بوادر تـغـيّـر في الأداء الإعلامي لحماس
أدى نجاح حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الفوز بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني وتشكيل الحكومة الجديدة إلى بعض التغييرات في أداء الحركة وخطاب رموزها.
ومع أن اهتمام المراقبين تركز على رصد التحولات الطارئة على مجمل خطاب حماس السياسي، إلا أن الأداء الإعلامي للحركة شهد بدوره تغييرات ملفتة.
في خطاب له في أربعين خالد الفاهوم بدمشق في شهر مارس الماضي، تحدث خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس عن مفهوم جديد لحركته عن السلطة وإدارتها في الأراضي الفلسطينية.
الحديث، الذي ترافق مع استعداد حماس لتشكيل الحكومة الفلسطينية بعد فوزها في الانتخابات الأخيرة، كان يعكس تحولا جديدا في مجمل خطاب حماس السياسي الذي دخل بدوره مرحلة جديدة أيضا.
مشعل الخطيب المفوه، كما معظم متحدثي حماس، اختار قالبا جديدا لتقديم مفهوم جديد حين قال إن “السلطة ليست هدفا، السلطة وسيلة، جئنا ووجدنا السلطة، لكن لم نسعى إليها، نحن نسعى إلى المقاومة، السلطة كانت موجودة”، عندما وصلت حماس إليها.
اختار مشعل أيضا في كلمة ألقاها أمام المشاركين في مؤتمر الأحزاب العربية، الذي انعقد في دمشق مؤخرا، ذات الأسلوب الجديد وهو يتحدث عن الحرب والمقاومة في زمن وصول حماس إلى السلطة.
هذه المرة، قال رئيس المكتب السياسي للحركة، التي تحولت من رأس حربة المعارضة الفلسطينية إلى رأس الحكم: “لن نتعامل مع الحرب. ونتعامل مع لغة الحقوق الفلسطينية بالسلام، وإذا كانت بالمقاومة، فنحن سنقاوم، لكننا نريد حقن الدماء والحرب”.
وفي إشارة إلى المرحلة الانتقالية الجديدة، قال نبيل مشعل “نحن الآن أمام تحول، ونريد أن نتعامل مع المرحلة بنفسية جديدة وبدأنا منذ اللحظة الأولى التي فازت فيها حماس ونصر على التغيير الاستراتيجي، وخاصة في الصراع العربي الصهيوني، وسنحمل أمتنا على ذلك، لأنها تملك الإستراتيجية الجديدة”.
ثمة مصطلحات وعبارات ومفردات جديدة راحت تتدفق بإسم حماس، في الداخل والخارج، مفردات ذات رنين أقل حدّة من تلك النارية التي صبغت خطاب الحركة الإسلامية على مر سنوات منذ تأسيسها.
مجموعة الناطقين
لم تكن المسألة مُـنحصرة في حماس بالخارج أو في خطاب مشعل، بل كانت هناك مجموعة من الناطقين باسم حماس في الأراضي الفلسطينية وخارجها تأخذ دورا جديدا في مساحة إعلام كبيرة، باتت تحت سيطرة الحركة المنتشية بالنصر.
لا تملك حماس مجموعة صحف يومية، فقط أسبوعية “الرسالة” في غزة، وليست لديها محطة تلفزيون وإذاعة، فقط موقع على الانترنت بأكثر من لغة بات خلال الفترة الأخيرة المنبر الإعلامي للحركة، بعد الناطقين باسمها.
ويبدو أن حماس لم تكن بحاجة إلى بنية تحتية إعلامية، كتلك المتوفرة للسلطة الفلسطينية: وكالة إنباء وهيئة إذاعة وتلفزيون وصحفا ومجلات ومنابر أخرى مختلفة، إذ تحولت هذه المواقع (وغيرها) بطريقة غير مباشرة إلى منابر إعلامية لها.
اكتفت حماس باستخدام مجموعة ناطقين متنوعة، مجموعة تستطيع التقدم والتأخر لإفساح المجال إلى آخرين، تبعا لمتطلبات الموقف، حيث انطلق العدد الأكثر مباشرة بعد الإعلان عن فوز الحركة في الانتخابات التشريعية.
حتى موعد إعلان النتائج في 25 يناير الماضي، كان كل من الناطقين الشابين سامي أبو زهري، ومشير المصري قد أخذا مكانهما إلى جانب متحدثين رئيسيين مخضرمين، مثل إسماعيل هنية، وسعيد صيام، ومحمود الزهار.
وعندما دخلت الحركة مرحلة انتقالية جديدة في تشكيل الحكومة، انضم آخرون مثل صلاح البردويل، الناطق باسم كتلة حماس البرلمانية، وفرحات أسعد، المتحدث باسم الحركة في الضفة الغربية.
ويمكن القول أن المرحلة الانتقالية تلك، كانت الأهم إعلاميا للحركة التي ضخت بكل قوتها في تفاصيلها. ويظهر اختيار مجموعة متعددة من أعمار وخلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة، قدرة الحركة وحرصها على التأثير في مختلف شرائح المجتمع والرأي العام الأجنبي معا.
مرحلة دخول الحكومة
وإن تكن هذه المجموعة الكبيرة قد شكّـلت أشبه ما يكون بحلقة وصل بين فترة ما قبل الانتخابات وما بعدها في الطريق إلى الحكومة، فإن المرحلة المتأخرة الجديدة اتّـسمت بالعمل على التفريق بين حماس والحكومة إعلاميا.
ومنذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها تشكيل الحكومة وحصولها على ثقة المجلس وأداء اليمين القانونية، كانت “أوامر صارمة” قد خرجت من قيادة الحركة تطلب من المتحدثين باسمها أن لا يتحدثوا في شؤون الحكومة.
أصبحت الخطة الآن تقضي بأن تكون الحكومة ناطقة باسمها وحدها، بدءا من رئيس الوزراء الذي أظهر حضورا قويا ومتماسكا أمام وسائل الإعلام، ومرورا بنائبه وباقي الوزراء الذين بات عليهم جميعا التحدث باسم الحكومة كل في مجاله.
ولم يتوان وزير المالية على سبيل المثال في الخروج بموقف جديد حيال التعامل مع إسرائيل في قضايا المال ومصلحة الجمهور، دون أن يثير ذلك أي تناقض بين موقف الحكومة وموقف الحركة الرافض للتعامل مع إسرائيل، بل إن ناصر الدين الشاعر، نائب رئيس الوزراء، ذهب إلى أبعد من ذلك فيما يمكن أن يكون دليلا على خطة إعلامية، عندما قال في حفل استقبال للمهنئين بتسلم الجديدة “يريد العالم مقاطعة حماس، لكن هذه حكومة الفلسطينيين وليست حكومة حماس”.
وتحدث نائب رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد باطمئنان، واعتبر أيضا أن أولئك الذين يُـراهنون على عزلة حماس، سيكتشفون قريبا سوء تقديراتهم، وكأنه يضيف إلى إعلام حماس خطوة جديدة قادمة.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.