بوش في مواجهة المأزقين!
يعتقد المحللون السياسيون الأمريكيون أنه ما لم يتمكن الرئيس بوش خلال الأسابيع القادمة من توفير الاستقرار في العراق، فإنه سيواجه هبوطا مستمرا في شعبيته.
يأتي ذلك على خلفية تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، وكشف البيت الأبيض عن مضمون مذكرة سرية تلقاها بوش قبل شهر من هجمات 11 سبتمبر..
كان خبراء الانتخابات الأمريكية يتوقعون أن تحدُث مفاجآت انتخابات الرئاسة الأمريكية التي تقلب الموازين رأسا على عقب في شهر أكتوبر، أي قبل موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية بشهر واحد.
لكن، يبدو أن الناخبين الأمريكيين لن ينتظروا إلى ذلك الموعد في ضوء المأزقين اللذين يواجههما الرئيس بوش خلال الأيام الأخيرة، وهما مأزق لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر الإرهابية وما انطوت عليه جلساتها من كشف النقاب عن تقصير في الاستعداد لتلك الهجمات التي كانت متوقعة، حسبما أفاد ريتشارد كلارك المسؤول الأول عن مكافحة الإرهاب في حكومة الرئيس بوش، ومأزق الانفلات الأمني في العراق وتصاعد الخسائر في أرواح مشاة البحرية الأمريكية في أسبوع دموي شهد مصادمات ومجابهات بين قوات الاحتلال الأمريكي وبين أبناء الشعب العراقي، مما جعل الجميع يتساءل عما إذا كان للرئيس بوش سياسة واضحة إزاء عراق ما بعد الحرب.
وقد أظهرت أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي أن شعبية الرئيس بوش تراجعت إلى نسبة 49%، وهي أدنى نسبة لشعبيته منذ توليه السلطة في يناير عام 2001، كما تراجعت نسبة الأمريكيين الذين يساندون الطريقة التي يُـدير بها الرئيس الوضع في العراق إلى 41%.
وبعد أن كانت نسبة 66% من الأمريكيين يرون في ديسمبر الماضي أن الأمور تسير سيرا حسنا في العراق، أصبحت نسبة 86% منهم يرون الموقف الأمريكي في العراق يتراوح ما بين سيء وبالغ السوء.
كذلك، فإن متابعة الشعب الأمريكي لجلسات لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر الإرهابية أدّت إلى تآكل في مصداقية الرئيس بوش فيما يتعلّـق بقدرته على حماية الأمن القومي الأمريكي. فكما أظهر استطلاع أجرته شبكة سي بي إس للتليفزيون، فإن 70% من الأمريكيين يعتقدون أن حكومة الرئيس بوش لم تُـولي التهديدات الإرهابية ما يلزم من اهتمام قبل وقوع هجمات سبتمبر، كما عبرت نسبة 41% من الأمريكيين عن اعتقادهم بأن حكومة بوش كان لديها ما يكفي من المعلومات لتحُـول دون وقوع هجمات سبتمبر الإرهابية.
مأزق الحرب على الإرهاب
وبينما كان الرئيس بوش يعتمد في حملته الانتخابية على أنه المرشح الأقدر على حماية الأمن القومي الأمريكي ضد الإرهاب وضد أنظمة الحكم المارقة، وتلك التي قد تهدد الأمن القومي الأمريكي بإنتاج أسلحة الدمار الشامل وتزويد الإرهابيين بها، قوض ريتشارد كلارك، المسؤول الأول السابق لمكافحة الإرهاب في حكومته، هذه الصورة عندما أدلى بشهادته أمام لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر، واعتذر لأسر الضحايا لإخفاقه هو وباقي المسؤولين في الحيلولة دون وقوع تلك الهجمات.
واتهم كلارك بأن مكافحة الإرهاب لم تكن أولوية مُـلحة لدى الرئيس بوش، وأنه لم يتمكن من الاجتماع به لإطلاعه على خطورة التهديدات التي كانت تلوح في الأفق قبل وقوع تلك الهجمات، وأن الرئيس بوش تجاهل التحذيرات بشأن تنظيم القاعدة، رغم أنه سلّـم مذكرة تحذير بهذا الشأن إلى كوندوليزا رايس في 25 يناير 2001 ولم يتلق منها ردا عليها، وقال إن الرئيس بوش ركّـز اهتمامه بدلا من ذلك وبطريقة محمومة على شن الحرب على العراق، والتي قال كلارك إنها قوضت الحرب المشروعة ضد الإرهاب.
وبعد مقاومة عنيفة لطلب اللجنة بأن تُـدلي مستشارة الأمن القومي الأمريكية كوندوليزا رايس بشهادتها أمام اللجنة، وبأن تقسم بأن تقول الحق كل الحق ولا شيء غير الحق، استجاب البيت الأبيض وأدلت كوندوليزا رايس بشهادتها على مدى أكثر من ساعتين، وبحضور عدد من أسر ضحايا هجمات سبتمبر الإرهابية، ودافعت ضد الاتهامات الموجهة للإدارة الأمريكية بالتقصير في منع تلك الهجمات بالقول، إن ذلك كان يستوجب الحصول على معلومات أدق عن الخلايا الإرهابية داخل الولايات المتحدة نفسها، وأضافت أنه لم يكن هناك “حل سحري” يمكن من خلاله منع الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن.
“شهادة غير مقنعة”
وبدلا من أن تؤدي شهادة كوندوليزا رايس إلى تدعيم موقف الرئيس بوش في مواجهة مأزق لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر، اتهمتها أسر الضحايا بأنها أخفقت في تفسير الكيفية التي تمكّـن بها الإرهابيون من مفاجأة الولايات المتحدة بهذا الشكل، وقالت أمّ فقدت ابنها في مركز التجارة العالمي في نيويورك، “إن مستشارة الأمن القومي الأمريكي حاولت التملص من الأسئلة واستخدمت إجابات مبهمة وغامضة للتهرب من الأسئلة التي أحست بأنها تورط إدارة الرئيس بوش في عدم الاهتمام بالتحذيرات من الهجمات الإرهابية”.
كما انتقدت زوجة أمريكية فقدت زوجها في تلك الهجمات أسلوب المراوغة في إجابات كوندوليزا رايس، وأكّـدت أنها تشعر بأن الحرب التي اهتم الرئيس بوش بشنها على العراق أكثر من اهتمامه بمنع هجمات سبتمبر، لم ولن تؤدي إلى شعور الأمريكيين بأنهم أكثر أمنا وأمانا.
ويري المحللون السياسيون في واشنطن أن شهادة كوندوليزا رايس لن تساعد الرئيس بوش في حملته للفوز بفترة رئاسية ثانية لأنها أثبتت أن الرئيس الذي يفتخر بأنه رئيس حرب لم يتصرف على هذا النحو عندما تسلم الحكم، وأخفق في التنبه لمخاطر تنظيم القاعدة التي وردت في مذكرة ريتشارد كلارك بعد أيام من تنصيبه رئيسا، والآن تعتقد نسبة تصل إلى59% من الأمريكيين أن المسؤولين في إدارة الرئيس بوش يخْـفون بعض ما يعرفونه عن التقصير في مواجهة الإرهاب قبل 11 سبتمبر.
وقد اضطر البيت الأبيض، تحت ضغط من الأعضاء الديمقراطيين في لجنة التحقيق، للكشف عن مذكرة سرية رفعت إلى الرئيس بوش في 6 أغسطس 2001 تُـحذره من أن تنظيم القاعدة يُـخطط لشن هجوم تفجيري داخل الولايات المتحدة.
وكانت كوندوليزا رايس قد صنفت المعلومات التي وردت في تلك المذكرة على أنها معلومات تاريخية، لكن المذكرة السرية التي كُـشف النقاب عنها احتوت أيضا على معلومات جديدة آنذاك تُـشير إلى أن أنصار بن لادن يحاولون دخول الأراضي الأمريكية لشن هجمات تفجيرية.
فإذا أثبتت لجنة التحقيق أن الرئيس لم يعبأ فعلا بخطورة التحذير الذي انطوت عليه تلك المذكرة، وأنه لو كان اتخذ إجراء بشأنها لأمكن منع هجمات سبتمبر، فإن فرص إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية ستتقلص إلى حد كبير.
مأزق الوضع في العراق
وفيما يتفاقم الوضع الأمني في العراق وتتصاعد أرقام القتلى والجرحى الأمريكيين، ويشاهد الشعب الأمريكي على شاشات التليفزيون كيف تغيرت صورة العلاقة بين القوات الأمريكية وبين الشعب العراقي لتصبح علاقة قمع وبطش، وتمحو الصور الوردية التي حاول الرئيس بوش أن يرسمها لعراق ما بعد الحرب وتحويله إلى ديمقراطية تكون مثالا تحتذي به دول الشرق الأوسط، أصبح الرئيس بوش يواجه مأزقا ثانيا في العراق يتزامن مع مأزقه مع لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر.
إذ تشير أحدث استطلاعات الرأي العام الأمريكي التي أجرتها مؤسسة بيو للأبحاث إلى أن غالبية الشعب الأمريكي أصبحت تعتقد بأنه ليس للرئيس بوش خطة واضحة للتوصل إلى نهاية ناجحة للوضع في العراق. كما تتزايد يوما بعد يوم نسبة الأمريكيين الذين يطالبون بعودة القوات الأمريكية.
وبطبيعة الحال، انتهز المرشح الديمقراطي جون كيري فرصة الإخفاق الواضح للرئيس بوش في العراق ليشن حملة انتقاد جديدة قال فيها “إن الأسلوب الأيديولوجي والغطرسة التي تعامل بها الرئيس بوش مع الوضع في العراق، أدّت إلى خلق عقبة كأداء، وجعلت النجاح في العراق أكثر صعوبة، ولم يعد أمام الولايات المتحدة إلا أن تلجأ إلى المجتمع الدولي وتطلب التعاون في عملية نقل السلطة للعراقيين، وتتخلى عن الانفراد الأمريكي بالقرارات الرئيسية فيما يتعلق بالعراق”.
كما اتهم السناتور إدوارد كينيدي بأن الرئيس بوش خلق لأمريكا فييتنام جديدة في العراق وتجاهل الحرب الحقيقية على الإرهاب، وتسبب في خلق أكبر أزمة ثقة في الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وقال إن أمريكا بحاجة إلى رئيس جديد.
وشهدت المظاهرات التي نظمها مناهضو الحرب في واشنطن في عطلة نهاية الأسبوع مطالبة من المتظاهرين، ومنهم أمهات لجنود في العراق، بسحب القوات الأمريكية وتقديم الرئيس بوش للمحاكمة، وعزله من منصبه لأنه كذب على الشعب لتبرير شن الحرب على العراق.
ويعتقد المحللون السياسيون في العاصمة الأمريكية أنه ما لم يتمكن الرئيس بوش خلال الأسابيع القادمة من توفير الاستقرار في العراق وإعادة الثقة في أنه قادر على حماية الأمن القومي الأمريكي، فإنه سيواجه هبوطا مستمرا في شعبيته، ويدفع بالناخبين الأمريكيين لاختيار المرشح الديمقراطي جون كيري، ليس حبا فيه، وإنما رغبة في التغيير والخلاص من هيمنة اليمين المحافظ الجديد الذي أدى تسلطه على البيت الأبيض إلى تصاعد لم يسبق له مثيل في المشاعر المعادية للولايات المتحدة، ليس في العالمين العربي والإسلامي فحسب، ولكن أيضا في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
فمن كان يصدق أن تنتهي مباراة في كرة القدم بين الولايات المتحدة والمكسيك بهزيمة الفريق الأمريكي، وهتافات الجمهور المكسيكي لبن لادن؟
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.