مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بوش وخامنئي.. أم الإسكندر وداريوس؟

السفير الأمريكي في بغداد ريان كروكر (يمين الصورة) ونظيره الإيراني حسن كاظمي قمي في مفتتح أول جلسة ثنائية للبحث في الشؤون الأمنية عقدت يوم 28 مايو 2007 في مكتب رئيس الوزراء العراقي في المنطقة الخضراء وسط بغداد Keystone

"الاطراف الثلاثة اتفقوا على تشكيل لجنة أمنية تأخذ على عاتقها معالجة الملفات المدرجة على "جدول اعمال سري" يتضمن تشخيص مكامن الازمة الامنية في البلاد واقرار نوع التحرك المطلوب امنياً وسياسياً".

“جدول أعمال سري”؟.. ماذا قصد وكيل وزير الخارجية العراقية لبيد عباوي، الذي شارك في اجتماع ممثلين امنيين وسياسيين عن الولايات المتحدة وايران والعراق قبل أيام في بغداد، بهذا التعبير؟

لا معلومات. كل ما تسَرب هو أن بغداد وصفت الإجتماع الثلاثي الثاني (الاول عقد في أواخر شهر يوليو الماضي) بأنه “جرى في أجواء مشجعة ستساهم في تجنَب سوء الفهم والتصورات الخاطئة التي يحملها كل طرف على الآخر”، هذا في حين كان الإيرانيون يكتفون بالقول أن “الإجتماع كان فنياً وقد يخفف التوتر الامني في العراق”، وفيما كان الأميركيون يشددون على ان الإجتماع إقتصر على البحث بتشكيل اللجنة ولم يناقش أي شيء آخر خارج نطاق أمن العراق.

الجذور

تطورات غريبة؟ بالتأكيد. خاصة حين نتَذكر بأنه خلال ” الإجتماع الأمني “وبعده، كان يقع حادثان أكثر غرابة:

الاول، يتمثل في إعلان قائد القوات الاميركية في العراق بان الميليشيات المدعومة من طهران، هي الطرف الاول والأساسي المسؤول عن الهجمات على القوات الاميركية في بغداد.

والثاني، يتجسد في إتهام إيران للولايات المتحدة وبريطانيا بتدبير “مؤامرة إرهابية كبرى” في منطقة خوزستان التي تقطنها أغلبية عربية والتي تعتبر من المناطق الأغنى بالنفط في إيران.

كيف يمكن لطرفين يتهمان بعضهما البعض بالتآمر الأمني ضد بعضهما البعض، أن يتحاورا في إطار لجنة امنية، للوصول إلى تفاهمات امنية مشتركة؟.

تفكيك شيفرة هذا اللغز تكمن في دراسة التركيبة الثقافية – التاريخية الخاصة للاميركيين والإيرانيين، والتي تسمح للطرفين بأن يتحاورا وهما يتقاتلان.

فعلى الجانب الاميركي هناك التركيبة البراغماتية، وهي الفلسفة التي أقيم عليها كل صرح الحضارة الأميركية، التي جعلت السياسة الخارجية للولايات المتحدة تتأرجح طيلة قرن كامل بين ما يحب الأميركيون أن يسمونه القيم العليا الاميركية، وبين المصالح الإنتهازية الدنيا. وقد كان النصر دوماً، عدا حقب قصيرة في التاريخ، لهذه الأخيرة.

وعل الجانب الإيراني هناك الدهاء الفارسي- الشيعي، الذي ولد على يد حاضنات إيديولوجية عدة من قورش إلى الصفويين، والذي يكاد يكون حاضراً في كل التوجهات الخارجية الإيرانية. وقد كان عبد الحليم خدام، السياسي السوري المنشق الأكثر توفيقاً حين وصف هذه الظاهرة المثيرة بقوله: “لم نكن نعرف حقيقة ما يريده الإيرانيون إلا بعد أن تقع الأحداث”.

بيد أن هذه البراغماتية الأميركية وذلك الدهاء الفارسي يبقيان على المستوى التكتيكي ولا يرقيان إلى المستوى الإستراتيجي، للأسباب الثقافية – التاريخية نفسها. كيف ذلك؟

أثينا وفارس

قبل نحو ثلاثة اعوام، طرح المؤرخ البريطاني طوم هولاند، صاحب كتاب “روبيكون: أسباب سقوط الأمبراطورية الرومانية”، السؤال الآتي:” ماذا كان يمكن أن يحدث لو لم تنتصر القوات الأغريقية على جيوش الإمبراطورية الفارسية في عصور ما قبل المسيحية والأسلام؟

سؤال غريب ؟ أجل. لكنه مهم للغاية، ليس فقط لفهم أبعاد ما جرى في التاريخ السحيق، بل لتملّس مضاعفاته على التاريخ الحديث. أو هذا على الأقل ما يقوله طارح هذا السؤال. وهو تقدم به في دراسة جديدة بعنوان: “النار الفارسية”، توصل فيها إلى الأستنتاج بأنه لولا هزيمة الفرس في معركة ماراثون، لما برز إلى الوجود ليس فقط أفلاطون بكل ما ترك من تأثيرات لاحقة على الفكر الديني المسيحي والأسلامي، بل أيضاً الحضارة الأوروبية برمتها.

كان ضرورياً، برأيه، أن يزول طرف شرقي كي يصعد طرف غربي آخر مكانه. وكان من الملّح، في الوقت ذاته، أن تنتصر أثينا الأغريقية الديموقراطية على فارس الزردشتية الإستبدادية كي يتمكن الغرب من تحقيق صعوده التاريخي.

لو أن هذه الدراسة نشرت في أي وقت آخر، لما أثارت أي جدل. إذ هي تستند أساساً إلى إفتراضات غير علمية، ناهيك عن اعتمادها بالكامل على رواية الأغريق لتاريخهم مع الفرس ومع تجاربهم السياسية الخاصة. لكنها (أي الدراسة) تأتي فيما فارس الحديثة تبدو العقبة الرئيس الأولى في وجه إستكمال جهود إمبراطورية الغرب لضم الممالك الشرقية إلى حضارته الرأسمالية المتعولمة.

وهذا ما يفرض السؤال: هل كانت دراسة هولاند جهداً اكاديمياً بريئاً، أم أنها محاولة غير بريئة لمنح الصراع الغربي- الفارسي الراهن بعداً تاريخياً خطيراً، يستدعي بالضرورة إستراتيجيات غربية موحّدة وأكثر خطورة تجاه أحفاد داريوس وأتباع زرادشت السابقين؟

سواء قصد هولاند أم لم يقصد، ستصب إعادة قراءته للتاريخ في خانة اللابراءة، خاصة وانه يعتبر ما يسميه “الحروب الفارسية” (وليس الحروب الصليبية) أولى حروب صدام الحضارات بين الشرق والغرب!.

وبالطبع، مثل هذا التحليل نزل برداً وسلاماً على قلب الرئيس بوش وأنصاره الداعين إلى وضع مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الأوسع أو الجديد على نار حامية. فبما أن إيران- الخميني تلعب الآن (وإن على نطاق أكثر تواضعاً بكثير) الدور ذاته الذي لعبته فارس – داريوس كعقبة في وجه إنتصار القيم الغربية، سيكون من الضروري الإستعداد لحرب ماراثون جديدة تحسم فيها الأمور نهائياً لصالح الغرب الديموقراطي على الشرق الإستبدادي.

الإستراتيجية والتكتيك

لكن هنا ثمة إختلاف مثير بين ماراثون القديمة والحديثة: في الأولى، إنقلب الاسكندر ذو القرنين على الفكر الزرادشتي المستند إلى حرب بين الظلام والنور يقودها ديكتاتور عادل، لصالح فكر العدالة والديموقراطية، فيما في الثانية يتبنى الإسكندر الحديث جورج بوش ذو القرن الوحيد (أي زعيم القوة العظمى الوحيدة) زرادشتية الفرس، عبر طرحه مفاهيم محور الشر والحرب بين الخير والشر.

وهذه مفارقة كان يجب أن ينتبه إليها هولاند وهو يبحث بدأب في “النار الفارسية” عن علاقة أول حرب حضارية في التاريخ بالصراع الراهن في القرن الحادي والعشرين، لكنه لم يفعل.
والارجح أن واشنطن لن تفعل ذلك أيضاً. لكن هذه المرة ليس فقط لأسباب ثقافية – حضارية، بل لدوافع إستراتيجية.

فواشنطن لن تكون مستعدة لا الآن – ولا بعد مائة عام (!) – للتعاطي مع إيران على قدم المساواة كما تعاطت من قبل مع الصين والإتحاد السوفييتي. وهي ترفض، وستظل ترفض، قبول إيران كشريك إستراتيجي لها في النظامين الإقليميين في الخليج والشرق الاوسط، أو حتى في نظام آسيا الوسطى- قزوين. فما هو في الميزان بالنسبة لها لا يقل عن كونه مصير الزعامة العالمية الاميركية، المرتبط بدوره بشكل عضوي بمصير حقول النفط الخليجية. المناسبة الوحيدة التي يمكن بموجبها لواشنطن أن تقبل بالدور الإيراني، هي تعرضها إلى هزيمة ماحقة كتلك التي حدثت لها في الهند الصينية. وهذا ما لا يبدو وارداً.

ماذا إذن؟ لماذا يتفاوض الإيرانيون والاميركيون؟ الإيرانيون لانهم يسعون دوماً لتحويل المفاوضات إلى صفقة إستراتيجية على النمط الصيني، فيما الاميركيون سيحرصون دوماً على إبقائها في إطار الصفقات التكتيكية، على نمط الصفقات المنعزلة في إيران- كونترا، وأفغانستان- كونترا، والعراق- كونترا !.

ولأنه سيكون من المستحيل مطابقة التطلعات الإستراتيجية الإيرانية مع الشروط التكتيكية الأميركية، سيبقى الحوار بين الطرفين أشبه بحوار طرشان يدور في حلقة مفرغة من التهدئة والتصعيد، إلى أن تقود لعب حافة الهاوية إلى مرحلة حسم ما.

.. وهذا بالتحديد ما يجري الان داخل أروقة ” اللجنة الأمنية ” الاميركية – الإيراننية المشتركة في بغداد: ألعاب تكتيكية متبادلة تخفي اهدافاً إستراتيجية (وتاريخية حضارية) متناقضة.

فهل هذه كذلك هي “جدول الاعمال السري” الحقيقي الذي تحدث عنه وكيل وزارة الخارجية العراقية لبيد عباوي؟.. ربما!

سعد محيو- بيروت

واشنطن (رويترز) – أصر الرئيس الأمريكي جورج بوش يوم الخميس 9 أغسطس على أن ايران قوة تزعزع الاستقرار في العراق بالرغم من تأكيد طهران لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أنها تساعد في تأمين بلاده.

ووصف بوش ايران بأنها “دولة تثير قلقا بالغا” وينبغي عزلها وحذر خلال مؤتمر صحفي في البيت الابيض قائلا “عندما نضبطكم تؤدون دورا غير بناء (في العراق) سيكون هناك ثمن يُدفع.”

جاءت تعليقات بوش بعد أن حصل المالكي الذي يواجه خلافات سياسية متفاقمة في الداخل فضلا عن انتقادات من الولايات المتحدة لعدم تحقيق تقدم في الحد من الانقسامات الطائفية على تعهدات بالتأييد من ايران الشيعية خلال زيارة لطهران.

وهَوَن بوش الذي يجاهد لحشد مساندة الرأي العام الأمريكي لحرب العراق التي لا تحظى بتأييد من شأن التحسن المطرد في العلاقات بين بغداد وطهران وأعرب عن ثقته في اتفاق المالكي معه في الرأي بأن ايران تهدد أمن العراق.

وقال الرئيس الامريكي “اذا كانت الإشارة (من المالكي) هي أن ايران بناءة فسيتعين أن أجري حوارا صريحا مع صديقي رئيس الوزراء لانني لا أعتقد أنها بناءة. ولا أعتقد أيضا أنه في صميم قلبه يرى أنها بناءة.”

ورأى أن المالكي صور وهو مبتسم مع مضيفيه الايرانيين ومن بينهم الرئيس المعادي للولايات المتحدة محمود أحمدي نجاد كنوع من اللياقة الدبلوماسية.

وقال بوش رافعا قبضته مثل الملاكم “أنت لا ترغب أن تظهر الصورة كمعركة”.

وكانت هذه هي المرة الثانية خلال الاسبوع الجاري التي يدافع فيها بوش عن موقفه الصارم تجاه ايران مستخدما كلمات تحذيرية مع حليف رئيسي في مواجهة خلافات محتملة بشأن دوافع ايران.

ودعا بوش الرئيس الافغاني حامد كرزاي يوم الاثنين 6 أغسطس خلال زيارة لمنتجع الرئاسة في كامب ديفيد الى عدم الثقة في ايران بعد أن استبعد الزعيم الافغاني اتهامات أمريكية لطهران بتسليح حركة طالبان.

وأصبحت ايران ذات الأغلبية الشيعية مثلها في ذلك مثل العراق لاعبا سياسيا رئيسيا في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003.

وتنفي طهران اتهامات واشنطن بامداد متشددين بأسلحة لتأجيج العنف الذي تحمل استمرار الوجود الأمريكي في العراق المسؤولية عنه. ودعت بغداد البلدين الى التفاوض وعدم تصفية خلافاتهما بالقتال على أرض العراق.

ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الاسلامية الايرانية الرسمية عن برويز داودي النائب الاول للرئيس الايراني قوله للمالكي خلال زيارته ان طهران “بذلت دائما جهدا خاصا للمساعدة في توفير وتعزيز الأمن في العراق.

لكن بوش نفى أن ايران تؤدي دورا إيجابيا في العراق حيث وصلت أعمال العنف بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية في بعض الأحيان الى حافة حرب أهلية.

وساهم ذلك في تزايد مطالبة الديمقراطيين الذين يسيطرون على الكونجرس الأمريكي بجدول زمني لانسحاب أمريكي وهو أمر رفضه بوش.

وقبل أكثر بقليل من شهر على مهلة تنتهي في 15 سبتمبر ايلول لتقديم تقرير هام بخصوص التقدم في العراق دعا بوش المشرعين الى التحرك سريعا بعد عطلتهم في اغسطس اب لاقرار تمويل جديد للحرب.

وقال بوش ان المالكي “يعرف أن الاسلحة التي تهرب الى العراق من ايران وتوضع في أيدي المتطرفين ..وهو أمر لا سيطرة للحكومة عليه ويهدف كله الى ازهاق أرواح بريئة.. هو أحد عناصر زعزعة الاستقرار.”

وقال انه طلب من الدبلوماسيين الامريكيين عقد اجتماعات مؤخرا مع مسؤولين ايرانيين في بغداد بهدف “توجيه رسالة مفادها أنه ستكون هناك عواقب” لتهريب الأسلحة الى العراق.

وقال ان رسالته الى الشعب الايراني هي “يمكنك أن تؤدي بشكل أفضل من هذه الحكومة الحالية.” واتهمت ايران واشنطن هذا الأسبوع بأنها تسعى للاطاحة بزعمائها من خلال “ثورة هادئة”.

وكرر الرئيس الامريكي اتهامات الغرب لايران بأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم يهدف الى انتاج أسلحة نووية قائلا “هذا في حد ذاته فضلا عن سياستهم الخارجية المعلنة خطر بالغ على استقرار العالم.”

وتصر ايران على أن برنامجها النووي لا يهدف إلا لانتاج الطاقة.

وفرض مجلس الامن الدولي مجموعتين من العقوبات منذ ديسمبر كانون الاول على ايران لامتناعها عن وقف تخصيب اليورانيوم. وتجري مشاورات بخصوص مجموعة ثالثة من العقوبات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 9 أغسطس 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية