بعد قرار المحكمة.. أردوغان ما بين التسوية أو استمرار”الثورة”!
بعد أربعة أشهر ونصف فقط على طلب المدعي العام عبد الرحمن يالتشينقايا إغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أصدرت المحكمة الدستورية يوم 30 يوليو قرارها التاريخي برفض الطلب، وبالتالي، استمرار الحزب وقادته في الحياة السياسة وفي السلطة.
ورغم أن القرار طلب حِـرمان الحزب من نصف المساعدات المالية التي يتلقاها من الدولة وتقدر بـ 18 مليون دولار، إلا أن القرار اعتبر انتصارا للحزب وللديمقراطية في تركيا، ونجا الحزب من أن يكون أول حزب يُـحظر في تاريخ تركيا الحديث وهو في السلطة.
وقد رفضت المحكمة القرار بعدما فشل في الحصول على تأييد سبعة من أصل أعضائها الأحد عشر. وباستثناء معارضة رئيس المحكمة هاشم كيليتش، فقد وافق كل الأعضاء على اعتبار حزب العدالة والتنمية “بُـؤرة معادية للعلمانية”. وقد اعتبر رئيس المحكمة القرار بأنه تحذير جدّي للحزب ما يوجب أن يأخذه في عين الاعتبار في سلوكه المقبل.
قرار المحكمة الدستورية، سابقة في تاريخ قراراتها في السنوات الأخيرة، فهي أيدت كل طلبات الحظر التي قُـدِّمت إليها وانتهكت الدستور مرّتين في السنة الأخيرة: مرة عند اشتراطها الثلثين نصابا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في مايو من العام الماضي ومرة قبل شهر ونيف، عند نظرها في مضمون التعديل الدستوري، وليس كما يقتضي الدستور في شكله فقط في طلب إلغاء التعديل الدستوري الذي يسمح للمحجّـبات دخول الجامعات.
وطالما اعتبرت المحكمة الدستورية رأس حربة قضائية لقوى الدولة العميقة وتنفّـذ ما يعجز الجيش عن تنفيذه بحق التيارات السياسية المعارضة لتوجّـهات المتشددين من العلمانيين.
ولعل المحكمة الدستورية في قرارها الأخير غير المتوقع، قد تجنّـبت تعطيل مفعول أي قرار قد تتّـخذه بحظر الحزب.
فالواقع السياسي في البلاد كان يُـتيح عودة تيار اردوغان إلى السلطة عبر حزب بديل من النواب الحاليين، طالما أنهم سيستمرون في امتلاك أكثر من ثلاث مائة نائب بعد أن يحظر النواب الأربعون الواردة أسماؤهم في طلب المدّعي العام. كما أن اردوغان شخصيا كان سيعود نائبا بصفة مستقلة، بل يترأس حكومة جديدة بصفة مستقلة ويستكمل من مُـنطلق الانتقام ما كان ينوي فعله منذ أكثر من سنة.
نجاح حكومة أردوغان
صحيح أن الأمر كان سيأخذ بعض الوقت ويحدث بعض الإرتباك، لكن اردوغان كان سيعود أقوى ومن جديد، انطلاقا من مبدإ المغدورية والضحية، التي غالبا ما كانت تغيِّـر اتجاه الأحداث، هذا أولا.
وفي الوقت نفسه، نجح اردوغان في إدارة معركة المواجهة وفي استخدام عناصر القوة عنده والضعف عند خصومه. وفي مقدمة هذه العناصر، توقيت الكشف عن منظمة “ارغينيكون”، التي كانت تضم عناصر عسكرية عُـليا، من بينها قائد جيش ايجه السابق وقائد الدرك، وشخصيات أخرى قضائية وصحافية واقتصادية وما إلى ذلك. وتبين من التحقيقات أن هذه المنظمة كانت تخطط لاغتيالات وانقلابات ضد حكومة اردوغان وأن بعض قياداتها كانت على اتصال مع المدّعي العام، لرفع دعوى لحظر حزب العدالة والتنمية، وهو ما أحرج الجيش والقضاء أمام الرأي العام وأظهر حزب العدالة والتنمية في موقع المُـدافع عن الديمقراطية والسلم الأهلي.
ومن اللافت أن ادّعاء القضاء على شبكة ارغينيكون، استثنى اسمي الجنرالين العسكريين المتقاعدين خورشيد طولون وشينير اراويغور، وهو ما فسّر إتاحة للمجال أمام القضاء العسكري ليأخذ دوره، بدلا من أن يفسّر ذلك انتقاما حكوميا من العسكر.
من جهة أخرى، نجحت حكومة اردوغان في إشاعة جو من القلق من عواقب أي حظر لحزب العدالة والتنمية، وكان أبسط هذه السيناريوهات أن تركيا ستكون أمام كارثة اقتصادية وفوضى سياسية وعُـزلة دولية واستعارة للنّـزعة الكردية والمذهبية، وإضاعة للمكانة الخارجية التي حقّـقتها في أعوام سلطة الحزب. ورغم أن في هذا الكلام الكثير من الحقيقة، لكن استمرار واقع تيار حزب العدالة والتنمية في السلطة كان سيُـقلل من هذه المخاوف.
وعملت ردود الفعل الأجنبية، ولاسيما الأوروبية، على تشكيل عامل ضاغط على المحكمة الدستورية لمنع حظر حزب العدالة والتنمية. فالمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي كانت ستتأثر حتما، إن لم يكن بقطعها فبتجميدها أو تأخيرها على الأقل، أكثر من سنة في انتظار السلطة الجديدة.
ما هو مستقبل العدالة والتنمية؟
واليوم، بعد قرار المحكمة، فإن اردوغان مطالب بتسريع الإصلاحات على الطريق الأوروبي، فما أنجزه سابقا كان من عوامل احتضان أوروبا وأمريكا له في المعركة الحالية، لكن هذا الرصيد انتهى الآن وبحاجة إلى ملء “بطاقة اعتماده” من جديد بإنجازات جديدة أكثر معاصرة، وهو ما طالبه به أولي رين، مسؤول شؤون توسيع المفاوضات.
ولا شكّ أن قرار المحكمة سيُـمكِّـن حزب العدالة والتنمية من استمرار دور تركيا على الصعيد الخارجي، خاصة في الملفات التي اضطلعت فيها بدور كبير، ومنها الوساطة بين سوريا وإسرائيل والتقريب بين طهران وواشنطن في الملف النووي، وكذلك استمرار توفير التغطية السياسية لملفات مثل قبرص وأرمينيا.
ويمكن أيضا توقّـع أن الاستثمارات العربية والإسلامية في تركيا كانت ستتراجع، لأن الثقة كانت في اردوغان الشخص و”الإسلامي” قبل أي شيء آخر.
إن عواقب إغلاق حزب العدالة والتنمية كانت لتنعكس سلبا على كل القوى التي سعت لإغلاقه، وربما كان ذلك ليكون منطلقا لمرحلة جديدة يصعب ضبط تطوراتها.
والآن وبعد أن أصدرت المحكمة قرارها، فإن الكرة الآن تقع في ملعب حزب العدالة والتنمية: فهل سيواصل انتهاج سياسات إصلاحية جذرية أم سيُـبدي مرونة وليونة تُـجاه من أنقذوه من الحظر؟
خيار التدجين أو التغيير
منذ الآن، بدأت الدعوات للحزب إعادة النظر بنهجه السابق الذي لحظ أولويات لقضايا دينية، مثل الحجاب، بل أن صحيفة ميللييت ذكرت أن من الدروس التي يجب على اردوغان استخلاصها من قرار المحكمة الدستورية، هو أن يعيد النظر بسياسته القائمة على توظيف الدين في خدمة السياسة، كما كان يفعل سلفه نجم الدين اربكان، وأن يؤمن بالمبادئ الأساسية للجمهورية، وفي طليعتها العِـلمانية والمواد التي لا يمكن حتى اقتراح تعديلها في الدستور، وهي المواد الأربعة الأولى.
فإذا اعتبر اردوغان قرار المحكمة حلاّ وسطا، فيجب أن نتوقع سياسة اعتدال وعدم المس بمحرمات العلمانية وإبقاء المحجّـبات خارج الجامعات، أي دخول الحزب في مرحلة من التدجين التي تحوّله إلى حزب شبيه بتيار طورغوت اوزال، يحترم القيم الدينية في حدّها الأدنى من دون المساس بالمبادئ العلمانية، وفق ما يفسّرها العِـلمانيون المتشددون، أما إذا اعتبر قرار المحكمة انتصارا للديمقراطية وإرادة الشعب، فيجب أن نتوقع تغييرات جذرية، على رأسها تقديم دستور شامل للاستفتاء العام يملأ ثغرات الدستور الحالي، ولاسيما بالنسبة للحجاب في الجامعات وتغيير صلاحيات المدّعي العام وبنية المحكمة الدستورية وتصعيب حل الأحزاب والتقليل من صلاحيات المؤسسات غير المنتخبة.
ولعل اردوغان نفسه سيتذكّـر أن التَّـباطؤ في الإصلاح وعدم توظيف انتصاره التاريخي في الانتخابات النيابية في يوليو 2007 من أجل تغيير الدستور، كان خطأ استفاد منه خصومه ونفذوا منه ليطالِـبوا بإغلاق حزبه.
إن طبيعة حركة وتحرّك اردوغان بين هذين الخيارين: خيار التدجين أو التغيير، هي التي ستُـحدِّد طبيعة المرحلة المقبلة.
واردوغان الذي اعتاد على التحدّي والانتصارات، مطالب باستكمال “ثورته الصامتة”، متسلحا بتأييد الناس من مُـختلف الطبقات والأعراق والاتجاهات، وفي ذلك تحرير لتركيا من حكم أقلية من النخبة الكمالية طال تسلُّـطها أكثر من اللازم.
د. محمد نورالدين – بيروت
أنقرة (رويترز) – قال رئيس أعلى محكمة تركية يوم الأربعاء 30 يوليو، إن المحكمة رفضت دعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكنها فرضت عقوبات مالية عليه بسبب أنشطته المناهضة للعلمانية. وانهى الحكم حالة عدم اليقين السياسي التي استمرت شهورا واثرت على الاسواق المالية التركية بسبب احتمال اغلاق الحزب المنتخب ديمقراطيا، وهو أمر من شأنه أن يوقف الاصلاحات الاقتصادية والسياسية اللازمة لانضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي.
وقال رئيس المحكمة الدستورية التركية هاشم كيليتش، ان ستة من قضاة المحكمة الاحد عشر صوتوا لصالح إغلاق الحزب وان اربعة صوتوا لصالح فرض غرامات عليه مقابل تصويت قاض واحد ضد إغلاقه. وكان يتعين ان يصوت سبعة قضاة على الاقل لصالح الاغلاق لكي تقبل الدعوى. واوضح كيليتش، الذي صوت ضد الاغلاق أن المحكمة وجهت تحذيرا شديدا لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية، اذ وجدته مذنبا فيما يخص القيام بأنشطة مناهضة للعلمانية، لكنها ليست أنشطة خطيرة الى حد يكفي لان يستحق عليها الاغلاق، واضاف رئيس المحكمة “نحن نعتقد أن هذا الحزب السياسي يجب ان يستخلص الرسالة الضرورية من هذا الحكم”.
وقال رئيس الوزراء طيب اردوغان، وهو اسلامي سابق عزز صورة تركيا في الخارج وطبق اصلاحات اقتصادية وسياسية في الداخل، إن الحكم بعدم حظر حزب العدالة والتنمية بدد حالة عدم اليقين التي واجهت البلاد، ولكن تركيا اهدرت قدرا كبيرا من الوقت والطاقة. وفي أول تصريح له منذ صدور حكم المحكمة، قال اوردوغان إن حزبه سيواصل احترام قيم البلاد العلمانية. وحكومة اردوغان على خلاف قديم مع المؤسسة العلمانية التي تضم القضاء والجيش بشأن دور الدين في الدولة، وقال منتقدون إن القضية “انقلاب قضائي” ضد حزب منتخب ديمقراطيا. وكان محللون أعربوا عن خشيتهم من ان يؤثر اغلاق الحزب بشدة على فرص حصول تركيا على عضوية الاتحاد الاوروبي.
وقالت كريستينا جالاتش، المتحدثة باسم خافيير سولانا، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد “إنه (الحكم) إيجابي. تعيش تركيا وضعا يتسم بالتوتر ونأمل بشدة في أن يساهم قرار المحكمة في إعادة الاستقرار السياسي”. ونقلت قناة تلفزيون (سي.ان.ان. ترك) عن وزير العمل التركي فاروق جليك قوله يوم الأربعاء، ان الديمقراطية التركية انتصرت.
وارتفعت أسواق المال بسبب التوقعات بأن الحزب لن يحظر. وارتفعت الليرة التركية خلال يوم الأربعاء بما يصل الى اثنين في المائة كما ارتفعت الاسهم ستة في المائة. وقال لويس كوستا الخبير في ديون الاسواق الناشئة بمصرف كوميرتس بنك “هذه نتيجة ايجابية للغاية. سترتفع الاسواق بشدة بفضل هذه الانباء”.
وقال ولفانجو بيكولي، مستشار المخاطر السياسية في مجموعة يوراسيا غروبّ الاستشارية “انه بالتأكيد تحذير قوي. لم يحرم حزب العدالة والتنمية من التمويل فحسب بل ان التصويت الفعلي بستة (مع الاغلاق) مقابل خمسة اشارة ايضا”، وتساءل “هل انتهى الموضوع بالنسبة لحزب العدالة والتنمية بهذا الحكم.. هذا يتوقف على ما اذا كانوا قد استوعبوا درس ما حدث وما اذا كانوا سيستطيعون اظهار التزامهم بالعلمانية”.
وكان المدعي قد اتهم حزب العدالة والتنمية، ذا الجذور الاسلامية بالضلوع في انشطة مناهضة للعلمانية وكان يريد ان يحظر الحزب وان يمنع كبار زعمائه ومن بينهم رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان والرئيس عبد الله غُـل من ممارسة العمل الحزبي لمدة خمس سنوات. وقال ممثل الادعاء ان مساعي رفع حظر ارتداء الحجاب في الجامعات وسعي البلديات لتشديد القيود على المشروبات الكحولية وملء الدواوين الحكومية بالمتدينين، دليل على جدول الاعمال الاسلامي للحزب.
وقال مصطفى اوزيوريك، وهو نائب من الحزب الجمهوري حزب المعارضة الرئيسي “أغلبية المحكمة قررت ان حزب العدالة والتنمية اصبح مركزا للانشطة المناهضة للعلمانية. امل أن يبدأ حزب العدالة والتنمية العمل بشكل يتفق مع مبادئ العلمانية بعد هذا الحكم”. وفاز الحزب بالاغلبية بحصوله على 47% من الاصوات في انتخابات العام الماضي وينفي تهمة انتهاك الدستور من خلال دعم أنشطة اسلامية. ويتوقع ان تخفض الى النصف المساعدات الحكومية التي كان الحزب يحصل عليها سنويا من وزارة الخزانة والتي بلغت 47 مليون ليرة العام الماضي.
وحظرت تركيا أكثر من 20 حزبا سياسيا بسبب أنشطة اسلامية أو كردية انفصالية، ولكن لم يكن أي منها يحظى بشعبية كبيرة مثل حزب العدالة والتنمية. ولو كانت المحكمة أغلقت حزب العدالة والتنمية وحظرت على كبار أعضائه ممارسة العمل الحزبي، كما طالب المدعي لاغريت على الارجح انتخابات مبكرة في تركيا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 يوليو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.