشاكل ..
ويرى توماس هانس جاكوب، قاضي التحقيق في كانتون سانت غالن (شرق سويسرا) ورئيس الندوة السويسرية لسلطات المتابعة الجنائية أن “المشكل يأتي من القانون نفسه”.
فالقانون الذي أقره البرلمان ظل متأثرا بمخلفات قضية “الملفات السرية” التي هزت الرأي العام في نهاية حقبة الحرب الباردة عندما اكتشف السويسريون أن مكتب المدعي العام الفدرالي كان يتجسس – بشكل غير قانوني – على مئات الآلاف من الأشخاص لمجرد الإشتباه في تأييدهم للتيارات الشيوعية أو لبلدان المنظومة الإشتراكية وذلك إلى موفى الثمانينات!
لذلك – وبناء على الدروس المستخلصة من تلك القضية – حاول المشرّعون الحد من إمكانيات مراقبة المواطنين السويسريين وهو ما دفعهم إلى بلورة قائمة محددة بالجرائم والجنايات التي يمكن بسببها تبرير إتخاذ قرار فرض المراقبة على بريد الشخص المتهم أو المشتبه فيه.
ويوضح توماس هانس جاكوب أن القائمة تغطي عمليا 98% من الجنايات لكن نسبة 2% المتبقية هي التي تثير الإشكال حسب رأيه، وينوه بالخصوص إلى الجرائم التي “تفرض خطورتها المراقبة”. لذلك يعتبر قاضي التحقيق أن القاعدة التي استندت إليها اللجنة البرلمانية التي ناقشت بنود القانون الجديد كانت “مُـغرقة في النظريات” !
تجديد مُكلف!
ويستشهد قاضي التحقيق بمثال محدد. فالقانون الجديد لا يتضمن ما يُتيح تبرير مراقبة البريد الألكتروني لشخص يقوم ببيع مئات الآلاف من حبوب الفياغرا عبر شبكة الإنترنت نظرا لعدم تضمن القائمة التي صادق عليها البرلمان لقانون الأدوية. ويضيف أنه “من المفترض أن تتم ملاحقة مثل هذه العملية نظرا لما تمثله من خطورة”.
وفيما اعتبر توماس هانس جاكوب أن من أهم إيجابيات المرسوم الفدرالي الجديد المساهمة في توضيح مهام ودور الشركات الموفرة لخدمات الإنترنت، إلا أنه عـبّـر عن الأسف لأن اختيارات المشرّع – الذي لم يكن يرغب في تحميلها أعباء مالية إضافية – جاءت مُراعية للمسائل التقنية أكثر مما لاحظت احتياجات المحققين” حسب قوله.
أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن التكلفة المالية لتنفيذ ما جاء في المرسوم الفدرالي جاءت باهظة جدا بالنسبة لموفري خدمات الإنترنت. إذ تشير شركة “سانرايز” مثلا إلى أنها أنفقت مليون فرنك سويسري من أجل توفير ما يكفي من ملفات الأرشيف المطابقة للمواصفات المطلوبة.
بدأ العمل بالمرسوم الفدرالي حول مراقبة المراسلات عبر البريد والوسائل الألكترونية في 1 يناير 2002
ابتداء من 1 أبريل 2003 يُمكن لسلطات المتابعة الجنائية إصدار الأمر باعتراض البريد الألكتروني لأشخاص مشبوهين
من المفترض أن تكون دائرة المهمات الخاصة التابعة لوزارة الإتصالات الفدرالية مؤهلة وقادرة على تقديم العون المطلوب للعدالة
يفرض القانون الجديد على موفري خدمات الإنترنت الإختفاظ بنُسخ من الرسائل الألكترونية المُرسلة أو المتلقاة من طرف المشتركين لديهم لفترة ستة أشهر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.