مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد توسيع الاتحاد.. جاءت “سياسة الجوار”

يرى البعض أن المبادرة الأوربية الجديدة تمثل مساهمة من جانب الاتحاد في دفع عجلة الإصلاح خاصة في دول الجنوب Keystone

بعد أسبوعين من توسع الاتحاد شرقا، وضعت المفوضية الأوروبية مقترحات سياسية واقتصادية تهدف إلى إدماج بلدان الجوار في منظومة القيم السياسية واقتصاد السوق.

وتمثل المبادرة (اعتمدت يوم 12 مايو) رسالة سياسية تُُطمئن البلدان المجاورة للإتحاد وروسيا وأوكرانيا وروسيا البيضاء ومولدافيا حول نوايا الاتحاد.

ترتبط كل من بلدان الجوار الأوروبي، باستثناء روسيا البيضاء وروسيا، بالاتحاد الأوروبي عن طريق اتفاقيات شراكة تشمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والبشرية.

فالبلدان المتوسطية تنخرط في خطة الشراكة الأوروبية المتوسطية منذ منتصف العقد الماضي، وكل منها يُـجري حوارات منتظمة مع الإتحاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي. كما أن روسيا ترتبط بالاتحاد وفق استراتيجية بعيدة الأمد تضعها في مثابة الحليف الأكبر في شرق القارة.

وبعد أعوام من دخولها حيّـز التنفيذ، يبدو مردود اتفاقيات الشراكة (مع تونس والمغرب والأردن وغيرها) محدودا على الصعيد السياسي. فتأثير الاتحاد يكاد يكون منعدما، ولم يتجسّـد في سياسات مؤثرة في الأوضاع الداخلية لكل من الشركاء، سواء في جنوب شرق الحوض المتوسط أو في أوكرانيا وروسيا.

كما أن تدهور الوضع في الشرق الأوسط، وتصاعد السياسات المتطرفة في إسرائيل، مدعومة من الولايات المتحدة خاصة بعد سبتمبر 2001، قد انعكس سلبا على مصداقية وقدرة الاتحاد على التأثير في سير الأوضاع في المناطق المجاورة.

وانكشف الضعف الأوروبي مع تفجّـر الموقف الجماعي حيال أزمة العراق وانقسام البلدان الأعضاء بين غالبية ساندت الحرب الأمريكية البريطانية، وأقلية تشكّـلت من حول المحور الألماني الفرنسي وتمسّـكت بمُـقتضيات الشرعية الدولية وأولوية العمل المتعدد الأطراف على الصعيد الدولي.

وتكشف وقائع الحرب الجارية في العراق وفضائح التعذيب في السجون العراقية أن الإدارة الأمريكية وحليفتها بريطانيا قد بدأتا تفقدان السيطرة على الأوضاع في العراق، وهما تنتظران الآن مساعدة المجموعة الدولية لإنقاذ الوضع.

وقد تكون مبادرة الرئيس بوش لتغيير الأوضاع في “منطقة الشرق الأوسط الكبير” ضمن ضحايا تطورات الحرب في العراق. فالولايات المتحدة تلقّـن العالم العربي دروسا في الديمقراطية واحترام القانون، بينما يقوم جنودها بتنفيذ كافة أشكال الانتهاكات في حق المعتقلين العراقيين.

الجوار .. والقيم المُشتركة

ويمثل توسيع الاتحاد الأوروبي والرغبة في دفع مسارات الإصلاح في دول الجوار حافزا بالنسبة للاتحاد الأوروبي.إذ تأتي المقترحات التي قدمتها المفوضية تحت عنوان “سياسة الجوار الأوروبي” في مثابة المساهمة الأوروبية لتشجيع عمليات الإصلاح في البلدان المعنية.

وتقول الوثيقة التي ستقدمها المفوضية إلى كل من المجلس الوزاري والبرلمان الأوروبي بأن “سياسة الجوار الأوروبي تهدف إلى إفادة الشركاء من تبعات توسيع الاتحاد، وذلك من أجل تعزيز الاستقرار والأمن للبلدان الأعضاء والشركاء”.

ويعتقد خبراء المفوضية بأن جمود الوضع السياسي في العديد من بلدان الشراكة الأوروبية المتوسطية أو في شرق أوروبا يُعد ضمن مسبّـبات انعدام الاستقرار.

وتذكر الوثيقة الأوروبية بأن العلاقات مع البلدان المجاورة “ستستند إلى الالتزام المتبادل بالقيم المشتركة المتصلة خاصة بمجالات دولة القانون، وحسن الإدارة، واحترام حقوق الإنسان، وحق الأقليات، وتشجيع سياسة حسن الجوار ومبادئ اقتصاد السوق والتنمية المستديمة”.

ويتزايد قلق البلدان الأوروبية جرّاء مخاطر الإرهاب والعمليات التي استهدفت المدنيين الأبرياء في شهر مارس الماضي في مدريد، وتُـضاعف هذه المخاطر درجات استنفار الأجهزة الأمنية الأوروبية لمكافحة الإرهاب ونشاط الجريمة المنظمة، وتهريب البشر، وحاجات قوات الأمن إلى تعزيز التعاون مع نظيراتها في البلدان المجاورة.

وتذكر المفوضية في مقترحاتها بأن البلدان المجاورة “مدعوة للالتزام بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجال السياسة الخارجية، وبشكل خاص مكافحة الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل”.

الامتيازات الاقتصادية ليست مجانية

ويرى مراقبون في أٍسلوب العمل على صعيد ثنائي وسيلة لتشجيع البلد الشريك على احترام مبادئ الحريات السياسية وحقوق الإنسان ودولة القانون.. في مُقابل بعض الإغراءات الاقتصادية.

لكن الامتيازات الاقتصادية ليست مجانية أو أحادية الجانب. إذ تقتضي علاقات الشراكة وسياسة الجوار السير نحو تحرير المبادلات التجارية وقيام منطقة التبادل الحر الأوروبية المتوسطية في عام 2010. وتتحدث الوثيقة الأوروبية عن “تنظيم الهجرة” بدلا عن حرية تنقل السكان.

وتستند سياسة الجوار الأوروبي إلى الاتفاقيات الثنائية القائمة مع كل من بلدان الشراكة، وتعتمد منهجية العمل على علاقات التعاون الثنائي بين الاتحاد والبلد المعني، ومدى رغبة الأخير الاندماج أكثر فأكثر في حيز السياسة الأوروبية.

وتقترح المفوضية توثيق التعاون مع كل الشركاء إلى درجة إدماجهم في السوق الداخلية، ويعني المصطلح أن يتمتع البلد المعني بحريات تنقل البضائع والرساميل والخدمات، ولكن من دون حرية تنقل الأشخاص. وتوجد الامتيازات نفسها ضمن مقتضيات اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية.

ورأى عضو المفوضية غونتر فورهيغن بأن القيمة المضافة لسياسة الجوار الأوروبي تكمُـن في “منهجية السير على الصعيد الثنائي وفق وتيرة الإصلاحات الجارية داخل كل من الشركاء حتى أهداف الاندماج في السوق الداخلية”.

وقد تكون الأهداف عنصر إغراء بالنسبة للمستثمرين، لكنهم سيظلون ينظرون في اتجاه الأسواق الكبيرة والواسعة، وهو ما لا يوفره واقع التجزئة في جنوب شرق حوض البحر الأبيض المتوسط.

نورالدين الفريضي – بروكسل

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية