مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بلوخر: “لا تـخـافـوا من الـصّـيـن”

حث الوزير كريستوف بلوخر في مداخلته مدراء الشركات الصغرى والمتوسطة على البحث عن الإمتيازات المختلفة المتوفرة في البلاد بدلا من اليأس والتفكير السلبي swissinfo.ch

افتتح المنتدى الاقتصادي السويسري دورته السنوية بعد ظهر الخميس 11 مايو، وسط قلق من التغيير الذي ستشهده الحكومة وتوجس من التحديات التي تواجه الاقتصاد المحلي.

حضور الوزير الفدرالي كريستوف بلوخر، ورؤساء الأحزاب السياسية الأربعة الرئيسية في البرلمان طبعت فعاليات هذا العام بديناميكية غير عادية.

افتتح الوزير الفدرالي كريستوف بلوخر في مدينة تون (وسط) فعاليات الدورة الثامنة للمنتدى الاقتصادي السويسري، الذي يعني بشؤون الشركات الصغرى والمتوسطة، تحت شعار “تكسير الحواجز” بدعوة المؤسسات الاقتصادية للبحث عن آفاق جديدة للعمل الإقتصادي الناجح.

وقال بلوخر، وهو اقتصادي سابق قبل أن يتولى حقيبة العدل والشرطة في الحكومة الفدرالية، “إن القلق الذي يساور الشركات الصغرى والمتوسطة لا مبرر له، لأن الصناعة السويسرية متميزة في جميع أنحاء العالم، وهي أحد مقومات المنافسة التي لا تقدر بثمن”، حسب قوله.

بلوخر استخدم في حديثه نفس أسلوب الخطابة الذي تميز به عندما كان في المعارضة، فهاجم القيود التي تكبل الاقتصاد السويسري، وطالب الشركات بكسر تلك الحواجز ولكن “من دون أن تتجاوز القانون”، مؤكدا على أن مراحل الاقتصاد الجيد تدعو للبحث عن مواطن الضعف لتلافيها، وأما في فترات القلق فعلى الشركات “أن تبحث عن منابع القوة حولها وداخلها”.

وشدد بلوخر على أن مكانة سويسرا الاقتصادية لم تهتز رغم كل المخاوف التي تثار حول المنافسة الدولية وظهور قوى مثل الصين والهند، وقارن بينها وبين بروز النجاح الاقتصادي الياباني في السبعينيات من القرن الماضي، وكيف تخوفت الصناعة السويسرية منها، إلا أنها لم تنهار، وأضاف “بنفس المنطق يمكن التعامل مع الوضع الراهن، أي المزيد من الثقة في النفس والاستفادة من الإيجابيات التي يتمتع بها الإقتصاد السويسري مثل التقنية المتطورة والقدرة على الإبتكار والنوعية المتميزة”.

“الإقتصاد الحر لا يحتاج إلى وزارة”

كلمة بلوخر التي ارتجلها كعادته، حثت مدراء الشركات على عدم الوقوع تحت تأثير الإعلام بما يبثه عن حجم الإنتاج في آسيا ومعدلات النمو الإقتصادي هناك، ورأي بأن الإقتصاد القوى لا يعني الإنتاج الغزير والرخيص، “فهذا لا يتناسب مع الفلسفة السويسرية”، حسب رأيه.

وأكد وزير العدل والشرطة على أن سويسرا نجحت في المعادلة الصعبة التي تربط بين النوعية الجيدة والسعر المناسب، فإذا تم النظر إلى المنتجات السويسرية من هذه الزاوية فلا يمكن اعتبارها غالية أو باهظة الثمن كما يروج البعض، فالنوعية الجيدة لها ثمنها حسب رأيه. وفي هذا الصدد، طالب بلوخر بدعم وتشجيع النوعيات الجيدة التي تأتي من خلال البحث العلمي المتفوق.

وفي رد على سؤال أحد المشاركين حول هجرة الشركات إلى الخارج أجاب بلوخر بأن فلسفة “الشركات الرحالة” ليست من سمات الاقتصاد السويسري، ونوه إلى أن العديد من المؤسسات لا تزال تحتفظ بقطاع البحث العلمي في سويسرا، كما تعتمد مقراتها الرسمية في البلاد، لذلك حث على البحث عن الموارد المختلفة والإمكانيات الخفية داخل سويسرا، وعدم التسرع والبحث عنها في الخارج.

وإزاء هذه الدروس والمواعظ المتعددة حول التمسك بسويسرا كساحة اقتصادية متماسكة ومتميزة وقادرة على التميز، سأله أحد الحاضرين عما إذا كان سيتولى حقيبة الاقتصاد خلفا لجوزيف دايس، فأجاب بلوخر بأن “دولة تعتمد على الاقتصاد الحر وتتخذ الليبرالية نظاما لها لا تحتاج وزارة متخصصة في الاقتصاد بل يجب أن تتولى الشركات زمام هذه الحقيبة”(!).

رؤية الأحزاب

فجر بلوخر “قنبلته” وغادر القاعة، ثم جاء الدور على رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية ليستعرضوا في الجلسة المسائية برامجهم الاقتصادية ورؤاهم لسويسرا المستقبلية.

فحزب الشعب السويسري (يمين متشدد) ركز على لسان رئيسه أوللي ماورر على الليبرالية الاقتصادية التامة وتقليص دور الدولة التي يجب أن تكون فقط في الحفاظ على الأمن، مركزا على الاستقلالية في صناعة القرار السياسي، ورفض بصراحة مطلقة أي تقارب مع الإتحاد الأوروبي يزيد عن الاتفاقيات الثنائية المبرمة حاليا.

في المقابل، رأي رئيس الحزب الراديكالي فولفيو بيللي أن سويسرا تحتاج إلى المزيد من برامج إدماج الأجانب، وتحسين علاقاتها الإقتصادية مع دول العالم، وبالتالي يجب أن تكون فاعلا أساسيا لما يحدث حولها، أي أن تلتحق بالإتحاد الأوروبي، وأشار إلى أن تجربة سويسرا في الأمم المتحدة أظهرت تفاعلا جيدا مع المجتمع الدولي، وأشار إلى أن الكنفدرالية ساهمت بخبراء وأفكار في العديد من الملفات الهامة والحساسة.

الإشتراكيون طالبوا من جهتهم بسويسرا متفوقة علميا بدون ثغرات إجتماعية كبيرة، تشكل الطبقة المتوسطة الغالبية العظمى فيها، ويغيب عنها شبح الفقر ومشكلات التأمين الصحي وصندوق المعاشات، وهو ما يأتي عبر التعامل مع الآخرين في تعاون مشترك تتبادل فيه الخبرات، وقال رئيس الحزب هانز يورغ فيهر بأن العالم يعرف الآن التعاون المشترك، وسويسرا جزء من هذا العالم، لأن المشكلات أصبحت عابرة للقارات.

وفي أول ظهور إعلامي لها، بعد الإعلان عن ترشيحها لعضوية الحكومة الفدرالية خلفا لوزير الإقتصاد المستقيل جوزيف دايس، ركزت دوريس لويتهارد رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي (يمين وسط) على سياسة الضرائب المعقدة في سويسرا، وطالبت بنظام ضرائبي جديد تماما، يعمل على رفع مستوى المعيشة، ويحافظ على مكاسب الشركات، وطالبت لويتهارد بالعمل على تخفيض الأسعار في سويسرا، من أجل تعزيز القدرة الشرائية، وفتح أماكن انتاجية جديدة، وقالت لويتهارد بأن “كل هذه العوامل تجعل سويسرا تحافظ على مكانتها الدولية دون اختلال داخلي”.

حقائق نسبية

أما التصويت الذي أجري على برامج الأحزاب التي عرضت داخل المنتدى، فقد تمخض عن “مفاجأة”، حيث حصل الديمقراطي المسيحي على غالبية الأصوات (36%)، متبوعا بالراديكاليين (34%)، أما حزب الشعب السويسري فاكتفى بعشرين في المائة والإشتراكيون بعشرة في المائة فقط.

هذه النتائج جاءت على عكس المعروف بأن الإقتصاد يشجع التوجهات اليمينية الأكثر ليبرالية ويدعمها، إذ كان من المتوقع أن يحصل حزب الشعب السويسري على الغالبية، لكن هبوطه إلى المرتبة الثالثة وسط أعز مؤيديه بدا غير مفهوم للوهلة الأولى.

ويقول الإعلامي السويسري روجيه شافينسكي بأن هذا التصويت الذي شارك فيه 900 شخص لا يمثل إجمالي الرأي العام في الكنفدرالية، بل رؤية مدراء الشركات الصغرى والمتوسطة، وبالتالي لا يمكن النظر إلى النتيجة على اعتبار أنها رؤية سياسية من واقع الشارع والرأي العام.

في المقابل، يعتقد ريتو فوتريش المسؤول الإعلامي عن المنتدى بأن “هذه النتيجة هي في الواقع تصويت على اختيار دوريس لويتهارد للترشيح لعضوية الحكومة الفدرالية، وليس تصويتا على برامج الأحزاب الحقيقية، لأن هناك فئات كبيرة تفاعلت مع كلمة لويتهارد، لاسيما وأنها لعبت على وتر تخفيف الضرائب وزيادة القدرة الشرائية”.

ومهما اختلفت التقييمات لبرامج الأحزاب السياسية فيما يتعلق بالتوجهات الإقتصادية للبلاد، فإنها تجتمع على أن الشركات الصغرى والمتوسطة تظل عصب الحياة الإقتصادية فيها وبالتالي فهي التي تستحق الدعم التام، ومن يقدم لها الأفضل سيحصل – حسب رأي كثيرين – على الدعم من صناديق الإقتراع.

سويس انفو – تامر أبو العينين – تون

يمثل المنتدى الإقتصادي السويسري اهتمامات الشركات الصغرى والمتوسطة على اختلاف أنشطتها
يختار المنتدى محاور دوراته السنوية من خلال المشكلات التي تشعر الشركات أنها تمثل ضرورة ملحة لعرضها على المتخصصين وأعضاء الحكومة الفدرالية.
يعتمد الإقتصاد السويسري على الشركات الصغرى والمتوسطة بشكل كامل إذ تمثل ارباحها 90% من العائدات الإقتصادية للبلاد.
87.9% من الشركات الصغرى والمتوسطة السويسرية تعتمد على أقل من 10 أفراد في العمل، اي بنسبة إجمالية تعادل 66.8% من الطاقة العاملة في البلاد.
99.7% من الشركات السويسرية يتم تصنيفها على أنها من الصغرى والمتوسطة.
عدد الشركات المسجلة في سويسرا 307000.

تأسس المنتدى الإقتصادي السويسري عام 1998، وشاركت في أول فعالياته 500 شركة صغرى ومتوسطة.
وصل عدد المشاركين هذا العام إلى أكثر من 1200 شخص، ونفذت الأماكن بعد 40 دقيقة فقط من بداية فتح باب الحجز.
يحرص المنتدى على تقديم أمثلة ناجحة للشركات الصغرى الشابة، وعلى تشجيع الأفكار الجديدة والإبتكارات الحديثة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية