بوتفليقة وعقدة جبهة التحرير!
تصاعدت حدة التوتر داخل جبهة التحرير الوطني في الجزائر بين مؤيدي الرئيس بوتفليقة ورئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس.
ويتزامن هذا التوتر مع عودة زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة إلى الواجهة، رغم وجوده في الخارج للعلاج.
بعد تصريحات عباسي مدني للقنوات التلفزيونية العربية بأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة لا زالت رقما مهما في المعادلة السياسية الجزائرية، وجّـهت أطراف عديدة الاتهام للرئيس الجزائري بأنه يتعاون مع مدني لكسب أصوات الإسلاميين خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2004.
وكان مدني تمكّـن من مغادرة البلاد بعد أن مكث في مطار الجزائر أربع ساعات كاملة، وهو يشاهد شرطة الحدود تتخاصم مع رجال أمن آخرين حول قانونية خروجه من البلاد، بما أنه ممنوع من حقوقه المدنية، بالإضافة إلى اندهاش مصالح الأمن لحصوله على جواز سفر وهو لا يملك حق الانتخاب.
ويتساءل المراقبون ورجال الإعلام عن سر حصول مدني على جواز سفر دون أن تحرك المؤسسة العسكرية ساكنا، والجواب كان على لسان الكثيرين: “ربما يُراد لبوتفليقة ارتكاب الأخطاء المتتالية، وفي النهاية، يمكن وصفه عند قرب الانتخابات الرئاسية بأنه إسلامي متستر، أو أنه لا يعارض عودة عباسي مدني وعلي بن حاج إلى الساحة السياسية من جديد”.
وسط هذا الوضع المعقد، لا يمكن لمدني وللجبهة الإسلامية للإنقاذ سوى الاستفادة القصوى من حالة قد لا تستمر أكثر من ستة أشهر، هي مدة انتهاء عهدة الرئيس الجزائري.
الحقيقة، أن تصريحات عباسي مدني المتفائلة والداعية إلى الحوار الشامل بين الجزائريين، لقيت ردود فعل متناقضة، وصفت جميعا أنها تعبر عن الدهشة لتمكن الرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ من التأكيد على استعدادها في المشاركة، ليس في الحوار الشامل فقط، بل حتى في حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للجزائريين.
ولربما يمكن، بعد تكرار السماع لهذه التصريحات، الجزم بأن الجبهة الإسلامية للإنقاذ اختارت بوتفليقة مرشحا لها خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، غير أن مدني قال بالحرف الواحد: “إن الجبهة لم تتخذ قرارها بعد”.
هل هي العودة إلى المربع الأول؟
من ناحية أخرى، لا يمكن لإسلاميي الجبهة المحظورة سوى الارتكاز على فرصة كهذه لإيجاد متنفس لعشر سنوات من العزلة السياسية والاجتماعية، ولربما يرى البعض أن فسحة الأشهر الستة الباقية من عمر رئاسة بوتفليقة غير كافية للجبهة وقادتها، غير أن نظرة بسيطة لتاريخ التنظيمات السياسية الإسلامية في الجزائر يعكس هذه النظرة.
فالتيارات الإسلامية الجزائرية، نشطت منذ استقلال البلاد عام 1962 خلال فترات ضيقة، امتدت ما بين العامين أو الثلاثة، وانتهت في الغالب باصطدام مع مصالح الأمن.
وفي الوقت الحالي، يمكن لنفس السيناريو أن يتكرر، لأن عباسي مدني متفق مع علي بن حاج حول فكرة أن زعيم حركة الإصلاح الإسلامية، الشيخ عبد الله جاب الله، قد يكون المرشح الأفضل الذي يجب أن يحظى بتأييد الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والرئيس الجزائري، حسب تواتر المعلومات، على علم بهذا الموضوع.
نظريا، يعتبر التيار الإسلامي السياسي الجزائري في حالة صحية جيدة افتقدها منذ مدة طويلة، والسبب هو التفرقة التي حصلت بين الإسلاميين المسلحين وغير المسلحين خلال فترة الأزمة الجزائرية التي دامت أكثر من عشرة أعوام.
وهناك توجه قوي يدعو للاعتقاد أن عباسي مدني يريد إقحام تنظيمه المحظور في مثل هذا الإطار، لتحقيق أهداف انتخابية وحزبية وفكرية.
ويتقاطع هذا مع حقيقة أن الطبقة السياسية عاجزة عن معارضة ما يجري، أو حتى التصريح بتأييده، لأن الرئيس الجزائري قطع كل سبل الحوار السياسي وركز كل جهود الحكومة لضمان فوزه بعهدة رئاسية ثانية.
هناك أيضا مسلمة أخرى تتمثل في أن الإسلاميين قد يتعرضون إلى خسارة كبيرة في حالة استمرارهم في المشي وراء الفسحة التي تلي تحركات بوتفليقة، خاصة وأن الكثيرين ينظرون لهم على أنهم استغلوا الوضع العام.
بالنسبة لعباسي مدني، لا تعتبر فسحة الرئيس “خسارة”، بل ربحا لمجال حيوي هام قلما يتوفر لشرح أفكار الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة بشكل علني.
الحقيقة أن الانتخابات الرئاسية المقبلة فتحت المجال واسعا أمام التيار الديني بشكل عام، كي يظهر على السطح متفرقا وغير متفق، وفي نفس الوقت يتراوح مجال تحركه بين المعتدلين من أنصار الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، والمنتمين إلى حركة مجتمع السلم، وصولا إلى المتشددين من باقي التيارات الأخرى.
وكل هذه التيارات أو زعمائها بشكل أخص، يملكون حظوظا متساوية خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة مع تقدم بسيط لزعيم حركة الإصلاح، الشيخ عبد الله جاب الله.
التوافق الصعب
هناك من يعتقد أيضا أن الإسلاميين يريدون إثبات حسن نيتهم للمؤسسة العسكرية، وخاصة منهم عباسي مدني، الذي يرى أن الإسلاميين عليهم إيجاد صيغة معقولة ومناسبة تمكنهم من نشر فكرهم وسط الهدوء وبأسلوب لا يؤدي إلى انقلاب الوضع عليهم في أية لحظة.
نظريا، يمكن القول بأن بوتفليقة أزعج خصومه عبر السماح لعباسي مدني بالخروج من البلاد والحديث إلى قنوات فضائية عربية كثيرة، غير أن التركة التي ستلي مثل هذا التصرف، نصفها تفاءل بأن الإسلاميين يقبلون الحوار، ونصفها الآخر حقد عليهم لأن الواقع أظهر أن قلة ممن يملكون القرار السياسي يتفقون مع عبد العزيز بوتفليقة.
ولا يمكن هنا إغفال دور المؤسسة العسكرية التي لا تعارض الإسلاميين بالضرورة، غير أن تجاوز من يريد منهم جمهورية إسلامية حدا معينا، يؤدي منطقيا إلى اصطدام تقليدي.
بالاعتماد على الذكاء السياسي للرئيس الجزائري، يوجد احتمال قوي مؤداه أن عبد العزيز بوتفليقة متيقن بأن فوزه بالانتخابات الرئاسية المقبلة أمر صعب بسبب خلافاته مع هذا وذاك، ما بين عسكري ومدني، والعقاب الوحيد الذي يمكنه تركه لمن آذوه هو: تيار إسلامي قوي أو في طريقه إلى القوة.
أمر لا يتماشى مع نجاح الداعين إلى علمانية الدولة من ألفها إلى يائها، وإلغاء المواد الدينية من برامج وزارة التربية في فرض بعض آرائهم وأفكارهم ستكون موضع التنفيذ خلال الموسم الدراسي الجديد.
وقد يتكرر نفس المشهد الذي أتعب الكثير من الجزائريين، ويتمثل في تصادمهم الدامي لنصرة أفكار يمكن التحاور بشأنها دون اللجوء إلى أسوأ الأساليب.
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.