مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

 بوش مع المحافظين الايرانيين؟!

تظل مسألة التدخل الاجنبي حاسمة في بلورة القرار السياسي الايراني، وواشنطن تعلم ذلك جيدا. swissinfo.ch

"يعتبر الايرانيون التدخل الاجنبي مصدر كل الشرور وسبب كل البلايا التي يتعرضون لها في بلادهم. وهنا، وعند هذه النقطة، تتقاطع وتتطابق آراء كل ألوان الطيف السياسي الايراني، من اقصى اليسار العلماني الى أقصى اليمين الديني، مرورا بكل الحركات القومية – الدينية".

هذه هي الخلاصة التي يستنتجها الكاتب الامريكي ستيفن هامفريز في كتابه الجديد والمثير، “بين الذاكرة والارادة: الشرق الاوسط في عصر مضطرب”، وهي خلاصة يتوجّها بالكلمات الاتية: “هذا الموقف ليس نابعا من مشاعر اضطهاد أو كراهية للاجانب. فبرغم ان التدخل الاجنبي ليس كل القصة في تاريخ ايران، الا انه كان عاملا حاسما فيها”.

الارجح، ان هامفريز وجد مناسبة جلية مؤخرا للمفاخرة بصحة نظريته. فبعد ان كان المجتمعان السياسي والمدني الإيرانيان يترنّحان بشدة على شفير الانفجار ويداعبان حتى فكرة الحرب الاهلية، وجدا نفسيهما يتناسيان كل خلافاتهما ويعودان الى خندق الوحدة الذي انطلقوا منه عام 1979 لإسقاط الشاه بقوة الحناجر.

لماذا؟ ماذا حدث؟

انه التدخل الاجنبي. ففي 12 يوليو الماضي، أدلى الرئيس الامريكي جورج بوش ببيان مفاجئ، دعا فيه الايرانيين الى الثورة على النظام، وأيضا الى تجاوز الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي.
قبل هذا البيان، كان الغليان الداخلي دفع الطلاب الى الشوارع، وحفز رجل الدين البارز أية الله جلال الدين طاهري، 76 سنة، الى شن حملة ضارية على “الملالي” مشبها إياهم بجنكيز خان ومدينا تعاملهم مع الوطن الايراني وكأنه “ملكيتهم الوراثية الخاصة”.

لكن فور إدلاء بوش ببيانه، كان طاهري يسارع الى طي خلافاته التناحرية مع السلطة، ويدعو انصاره الى النزول مع انصارها في تظاهرة واحدة تندد ب “الشيطان الاكبر”. والامر نفسه تكرر من جانب كل القوى الاصلاحية الدينية والقومية واليسارية المعارضة، التي وجدت نفسها فجأة في حضن خصومها المحافظين وفي نفس الخندق معهم.

ويقول سياسي شيعي لبناني بارز مقرّب من جناح الرئيس خاتمي لسويس انفو، إن “توقيت بيان بوش ولهجته الاستفزازية، جعلانا نشك بانه يسعى في الحقيقة الى دعم المحافظين وليس الاصلاحيين في إيران. ففي وقت كان فيه الاصلاحيون يستعدون لنزال قوي مع السلطة، منح بيان بوش هذه الاخيرة، صكّ شرعية شعبية جديدة ومكّنها من جذب الانظار نحو خطر التدخل الخارجي”.

الرد

التحليل السياسي اللبناني كان في محله تماما. فبعد أيام قليلة من “بيان بوش السافر”، كان “الملالي” يُحكمون قبضتهم مجددا على الاعلام والقضاء (وهما ساحتا الصراع الرئيستان على السلطة في لإيران )، فيغلقون المزيد من الصحف، واهمها صحيفة “نوروز” الاصلاحية، ويحظرون “حركة حرية إيران “القومية” ثم يزجون 33 من أعضائها في السجون، كما انهم حّركوا ايضا آلتهم القضائية للحد من حرية التعبير، ووجهوا اتهامات للكاتب البارز هاشم أغاجاري بإهانة النبي محمد (صلعم). وكل هذه الاجراءات تمت بدون أن ينبس المعارضون ببنت شفة .

بالطبع، لا يعني ذلك أن المحافظين حققوا نصرهم النهائي على الاصلاحيين. فبعد ان تبرد العاصفة التي خلفها بيان بوش، سيعود كل من الطرفين الى المواقع التي كان عليها قبل 12 يوليو ليستأنف إطلاق النار على الطرف الاخر.

وهذا أمر يبدو مؤكدا في ضوء شبه الاجماع الذي بات سائدا في اوساط الشعب الايراني ضد القمع والفساد وضد الاداء الاقتصادي الفاشل للنظام. فالنمو الاقتصادي يكاد يكون معدوما، والبطالة بين الشباب تقترب من رقم فلكي (20 % وفق إحصاءات غير رسمية)، و”السوق السوداء” تكاد تبتلع كل بازارات “السوق البيضاء”.

ومع ذلك، كشف بيان بوش وما تلاه، عن ديناميكية الداخل والخارج التي تتحكم بتطور الصراع السياسي في إيران. وهما، حسب ما يقول د. غسان العزي، الخبير اللبناني في الشؤون الدولية والايرانية، إن “ذاكرة الشعب الايراني تقول له كل يوم أن ما حال دون إنتصار ثورته الدستورية الكبرى العام 1905، ثم ثورته القومية الاستقلالية مع محمد مصدق سنة 1953، كان التدخل البريطاني ثم الامريكي-البريطاني المشترك. وهو يخشى الان أن يقع في قبضة السلطة الاجنبية مجددا، إذا ما نشبت الحرب الاهلية في البلاد”. ويضيف العزي ان هذا العامل الخارجي “يلعب الان تماما لصالح قوى النظام المحافظة، ويكبح عوامل الصراع الداخلي الطبيعي في إيران”.

لكن الباحث الفرنسي، اوليفييه روا، وهو خبير ايضا في الشؤون الايرانية والاسلامية، له وجهة نظر اخرى. فبرغم اعترافه بمدى تاثير العوامل الخارجية على الصراعات الداخلية، الا انه يرى ان ذلك لن يتمكن في النهاية من وقف ما يسميه “مسيرة الثورة الحتمية للدين على السياسة في إيران”. وما يقصده روا هنا، هو ان فشل تجربة الحكم الديني، ستسفر في النهاية عن المطالبات بفصل الدين عن السياسة وإعادة رجال الدين الى “ثكناتهم الروحية” (أي المساجد والحسينيات).

 لعبة الداخل والخارج

لو أن مثل هذا الجدل يدور في غير الحقبة التاريخية الراهنة، لكان روا محقا تماما. بيد ان الصراعات الداخلية الايرانية تجري، وستجري اكثر، في مناخات إقليمية – دولية تهدد بتغيير كل خرائط منطقة الشرق الاوسط، بما فيها إيران التي ذاقت مرات عديدة في التاريخ طعم اقتسامها المرّ بين الانجليز والروس والاتراك. وهذا ما قد يجعل اليد العليا للعوامل الخارجية الكابحة لصراعات الطبيعة للعوامل الداخلية.

وما جرى منذ بيان بوش في 12 يوليو وحتى الان، يميل الى تأكيد هذا الاتجاه الذي قد يتكرس مستقبلا، إذا ما واصلت الولايات المتحدة تجاهلها لخصوصية لعبة الداخل والخارج في إيران.

سعد محيو- بيروت

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية