بين الفلسطينيين والإسرائيليين: مطاردة إلى .. حين؟
يطارد الإسرائيليون الفلسطينيين ويواصل الطرفان المواجهة حتى في لحظة "الاستراحة" أو فترة "الهدنة"، أو في حالة "الحرب".
لا فرق هنا بين هدوء وعاصفة، ولا تمايز لوضع عن آخر على مدار الساعة، بغض النظر عما ستؤول إليه النتائج.
يظل سياق الصراع متتاليا، ولا يكل الجميع عن المساهمة في تراكم قاس من الفعل وردّات الفعل، وتتداخل مستويات الانخراط إلى درجات قريبة أو بعيدة لا فرق أيضا، لاسيما وأن المطلوب في نهاية الأمر أن لا يستوعب أحد شيئا.
قد تبدو مثل هذه المقاربة لوهلة، وكأنها خارج السياق، بيد أن تتابع مسيرة الطرفين المضطربة القلقة، تحمل أكثر من برهان يؤشر إلى هكذا وضع، ولدته سنوات من التناقضات والمناكفات غيرالمتكافئة أصلا.
وليست الحالة الأخيرة المتولّـدة من الانسحاب الأحادي الذي نفذته حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون من قطاع غزة، سوى مرآة لواقع ظهر في خلفية الصورة الحقيقية للعملية، ولم يشأ له أن يخرج للعيان المطلق.
وإذا ظل الحديث الحقيقي يؤشر إلى انسحاب فعلي عن الأرض للجيش الإسرائيلي الذي قام بإخلاء المستوطنين قبل رحيله، فإن حيثيات المسألة بدأت تدب على وجه الأرض لاحقا بقصد الوصول إلى ما هو أبعد من مجرد انسحاب.
وما لبث الطرفان وخرجا من ساحة الوغى في غزة، أو هكذا أريد له أن يبدو، حتى اكشتفا أنهما يعودان إليها سريعا في مطاردة لا زال العمل في إنشاء حلبتها الجديدة، ولكن لم يبدأ بعد.
وبالرغم من قدرة الاسرائيليين الظاهرة على تحديد مسار انطلاق كل مطاردة جديدة، فإن الفلسطينين، وعلى ضعفهم في المقابل، قادرون تلقائيا، على تغيير المسار أو على الأقل وضع عقبات أمامه.
حماس والانتخابات
وإن كانت السلطة الفلسطينية قد استطاعت أن تتحمل مختلف الضربات المتتالية بشكل مباشر أو غير مباشر، عن قصد أوغير قصد، فإنها هذه المرة ستضطر للتعامل على كل الجبهات.
أما الجبهة الأولى لهذه المطاردة، فإنها ستكون حركة حماس الإسلامية المعارضة، التي قال شارون مؤخرا إنه “سيمنع الانتخابات الفلسطينية إذا ما شاركت حماس فيها”.
ولايبدو أن مجرد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها لأي تدخل في الشأن الداخلي، يكفي لإنهاء المواجهة الجديدة عند هذا الحد، بل أن إعلان شارون رفضه لمشاركة حماس في الانتخابات، ليس سوى الخطوة الأولى في المطاردة.
ويقول الكاتب والاستاذ الجامعي علي الجرباوي إن شارون يخفي وراء الحديث عن معارضته لمشاركة حماس في الانتخابات “ماربين أساسين. الأول: يتلخص بتكريس فصل الضفة عن القطاع من أجل فرض حل الدولة الفلسطينية المركبة على العالم وعلى الفلسطينيين”.
وأضاف الجرباوي، وهو أيضا عميد كلية القانون والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، أن شارون يعارض مشاركة حماس في الانتخابات في الضفة، ولكنه لا يمانع بمشاركتها في غزة، وذك على اعتبار أن للقطاع الآن، من وجهة نظر شارون، وضعا قانونيا مختلفا، وهو لا يضغط باتجاه إخراجها من المشهد السياسي بالكامل، وإنما يريد حصر وجودها السياسي في غزة.
أما الهدف الثاني، الذي يسعى إليه شارون اسنتادا إلى الجرباوي، فإنه “ينبع من الأول ويستهدف تثبيت التمايز بين الضفة وغزة بهدف إثبات وتثبيت الضرورة الإسرائيلية للاحتفاظ بأغلبية الضفة، وعدم التنازل عن السيادة عن الكانتونات التي ستصبح لاحقا جزءا من الدولة الفلسطينية.
هكذا يكون شارون قد دفع باتجاه المسارين المشار إليهما، بل أكثر. فهو أيضا وبذلك، إنما يدفع إلى إرباك فلسطيني داخلي، إذ إنه لا يعقل أن تجرى انتخابات ولا تشترك فيها حماس، ولا يعقل أيضا أن تشارك حماس في انتخابات غزة دون الضفة، وعليه تكون الصورة المتشكلة للبعد الفلسطيني ولمستقبل الكيان الفلسطيني على كف إسرئيل أو على كف شارون، الأمر الذي سيفتح الباب مجددا على وساطات دولية جديدة لإيجاد تسوية للموضوع.
تداعيات داخلية أيضا
ومثل هذه التسويات قد بدأت بالظهور إلى العيان، إذ رأت اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الاوسط أنه يتعين على حماس وباقي الفصائل أيضا أن تطرح سلاحها جانبا، وتتخلى عنه حتى يكون بإمكانها المشاركة في الانتخابات.
لكن مثل هذا الأمر يبدو بعيدا وغير قابل للتحقق، على الأقل في الفترة القصيرة، حتى موعد الانتخابات التشريعية يوم 25 يناير المقبل، لاسيما في ظل أجواء الاحتقان الجديدة التي عادت إلى السطح في الأيام الأخيرة.
وقد باتت الهدنة أو التهدئة بين الإسرائيليين والفلسطينيين كأنها على وشك الانهيار إثر الهجمات الأخيرة في غزة بعد الغارات التي شنتها إسرائيل وتهديدات حماس بضرب العمق الإسرائيلي.
كذلك فإن القدرة الاستعراضية العسكرية التي أظهرتها حماس خلال الاحتفالات الأخيرة بمناسبة الانسحاب من غزة، إنما تؤكد أن الحركة الإسلامية المعارضة لا تنوي التنازل عن سلاحها، بل إنها تبدو وأنها تقول إنها هي القوة الأولى في غزة.
وأمام هذا الوضع المعقد من جديد، تلوح في الأفق إمكانية تأجيل الانتخابات التشريعية مرة أخرى، هذه المرة تحت طائل التهديدات الإسرائيلية، لكن التداعيات ستكون داخلية فلسطينية إلى حين.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.