بغداد تسقط، والخليج يرتـجّ
تتابع دول مجلس التعاون الخليجي بقلق كبير تطور الأوضاع في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.
فالدول الست معنية بشكل مباشر بما ستؤول إليه الأوضاع في العراق، التي لها انعكاسات حتمية على توازناتها السياسية والاجتماعية.
في ظرف أسبوع واحد، اضطر وزراء دول مجلس التعاون الخليجي للاجتماع على عجل مرتين، أولى في الكويت، وثانية في الرياض.
ذات المدينة، تستضيف يوم الجمعة اجتماعا إقليميا طارئا للدول المجاورة للعراق. وكل هذه الحركة والآتي منها تدور على خلفية التطورات الدراماتيكية التي خلفها سقوط نظام صدام حسين بطريقة سريعة، لم تترك كثيرا من الوقت لجيران العراق حتى يستعدوا للواقع الجديد الذي يتحرك حولهم.
ولا يختلف المراقبون حول أهمية ما حدث، وانعكاساته الأكيدة بشكل أو بآخر على منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، وربما على المنطقة العربية بأسرها، لكنهم يختلفون في تقدير وفي توصيف تلك الانعكاسات، بين من يراها أنباء سعيدة سوف تحمل الخير والاستقرار إلى منطقة تعيش منذ اثنتي عشرة سنة على وقع الاضطرابات، وبين من يرى أن توابع الزلزال العراقي سوف تظهر مع الأيام على دول الخليج، سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
الدكتور محمد المسفر، أستاذ العلوم السياسية القطري، وهو أحد الرافضين للحرب على العراق رفضا قاطعا، يبدو شديد الإحباط هذه الأيام، ولا يكاد يرى مؤشرا إيجابيا واحدا في الأفق العربي بعد سقوط بغداد، يقول إن “أول المتضررين من ذلك، هو مجلس التعاون الخليجي الذي سيسير نحو التفكك”. ويبني الدكتور المسفر تخمينه على أساس أن الولايات المتحدة التي “فازت بالصيد السمين”، ستقلب ظهر المجن للدول الخليجية، أو على الأقل سوف تخفف من ارتباطها بها، لأنها لم تعد بمثل حاجتها السابقة إليها في وجود عراق (متأمرك)، ويعتقد المتحدث أن المملكة العربية السعودية ستكون أبرز الخاسرين، “لأنها ستفقد وزنها إلى جانب العراق، وسيتراجع نفوذها في المنطقة”.
والدكتور المسفر ليس وحده من الذين يتبنون هذه الفرضية، إذ يقدر محللون اقتصاديون أن النفط العراقي الذي سيتدفق لاحقا بمقدار ما بين ثلاثة ملايين برميل وستة ملايين برميل يوميا (مع اختلاف التقديرات)، سوف يؤثر بالضرورة سلبا على أسعار النفط التي قد تنزل إلى 15 دولارا للبرميل. وبالتالي، فإن ذلك سوف يضرب اقتصاديات دولة مثل المملكة العربية السعودية، التي يمثل النفط أكثر من 90% من صادراتها.
ولا تُـستثنى من هذا التحليل دول الخليج الأخرى بنسب متفاوتة، حيث قد يتراكم العجز في ميزانياتها بشكل يصيبها بالركود الاقتصادي. وإلى ذلك، تضاف التأثيرات السياسية والاجتماعية لاستحواذ واشنطن على أحد أكبر دول الخليج، مما سينعكس على خططها الاستراتيجية في المنطقة في اتجاه إعطاء العراق دور القاعدة الأمنية والعسكرية المتقدمة، على حساب الحظوة التي كانت تتمتع بها دول الخليج، ومن ثمة قد تجد واشنطن نفسها في حل من مجاملات وتنازلات لهذه الدول، كانت مضطرة إليها في مواجهة إيران والعراق، خصوصا في سياق الضغط من أجل إصلاحات ديموقراطية سريعة.
الخلل الأمني.. والتجاذب!
لذلك، يرى الأمين العام المساعد السابق لمجلس التعاون الخليجي، العماني سيف بن هاشل المسكري، في غياب العراق “خللا طرأ على المعادلة الأمنية، وهو ما يمكن أن يفرز مشكلات إضافية من أهمها بروز إيران كقوة وحيدة في المنطقة، الأمر الذي يحمل معه تداعيات شبيهة بتلك التي حدثت في سنتي 79 و80 “. ومن هذا المنطلق، ينصح المسكري بقيام دول الخليج بمبادرة شجاعة تضم العراق وإيران ضمن منظومة إقليمية “مطالبا ببدء حركة نشطة باتجاه أبعاد المنطقة عن توترات إضافية.
لكن الدكتور حسن الأنصاري، مدير مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، يقلل من أهمية التأثيرات المقبلة لسقوط العراق بين أيدي واشنطن، ويصف بعض التحاليل بـ “التخويفية”، لأنها لا تستند إلى أسس واقعية.
ويعتقد الدكتور الأنصاري أن “عراقا حرا وديموقراطيا سيكون لصالح المنظومة الخليجية وليس عليها أو ضدها”. كما يذكر بأن الأمريكيين لا يضعون بيضهم في سلة واحدة أبدا. وبالتالي، فإن التغييرات المقبلة على التحالفات في المنطقة ستجري على قاعدة التوافق وليس التنافس، مع ظهور مفاهيم متقاربة بين الجميع.
وأيا كان ما سيحدث غدا أو بعد غد، فلابد من الاعتراف بأن سقوط العراق، داهم المفاهيم السياسية والاستراتيجية في الخليج، بل أن الدكتور محمد المسفر يذهب إلى وصف الحالة الآن بـ “انعدام الوزن”، في انتظار البحث عن استقراره عبر الاجتماعات الثنائية والإقليمية الطارئة، رغم أن الخليج كان أقرب إلى توقع سقوط النظام العراقي منذ 12 عاما على الأقل!
فيصل البعطوط – الدوحة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.