مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بوادر فشل في منظمة التجارة العالمية

باسكال لامي، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية Keystone Archive

في سياق التمهيد للاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في هونغ كونغ، تبادلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الإتهامات بشأن التنازلات في ملف الدعم المقدم للصادرات الزراعية.

ورغم المشاورات المكثفة في جنيف، بدأ الحديث عن احتمال فشل القمة الوزارية في حال عدم التوصل الى تنازلات فعلية خلال الأسبوعين القادمين.

دخلت مفاوضات منظمة التجارة العالمية حول إتمام جولة الدوحة مراحلها الأخيرة بعقد سلسلة من الاجتماعات على مستوى الوزراء في جنيف طيلة هذا الأسبوع ولكن بدون التوصل الى عرض التنازلات المرتقبة في عملية “شد حبل” قد لا تحمد عقباها بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي.

ويرى باسكال لامي، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية أن “على الأوروبيين والأمريكيين أن يبذلوا مجهودا في المفاوضات المتعلقة بالملف الزراعي”. والمقصود هنا أن المطلوب من الأمريكيين والأوروبيين يتمثل في تخفيض حجم الدعم – العلني أو المقنع – المقدم إلى مزارعيهم من أجل السماح للمنتجات الزراعية للدول النامية بالوصول بسهولة ويسر إلى أسواق بلدان الشمال.

تحذير أمريكي

وقد حذر المفاوض التجاري الأمركي روب بورتمان الأوروبيين قبل شهرين من انعقاد المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية في هونغ كونغ بقوله: “قد نواجه فشلا مثل فشل المؤتمر الوزاري في كانكون في عام 2003 إذا لم يحدث تحرك على الفور”.

وقال المسؤول الأمريكي: “إن الدروس المستخلصة من فشل اجتماع كانكون علمتنا أنه يجب تسوية الخلافات قبل بداية الاجتماع الوزاري” الذي من المقرر أن ينعقد في هونغ كونغ ما بين 13 و 18 ديسمبر 2005.

خلافات أم تقاسم أدوار؟

وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى المفوض التجاري الأوروبي بيتر ماندلسن ترقبا لأية تنازلات من طرف بروكسل، وجد هذا الأخير نفسه محط اتهامات فرنسية بتجاوز المهمة الموكلة له، بعد تصريحات صدرت عنه حول “الاستعداد لإبداء ليونة” في الملف الزراعي. وهو ما دفع باريس للإعلان عن سحب ثقتها في المفاوض الأوروبي وحظر تطرقه لأية تنازلات في الملف الزراعي.

ورغم وقوف رئيس المفوضية الأوروبية البرتغالي خوزيه مانويل باروزو الى جانب ماندلسن، أصرت فرنسا على موقفها، لكنها لم تذهب الى حد إشعار المفاوض الأوروبي كتابيا، وهو ما ترك لدى البعض شكوكا في أن تكون العملية برمتها مجرد “تقاسم أدوار” من أجل تخفيف الضغط على المفاوض الأوروبي.

من جهته، اعتبر المدير العام لمنظمة التجارة العالمية أن العملية ليست “ممارسة ضغوط أمريكية ضد الأوروبيين او العكس لدفع هذا الطرف أو ذاك في اتجاه معين بل إن جميع الدول النامية هي التي تدفع كلا من الأمريكيين والأوروبيين الى فتح أسواقهم أكثر والكف عن دعم صادراتهم الزراعية”.

لا تنازلات فعلية

الدول النامية لم تنتظر الحصول على عروض وتنازلات في هذه المرحلة التي وُصفت بـ “جولة التنمية”، بل بادرت مجموعة الدول الإفريقية ومنطقة الكاريبي والمحيط الهادي التي تتشكل من 82 دولة، صباح الجمعة 21 أكتوبر بتقديم اقتراحات حول ملف الزراعة فيما اعتبر ردا على الإقتراحات التي تقدمت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يوم 10 اكتوبر الماضي.

وترى مجموعة الدول الإفريقية ومنطقة الكاريبي والمحيط الهادي، أن ما هو مقترح من طرف واشنطن وبروكسل، “لا يقدم أية تنازلات فعلية في الدعم المقدم للمزارعين ولا يضع حدا للإجراءات الوقائية في مجال تجارة المنتجات الزراعية”.

وبلغة الأرقام أوضحت هذه المجموعة أن ما هو مقترح سيسمح للولايات المتحدة بمواصلة تقديم الدعم للمزارعين بما مجموعه 21 مليار دولار، بل قد تعرف النسبة زيادة إلى حدود 23 مليار دولار.

أما اقتراحات دول الاتحاد الأوروبي فترى فيها مجموعة الدول النامية أنها “مجرد تخفيضات على الورق” بحيث ستسمح للأوروبيين بزيادة حجم الدعم المقدم للمزارعين بحوالي 15 مليار يورو عما هو مطبق حاليا.

وللفصل في الضغوط الممارسة على الدول النامية تحت بند تسهيل الوصول الى أسواقها وهو الملف الذي تطالب فيه الولايات المتحدة بتخفيض في نسبة الرسوم المفروضة بحوالي 90% بينما تطالب الدول الأوروبية بتخفيض في حدود 50%، اقترحت مجموعة الدول الإفريقية ومنطقة الكاريبي والمحيط الهادي ألا تتعدى نسبة التخفيض في الرسوم 24%. وقد اعتبرت بعض البلدان النامية أن هذه النسبة تمثل “تنازلا كبيرا لم تحصل مقابله على أية تنازلات”.

مجموعة العشرة قد تستعمل الفيتو

على صعيد آخر، هددت مجموعة العشرة التي تنتمي إليها سويسرا (والتي تعتبر دولا مستوردة بالدرجة الأولى للمنتجات الزراعية)، بعرقلة المفاوضات في حال الاستمرار في هذا التشدد من قبل الدول المصدرة الكبرى للمنتجات الزراعية أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وقال كبير المفاوضين السويسريين لوسيوش فاسيشا: “إن اقتراحاتهم غير الواقعية قد تهدد بالفشل”، وأضاف في معرض التعليق على واقع المفاوضات بخصوص الملف الزراعي، “نحن اليوم أمام جدار .. فعلينا إما أن ندفع الأسعار المطلوبة أو أن نصطدم بالحائط”.

وأوضح المفوض التجاري السويسري الذي تترأس بلاده مجموعة العشرة، “إن مجموعتنا قد تستعمل حق الفيتو في اجتماع هونغ كونغ إذا لم تبد الدول المصدرة الكبرى مزيدا من الواقعية في مواقفها”.

يُشار إلى أن سويسرا تبدي اهتماما بإجراء مفاوضات في كل الملفات المطروحة بما في ذلك ميدان الخدمات والبيئة والنفاذ الى الأسواق فيما يتعلق بالمنتجات الصناعية. وفي هذا الإطار يقول المفاوض السويسري: “يجب تجاوز فكرة إنهاء المفاوضات أولا وقبل كل شيء بخصوص الملف الزراعي والتطرق لبقية الملفات فيما بعد”.

أخيرا تبقى الآمال معلقة على ما سوف تشهده الأيام المقبلة من تحركات مكثفة قد تأتي بالجديد. ومن المنتظر أن تتم بعض هذه التحركات على مستوى مجموعة الخمسة (أي الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وأستراليا والهند والبرازيل)، وبعضها قد يتم على هامش اجتماع يعقده مجلس منظمة التجارة العالمية في جنيف.

محمد شريف ـ سويس إنفو ـ جنيف

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية