بوش واللعب في الوقت ما بعد الضائع
الناظر إلى ساحة الشرق الأوسط، يجد تحرّكات مُـكثفة، تبدو أحيانا مبالغا فيها من فرط كثافتها العددية من ناحية وفقر المضمون، الذي تنتهي إليه من ناحية أخرى.
كما يجد الإيحاء بأن شيئا ما عظيما قد يحدث قريبا، وفي الوقت نفسه، يُـدرك أن العوامل الموضوعية ـ بلغة الأكاديميين ـ ليست متوافرة، ومن ثم ينتهي إلى أن حجم الخداع البصري، الذي يُـراد له أن يتحوّل إلى واقع، بالقطع لن يكون ملموسا.
فهناك التذكير الأمريكي في 16 يوليو الجاري على لسان الرئيس بوش برؤية الدولتين، ولكنه تذكير انتهى إلى دعوة غير واضحة المعالِـم بعد عقد مؤتمر أو اجتماع دولي بمشاركة إقليمية، غير محدّدة الملامح، في الخريف المقبل، ترأسه وزيرة الخارجية الأمريكية، بما يعني أن سقف الحاضرين لن يزيد عن الوزراء المناظرين.
أما الهدف، فهو تقديم أفُـق سياسي عبر تقديم الدّعم لسلطة الرئيس محمود عباس والتأكيد على أهمية إعداد السلطة الوطنية الفلسطينية وإصلاحها، أمنيا واقتصاديا، حتى تُـصبح لاحقا مهيئة لإدارة دولة في عِـلم الغيب.
وهناك مهمّـة بلير، كمبعوث خاص للجنة الرباعية الدولية، التي لم تفعل شيئا يُـذكر، سوى وضع شروط لحِـصار حماس والأراضي الوطنية الفلسطينية، وهو ما مهّـد للاقتتال الفلسطيني والانقسام ما بين غزة والضفة على النحو المعروف، كنتيجة لأحداث الأسبوع الثاني من يونيو الماضي.
وهناك مهمّـة المبعوثَـين العربِـيَـين، وزيرا خارجية مصر والأردن إلى إسرائيل ولقائهما بالمسؤولين الإسرائيليين، بُـغية إقناعهم بجدوى وأهمية قبول المبادرة العربية للسلام، وبعدها خرج علينا وزير الخارجية المصري بالقول أنه لمس “نيات إسرائيلية جدِّية بشأن الدولة الفلسطينية”، في الوقت نفسه الذي أنكَـر فيه عمرو موسى أن تكون مهمّـة الوزيرين مكلّـفة من الجامعة العربية، رغم معرفتنا جميعا بأن التفويض جاء من لجنة متابعة عربية للمبادرة، شكِّـلت بقرار من قمة الرياض في نهاية شهر مارس الماضي.
وهناك أيضا زيارات لمسؤولين أوروبيين كُثر لدول في المنطقة، تدور جميعها حول ما الذي يجري في الأراضي الفلسطينية وفي العراق أيضا.
“شيء ما” على نار هادئة
مثل هذه التحركات الأمريكية والعربية والدولية والأوروبية، تُـعطي الانطباع بأن ثمّـة شيئا كبيرا يُعَـد على نار هادئة، خاصة وأن هناك خطوات فِـعلية، وإن كانت رمزية، قد اتَّـخذتها إسرائيل بالفعل، منها الإفراج عن 255 أسيرا فلسطينيا “فتحاويا” من بين 11000 مُـعتقل فلسطيني من كل الأعمار والمنظمات، وتحويل عدّة ملايين من الدولارات المحتجزة من أموال الضرائب الفلسطينية إلى الرئيس عباس واستمرار اللقاءات الفلسطينية الإسرائيلية نصف الشهرية.
ناهيك عن تسريبات بأن أولمرت سيقتَـرح على عباس خطّـة إعلان مبادئ لقيام الدولة الفلسطينية على 90% من أراضي الضفة وكل غزة، بعد ربطهما معا بنفق، وأن يكون هناك تعويض مُـتبادل للأراضي، نتيجة احتفاظ إٍسرائيل بالكُـتل الاستيطانية من جهة، وحفر نفق يربط بين الضفة والقطاع من جهة أخرى، وهو ما نفاه مسؤولو السلطة الفلسطينية بأنهم لم يحصُـلوا على مثل هذا العرض مكتوبا، وهو ما لا ينفي أن يكون قُـدم شفويا في أحد لقاءات عباس وأولمرت.
وكذلك تأكيدات شيمون بيريز، رئيس إسرائيل والسياسي المخضرم، عن أن الجدل بين اليسار واليمين في إسٍرائيل قد حُسِـم لصالح مبدإ الدولتين، ولكن دون أن يعني ذلك الدخول الآن في مفاوضات القضايا الصّـعبة، كالحدود والقدس واللاجئين، الأمر الذي يُـعيد التذكير مرّة أخرى بالأفكار الكلية، التي قدمها باراك، حين كان رئيسا للوزراء في نهاية فترة الرئيس كلينتون، للرئيس عرفات والذي رفضها، لأنها أقل من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، والتي ناضل من أجلها كثيرا جدا.
كل ذلك يشكِّـل خريطة تفاعلات إقليمية مُـهمة ولاشك في ذلك، كما يشكِّـل مسعى محسوبا يستفيد من الانقسامات الفلسطينية لغرض فرض توازنات جديدة، سواء بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو بين الفلسطينيين أنفسهم، وتحديدا بين فتح وحماس، ثم أكثر تحديدا بين الرئيس عباس ومؤيِّـديه وبين حماس.
ومع ذلك يظل السؤال قائما: هل ستقود هذه التفاعلات إلى تغييرات أساسية وهل ستقود إلى إقامة دولة فلسطينية وهل سيتبعها تطبيع عربي إسرائيلي، كما يحلم بذلك أولمرت وليفنى وغيرهما من ساسة إسرائيل؟
شكل برّاق ومضمون مُـرتبك
بعيدا عن الشكل البرّاق، الذي رصدنا ملامِـحه، لابد من تفهم المضمون الذي تجري فيه هذه التحركات، والمضمون هنا يعني أمرين متلازمين، الأول، طبيعة اللحظة الزمنية الجارية لكل من الرئيس بوش وأولمرت وعباس على وجه الخصوص، والثاني، حالة الإقليم ومدى استعداده لقبول هكذا تحرّكات يرى أنها هامشية ومحدودة، وذات أهداف جُـزئية ومُـعاكسة للحقوق الفلسطينية المشروعة، ولو في حدها الأدنى.
حول طبيعة اللَّـحظة الزمنية ومُـلابساتها الداخلية والإقليمية للرئيس بوش مثلا، يمكن أن نُـشير إلى عدّة عناصر، فهو لا يملِـك سوى أقل من عام ونصف في السلطة، وهي مدّة ليست كافية بالمعايير الأمريكية، لاسيما في ظل ظروف الحملة الانتخابية الرئاسية، في تمرير اتِّـفاق إقليمي كبير من وزن إقامة دولة فلسطينية محدّدة المعالم، تنطوي حتما إذا أريد لها أن تنشأ، على ممارسة ضغوط كبيرة على إسرائيل، وهو أمر غير مُـتصوّر، نظرا لطبيعة الرئيس بوش نفسه وضُـعفه الشديد أمام كل شيء يمَـسّ إسرائيل وساستها، كما يُـواجه مشكلة كبرى في العراق، فلا الانسحاب المبكّـر وارد ولا الاستمرار إلى أجل غير معروف وارد، في الوقت نفسه، لا يُـمكن الادّعاء بأن الحملة على العراق قد أتَـت ثِـمارها، خاصة وأن كل يوم يمُـر، يعني اقترابا أكثر من المُـزايدات الانتخابية والضغوط المعنوية والسياسية، التي لا ترحم.
وثالثا، فهو يُـواجه إيران كخصم عنِـيد يتمسَّـك بحقوقه النووية السِّـلمية ويُـفاوض بكل مهارة، ويستغلّ ورطة الجنود الأمريكيين في العراق، لتمرير مشروعه التاريخي.
وفي تلك المواجهة، تبدو خِـيارات العمل العسكري مُـحاطة بقيود كبيرة، كما أن التجاوب مع المطالب الإيرانية سيعني خسارة سياسية كبرى.
كما أن تجاهل بلد مُـهِـمّ في سياق التسوية الفلسطينية كسوريا، وإن أرضى دوائر النفوذ الصهيوني داخل أمريكا، لكنه لا يساعد قطعا على تمرير أي مشروع يتعلّـق بالقضية الفلسطينية وأي من مُـلحقاتها.
أولمرت وعباس.. ضعف وظيفي وبنيوي
أما أولمرت، فالأمر لا يختلف كثيرا، فالوضع السياسي الهش الذي يعانيه من جرّاء تبِـعات الفشل العسكري في لبنان خلال الصيف الماضي، لا يتيح الدخول في مغامرة سياسية كبرى، من قبيل مفاوضات حقيقية وذات مدى زمني مناسب، لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وتنطوي حتما على تنازلات كُـبرى، سواء في الأراضي أو القدس أو اللاجئين. ومن هنا، يأتي التَّـركيز على مجرّد الاتفاق على إعلان مبادئ وترك التفاصيل والمفاوضات إلى أجلٍ غيرِ مسمّـى أو بالأحرى، تضييع القضية لمدى آخر إلى أن تفقد نفسها بنفسها.
ويمتد الضعف بالمعنى الوظيفي إلى الرئيس الفلسطيني عباس، والذي يتصوّر أن متابعة التواصل مع أولمرت ووعود الرئيس بوش الغامضة سياسيا، والتي لا تتحدث سوى عن مجرّد أفُـق سياسي، مشفوعة بمطالب قاسية، تصل إلى حد الدخول في معركة كسر عظم أخرى مع حماس في الضفة، وتكريس الانقسام مع غزة بشعبها ومنظماتها دون تفرقة، سيأتي بالفرج المُـبين، وهو تصور أقرب إلى الوهم، خاصة وأن خطواته لتكريس الانقسام بين الضفة وغزة، غير مقبولة مصريا أو سعوديا، وبالطبع سوريا، ومن شأنها أن تُـعيد خلط الأوراق فلسطينيا، بما يُـضر الجميع.
القاسم المشترك على هذا النحو، هو الضعف الوظيفي البنيوي في حالة الزعماء الثلاث الأساسيين، الذين يُـفترض أن تنهض على أكتافهم عملية بناء دولة فلسطينية قابلة للحياة وترضي الحدّ الأدنى من الطموح القومي الفلسطيني.
الدليل
ضُـعف يفسِّـر خفّـة العائد، الذي يرتجى من كل التحركات المكثفة، التي تم رصد بعضها والمنتظر أن يتأتّـى مثلها وأكثر في الأسابيع القليلة المقبلة، ولعل السقف الذي يعمل في ظله مثلا توني بلير، يعطي الدليل.
فالتفويض الممنوح للرّجل من قِـبل اللجنة الرباعية، لا يتجاوز مساعدة الفلسطينيين التابعين للرئيس عباس اقتصاديا، تحت مظلّـة مساعدة السلطة على إجراء إصلاحات أمنية واقتصادية وسياسية، وهي النغمة نفسها التي كرّرتها إٍسرائيل والولايات المتحدة منذ عام 2002 وتمّ فرضها كأولوية في خطة خريطة الطريق، دون أن يعني ذلك، التقدّم خطوة واحدة نحو المفاوضات الشاملة، بل يزداد الأمر سوءا في ضوء الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة، بما يجعل الهدف الرئيسي من مهمّـة بلير هو تكريس الانقسام، وربما التّـمهيد لإلحاق غزّة بمصر والضفة بالأردن، ومن ثم ينتهي الحديث عن دولة فلسطينية، وهو الحلم القديم الذي يُـراود ساسة إسرائيل، أيا كان ما يُـعلنونه على الملأ. فهل سيقبل الفلسطينيون ذلك من فتح أو غيرها، بالقطع لا.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
واشنطن (رويترز) – تتوجه كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية وروبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكيان إلى الشرق الأوسط الأسبوع المقبل، سعيا إلى الحصول على دعم عربي لإشاعة الاستقرار في العراق، ولكن خبراء أبدوا حذرهم إزاء ما قد يتم تحقيقه.
ومن المقرر أن يلتقي الوزيران مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي الست، بالإضافة إلى الأردن ومصر في منتجع شرم الشيخ المصري، يوم الثلاثاء، ثم يلي ذلك اجتماعات في السعودية.
وقال دبلوماسي عربي “إنها (الجولة) تتعلق بالأمور المظهرية، وليست الجوهرية. إنهم يريدون أن يثبتوا للجميع (في واشنطن) أنه يوجد تشاور إقليمي بشأن العراق ودعم إقليمي لعملية زيادة القوات”.
ومع تزايد الضغوط الداخلية للانسحاب من العراق، تحاول إدارة الرئيس جورج بوش جاهدة تبرير إرسال قوات إضافية، حجمها 30 ألف جندي إلى العراق قبل الموعد المقرّر، أن ينشر فيه تقرير بشأن التقدم في سبتمبر القادم.
ومن المتوقع أن يقدم الوزيران خلال الاجتماعات تقييما لعملية زيادة القوات الأمريكية ويكرران نداءات سابقة لمزيد من التدخل العربي في العراق، ولاسيما من جانب السعودية.
وقال شون مكورماك، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، إن الوزيرين يأملان بالحصول على بيانات تأييد قوية من دول الخليج، وأضاف “في كل الزيارات نريد دعما أكثر فعالية وإيجابية للعراق وللشعب العراقي”.
وقام كل من رايس وغيتس بعِـدة زيارات للشرق الأوسط هذا العام، للدعوة لمزيد من المساعدة فيما يتعلق بالعراق، حيث يقاتل نحو 157 ألف جندي أمريكي عنفا طائفيا ومسلحين سُـنة وميليشيات شيعية ومتشدّدي القاعدة.
وصرح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية بأن هذا سيكون خامس اجتماع تعقده رايس مع مجلس التعاون الخليجي خلال العام المنصرم، قائلا، إن الهدف هو إنشاء أساس إقليمي، لمعالجة الوضع بالعراق”، وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه “إننا نركز على تعزيز الإجماع مع أصدقائنا العرب بشأن التحديات الموجودة في المنطقة.. العراق وإيران”
وحضرت رايس مؤتمرا لجيران العراق في شرم الشيخ في مايو الماضي، وشكلت ثلاث مجموعات عمل في محاولة لمساعدة العراق. ولكن لم تلتق أي من هذه المجموعات، وستحث رايس وغيتس على القيام بمزيد من العمل.
وقال مكورماك “نريد أن نجعل مجموعات العمل تبدأ في العمل وجعلها تجتمع على أساس منتظم”.
واعترف مسؤولون أمريكيون بأن بعض الدول العربية السُـنية تساورها شكوك بشأن الحكومة العراقية، التي يقودها الشيعة، خشية أن لا تستطيع تهدِئة العراق وارتباطها الوثيق بشكل أكبر، مما يجب مع إيران.
وتحاول واشنطن منذ فترة طويلة إقناع الدول السُـنية بأن الإدارة العراقية الحالية تمثل أفضل فرص النجاح وحثّـتها على اتخاذ إجراءات، مثل فتح سفارات في بغداد لتعزيز شرعية هذه الحكومة.
وطلب أيضا المسؤولون الأمريكيون من السعودية الضغط على سُـنة العراق كي لا يشاركوا في أعمال العنف.
وحذر غيتس دول الشرق الأوسط في أبريل من أن عواقب حدوث انهيار كامل في العراق سيتم الشعور بها في المنطقة كلها، قبل أن يتم الشعور بها في الولايات المتحدة.
وشكا سمير الصميدعي، سفير العراق لدى الولايات المتحدة، من أن الدول العربية لم تمد يد المساعدة منذ الغزو الذي قادته أمريكا للعراق في مارس 2003.
وقال هذا الأسبوع “مبدئيا كانت هناك فترة من الإنكار، ثم حدثت فترة من التردّد، ثم كانت هناك فترة من الارتباط الخجل، والآن علينا أن نتحرك إلى فترة الارتباط الفعال والإيجابي”.
وسيناقش الوزيران الأمريكيان أيضا مسألة الدعم لمؤتمر بشأن الشرق الأوسط اقترحه البيت الأبيض هذا الخريف بهدف إحياء جهود السلام العربية الإسرائيلية.
وتحث الدول العربية إدارة بوش على أن تولي قدرا أكبر من الاهتمام للصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائلة، إن هناك حاجة أان يكون هناك أسلوب أوسع للشرق الأوسط، بدلا من التركيز الضيِّـق على العراق.
وقال جون أولترمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، ومقره واشنطن “جهود فصل العراق والصراع العربي الإسرائيلي، تسلط الضوء على الصلة بين الاثنين”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 يوليو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.