بين الصحراء الغربية والخلايا الإرهابية
بينما يستعد المغرب للترويج الدولي لمبادرة منح الحكم الذاتي للصحراء الغربية، أُعلن عن تفكيك شبكة لتنظيم القاعدة كانت تنشط في المملكة.
وكانت الخلية تعد لشن هجمات مسلحة ضد أهداف حكومية وسياحية في الرباط والدار البيضاء وأغادير والصويرة.
ورد في الأنباء الأولى التي صدرت عن جهات رسمية مغربية أن أجهزة الأمن فككت شبكة لتنظيم القاعدة من 17 ناشطا يتزعمها مغربيان، الأول محمد رحا الذي يحمل جنسية بلجيكية، والثاني خالد ازيك.
وذكرت المصادر نفسها أن الناشطين كانا يستقطبان شبانا مغاربة للقتال ضد قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وأن من بين هؤلاء اثنان من مغاربة غوانتانامو كانت الولايات المتحدة قد سلمتهما مع ثلاثة مغاربة آخرين إلى السلطات المغربية في أغسطس 2004 وتجري محاكمتهم جميعا في حالة سراح.
وقالت الأنباء إن محمد رحا الذي كان يقيم في سوريا لتسهيل انتقال مقاتلي تنظيم القاعدة إلى العراق، ويتنقل إلى المغرب عن طريق اسطنبول، هو عضو في شبكة لتنظيم القاعدة في بلجيكا، وأن تنسيقا أمنيا مغربيا بلجيكيا أدى إلى تفكيك هذه الشبكات وإلقاء القبض على أفرادها.
وتوالت الأنباء فيما بعد عن هذه الشبكة والأهداف التي كانت تخطط لمهاجمتها. وتقول إنه بالإضافة إلى استقطاب مقاتلين للعراق، فإنها كانت تعد لهجمات ضد فنادق في مدينة الصويرة جنوب البلاد تقول إنها تستقبل يهودا، وكذلك فنادق في أغادير وكازينو في طنجة شمال البلاد. ثم أضيف للمخطط استهداف مقر البرلمان في الرباط ومقرات للمخابرات في الدار البيضاء ثم سفن بحرية في البحر المتوسط تنقل أمريكيين.
وخارج المغرب، بالإضافة لانتمائها لتنظيم القاعدة، قالت الأنباء إن الشبكة كانت تنسق مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية التي بايعت أيضا تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن لتدريب الناشطين المستقطبين للتدريب على السلاح والمتفجرات في الجزائر، وإطلاق هجمات مشتركة في جميع البلدان المغاربية، وإطلاق تنظيم لقاعدة في دول شمال إفريقيا.
هل يتكرر سيناريو 2002؟
وجاءت كل هذه الأنباء حتى الآن عن طريق تسريبات صحفية دون تأكيدها رسميا، باستثناء الخبر الأول الذي تحدث عن تفكيك الشبكة ودورها في استقطاب شبان مغاربة للقتال في العراق.
لكنها تسريبات غير بعيدة عن الأوساط الأمنية المغربية رغم أن أعضاء الشبكة عُرضوا على قاضي التحقيق أكثر من مرة، وقرر توقيفهم في إطار الاعتقال الاحتياطي لمواصلة التحقيق ثم تقديمهم للمحاكمة.
وهو ما يكرر سيناريو عرفه المغرب في علاقاته مع الجماعات الأصولية المتشددة حين أعلنت السلطات الأمنية المغربية في يونيو 2002 عن تفكيك خلية نائمة لتنظيم القاعدة تتكون من ثلاثة أفغان سعوديين وناشطين وناشطات مغاربة كانت تستعد لهجمات مسلحة ضد سفن حربية أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق.
ثم بدأت الأنباء تتحدث عن أهداف جديدة تمثلت في “ساحة الفنا” السياحية في مراكش، وحافلات لنقل الركاب. ثم تبين بعد محاكمة استمرت شهورا بطلان هذه الأنباء وأدانت المحكمة الموقوفين السعوديين بتهم لا علاقة لها بالإرهاب أو التخطيط لهجمات مسلحة، إذ أدانتهم بتهم الانتماء لمنظمة محظورة والإقامة غير المشروعة.
لكن سيناريو الخلية النائمة 2002 كانت له انعكاسات سلبية على الوضع الأمني والسياحي المغربي، إذ بعد مرور سنة بالضبط على اعتقال السعوديين الثلاثة، شنت جماعات أصولية لم تعرف هويتها حتى الآن، هجمات انتحارية استهدفت فندقا ومطعما وناديين ومقبرة لليهود المغاربة في الدار البيضاء ذهب ضحيتها 45 قتيلا وعشرات الجرحى، وأعقبها تصعيد التوتر على أجواء بلاد تقدم نفسها نموذجا للاستقرار في المنطقة العربية.
وبالإضافة إلى ذلك، أدى سيناريو الخلية النائمة إلى توتر العلاقات السعودية المغربية المعروفة بدفئها التاريخي، كما ساد التوتر السياسي البلاد بعد مناوشات إعلامية وتحريضية اشتعلت (قبل انتخابات تشريعية ثم بلدية) بين التيارات الأصولية (خاصة المعتدلة منها) والتيارات العلمانية.
مكر السياسة والمصالح
ورأت العديد من الأوساط في سيناريو الخلية النائمة 2002 مسعى مغربيا لتقديم نفسه ضحية للإرهاب الدولي ورغبة في قبوله فاعلا في الحرب الأمريكية على الإرهاب وعينه على تطورات نزاع الصحراء الغربية، إذ أعلن عن تفكيك الخلية النائمة بعد أن رأى تقاربا وتعاونا جزائريا أمريكيا في ميادين متعددة، وبعد أن بدأت الإدارة الأمريكية تظهر موقفا حازما تجاه تعاطي المغرب مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالنزاع الصحراوي، وإثر التوتر في علاقاته مع مبعوث الأمم المتحدة جيمس بيكر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومدير حملة بوش الابن الانتخابية، والهجمات الصحفية التي شُنت عليه بعد تقديمه تقريرا يحقق أهداف جبهة البوليزاريو المدعومة من الجزائر في انفصال الصحراء الغربية عن المغرب.
ويقبل المغرب على الإعلان الرسمي لتفاصيل مخططه لمنح الصحراء الغربية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية، وهي المبادرة التي أعلن عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، ونجاح هذه المبادرة يحتاج أساسا – بالإضافة إلى الترويج الدولي وتحديدا لدى الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن لتصبح قرارا- إلى موافقة أمريكية.
والأمريكيون الذين كانوا يعرفون حقيقة سيناريو الخلية النائمة، وجدوا فيه ما يدعم رؤيتهم التي يسوقونها حول الإرهاب الأصولي، لكن ذلك لم يغير تعاطيهم مع قضايا شمال إفريقيا وتوتراته وعلاقاتهم مع دوله، بل ان الحماس الأمريكي لإبراز المغرب كبلد مستهدف من الإرهاب الأصولي العالمي – وتكرار الرئيس الأمريكي جورج بوش ذكر الهجمات الانتحارية التي استهدفت الدار البيضاء في 16 مايو 2003- لم يمنع إدارته في يوليو 2003 من التبني الكامل لتقرير جيمس بيكر الذي قدمه لمجلس الأمن الدولي ويقترح فيه منح الصحراويين حكما ذاتيا مؤقتا يليه استفتاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.
ويطلب تطبيقه وفرضه على أطراف النزاع بغض النظر عن موقفهم منه، وهو التقرير الذي اعتبره المغرب معاديا، بل إن المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة روج لتقرير بيكر ومارس ضغوطا على أعضاء مجلس الأمن لتبنيه كقرار لمجلس الأمن. ولولا التهديد الفرنسي باستخدام الفيتو لكان القرار 1495 قد صدر بالصيغة التي اقترحها بيكر ولكانت الصحراء الغربية على أبواب الاستقلال عن المغرب.
هو مكر السياسة والمصالح ومحاولة ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد قد يؤدي أحيانا إلى هروب العصافير وسقوط الحجر فوق رأس .. راميه!
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.