بين النيراب وعين التل… مهجع وبيت!
عندما بنى الحلفاء مخيم النيراب في حلب أثناء الحرب العالمية الثانية كان هدفهم في الواقع إستخدامه كمهاجع لقواتهم.
مهاجع الحلفاء تحولت بعد ذلك إلى مخيم لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين، والمخيم يخضع اليوم إلى برنامج لإعادة تأهيله بمبادرة سويسرية.
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية أخلت قوات الحلفاء المهاجع التي بنتها بالقرب من قرية النيراب في حلب، واستلمتها الحكومة السورية بعد الاستقلال لتستخدمها كمستودع للحبوب.
تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 والحرب التي تلت ذلك أدت إلى خروج أفواج من اللاجئين الفلسطينيين إلى البلدان العربية المجاورة، سوريا كانت واحدة من هذه الدول، التي استقبلتهم، وأنزلت بعضهم في تلك المهاجع، وليتحول أسمها بعد ذلك إلى مخيم النيراب للاجئين.
“طبعا المهاجع وضعها (كان) كثير مأساوي” يوضح السيد محمد عزام ضابط ارتباط مشروع إعادة تأهيل مخيم النيراب في الحديث الذي أجرته معه سويس انفو في المخيم بحلب.
ويكمل “هي عبارة عن براكس طويل، مثل قاعة كبيرة، أو مثل المهاجع التي يناموا فيها البيوت الجماعية، بيسكن في كل براكس 16 عائلة، كل عائلة المساحة التي أخذتها لا تتجاوز 11 متر مربع (العرض 7 أمتار)، وكل عائلة كانت تفصل (بينها) وبين العائلة الأخرى ببطانيات أو ملابس قديمة”.
الإصلاح لم يعد ممكناً!
بقي اللاجئون على تلك الحال في المهاجع إلى منتصف الخمسينات، عندما مات أطفال وشيوخ بعد موجة برد شديدة عام 1950، وهنا قامت الأونروا بتقسيم المهاجع، وبدلاً من البطانيات تم بناء جدار ليفصل بين العائلات، و سقف جديد من الخشب الرقيق إضافة إلى السقف الأساسي الذي كان مبنياً من صفائح الزنك شيت، وكان يتسبب في ارتفاع شديد للحرارة في الصيف وبرد شديد في الشتاء.
منذ ذلك الحين أخذت الوكالة تقوم بإصلاحات مستمرة، غير أن الإصلاح لم يعد يجدي. يوضح السيد عزام قائلاً “وصلوا إلى مرحلة أن الإصلاح غير مفيد. عمر البراكسات أصبح قديماً، وكلها تصدأت وتصدعت”، هذا عدا أن المرافق الصحية أصبح الضغط عليها لا يطاق.
قدم البراكسات لم يكن المشكلة الوحيدة. فاللاجئون أنجبوا أطفالاً، وهؤلاء شبوا، وتزوجوا وأنجبوا هم أيضاً، والنتيجة أن المخيم الذي تقل مساحته عن ربع كيلو متر مربع (148 ألف متر مربع)، يسكن فيه اليوم 18 ألف شخص، أي 89 شخص في الألف متر. أصبحوا يعيشون فوق بعضهم بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
هنا اقترحت سويسرا كدولة مانحة إجراء دراسة لإعادة تأهيل المخيم. يقول السيد عزام “سويسرا قدمت عرض دراسة لهذا المشروع، وتكفلت بمصاريف الدراسة والمشروع (…) وكل شيء يتعلق بالموظفين والإدارة على حساب سويسرا”.
الحل لا يعني المساس بحق العودة
فكرة إعادة تأهيل المخيم يعود تاريخها إلى عام 1993، ولأنها توافقت مع مسار أوسلو للسلام، لم توافق الحكومة السورية حينها على المشروع، معتبرة أنه يمكن أن يكون حلاً بديلاً لحق العودة.
ويردف السيد عزام “لكن بعد مرور حوالي سبع سنوات، أي في سنة الألفية، أصرت الحكومة السورية على أن هذا المشروع يجب أن لا يمس بأي حق من حقوق اللاجئين في العودة، والتعويض عن الممتلكات التي خسروها عام 48، يعني أن هذا المشروع ليس مشروع بديل للوطن، وإنما مشروع تحسين سكني فقط”.
الرؤية السورية توافقت مع نظيرتها السويسرية، والتي عبرت عنها السيدة سانتي فيجي مديرة مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون الإقليمي في الأردن في حديث سابق مع سويس انفو عندما شددت على أن المشروع يهدف إلى “تحسين أوضاع الحياة للاجئين … إلى أن يتم التوصل إلى حل شامل وعادل لقضيتهم”.
ربما يفسر هذا سبب التردد الذي أبداه سكان المخيم أنفسهم تجاه المشروع. فالسيد عزام يشرح قائلاً “في البداية ووجهنا بمصاعب من قبل سكان المخيم (الذين اعتقدوا) أن هذا المشروع يمكن أن يكون بدلاً لحق العودة، … وعملية توطين للاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، وفي سوريا مثلاً”.
لكن بعد مناقشات وندوات عديدة عقدت مع وجهاء المجتمع في المخيم ومندوبين عن الهيئة العامة للاجئين والأونروا “أكدنا للناس أن هذا المشروع لا يمس حق اللاجئين بالعودة والتعويض عن الممتلكات التي خسروها في عام 1948 حسب قرار الجمعية العامة 194، طبعاً هذا الأمر كتب في كتيبات، وقُدم إلى الدول المانحة بشكل رسمي وموثق”.
الحل يبدأ في مخيم عين التل
تحسين الأوضاع المعيشية في المخيم كان يعني البحث عن حل يتعامل مع قضية بقاء مساحة المخيم على ما هي عليها في وقت تتزايد فيه أعداد سكانه بصورة متسارعة. “وجدوا أن الحل (يكون) إما بأخذ أراضي من النيراب، أو ببناء طابقي”، يوضح السيد عزام.
مخيم النيراب لا يحوز على أراضي جديدة، لكن الهيئة العامة للاجئين التابعة للحكومة السورية قالت إن لديها أرض احتياطي، تبلغ مساحتها 60 ألف متر مربع، حول مخيم عين التل، خصصتها للاجئين الفلسطينيين.
كان الحل إذن يتمثل في “نقل 300 عائلة من مخيم النيراب إلى مخيم عين التل، ونستفيد من المساحات التي ستوفرها بيوتها، أي 38% زيادة عن الأرض الموجودة لدينا”، على حد قول السيد عزام.
بهذه الطريقة، تحصل العائلات التي تحولت إلى مخيم عين التل على بيوت جديدة، في الوقت الذي يستفيد فيه مخيم النيراب من المساحة الجديدة في بناء حدائق صغيرة للأطفال، وتوسيع الأزقة بين البراكسات، إضافة إلى البناء الطابقي بحيث يمكن زيادة غرف بيوت اللاجئين.
وضع معيشي أفضل
نتائج هذا المشروع على نوعية الحياة للعائلات الفلسطينية ال 58 التي انتقلت في المرحلة الأولى من المشروع من مخيم النيراب إلى عين التل لا تحتاج إلى التأكيد.
يكفي أن ينظر المرء إلى منزل السيدة سهى في عين التل والتي تعيش مع أولادها الأربعة مع أمها وأخوتها. فهي تقول “أنا مبسوطة هنا، مرتاحة، مرتاحين أكثير مما كنا هناك. كثير أشياء تغيرت. هنا أريح، هناك ضيقة وخنقة وكلنا فوق بعض، كنا في غرفة واحدة، بنام عشرة كلنا في غرفة واحدة”.
وفقا للمشروع، يشرح لنا السيد خالد الشولي، ضابط ارتباط مخيم عين التل، تبلغ مساحة كل بيت من البيوت الجديدة 150 متر مربع، و كل عائلة من “أربعة أشخاص تأخذ بيت من غرفتين مع مطبخ ومنافع وساحة دار، أما العائلة المكونة من خمسة أشخاص فما فوق فتأخذ ثلاثة غرف، في مقابل أربعة غرف للعائلة المكونة من ثمانية أشخاص فما فوق”.
“خارج البراكسات”
المستفيدون من مشروع إعادة تأهيل مخيم النيراب هم القاطنون في منطقة البراكسات القديمة. يوضح السيد عزام قائلاً “إعادة البناء تشمل فقط المناطق التي تتضمن البراكسات، هناك مناطق تسمى خارج البراكسات، لا تخضع للتجديد”.
وبلغة الأرقام، سيستفيد من المشروع بصورة مباشرة 1500 شخص، إضافة إلى 6000 شخص ممن ستنحسن أوضاعهم الحياتية من عمليات إعادة بناء بيوتهم. أما النصف الأخر من السكان، الذين يسكنون “خارج منطقة البراكسات” على حد قول السيد عزام، فهم “يسكنون في أراضي وبيوت خاصة بهم، ووضعهم أفضل”.
هذا القول لا ينطبق على اللاجئين الساكنين في بيوت تقع مباشرة على خط حدود منطقة البراكسات. على الأقل هذا هو الانطباع الذي خرجت به سويس انفو عندما تحدثت مع سيدة تعيش في منزل من غرفتين يقع مباشرة خارج حدود منطقة البراكسات.
فالسيدة التي تحدثت إلى سويس انفو بغضب وحرقة تسكن في منطقة لن يلحقها التحسين، وتقول “نايمين، خانقين، فوق بعضنا. إذا (أنا) خارج من البراكسات يعني (أنا) ما من المخيم؟ يعني إحنا مو لاجئين كمان؟ من حقي أنا كمان، فوتي (أدخلي) وشوفي وضعي”.
يعيش مع السيدة التي توفي زوجها خمسة بنات وأربعة أبناء، وأبن بالغ وزوجته وطفلهما.. في غرفتين أثنين لا غير! والنتيجة، أن أبناءها يضطرون إلى النوم خارج البيت، في الشارع، كي يجد الجميع فسحة ضيقة للنوم.
ماذا عن هؤلاء؟ طرحنا هذا السؤال على السويسري توماس رامزلر، مدير مشروع النيراب في مقر مكتبه في وحدة إدارة المشروع في مخيم عين التل، الذي أجاب “منطقة المهاجع والبراكسات هي الأكثر حساسية وتضرراً، وهي المنطقة التي تم فيها تخطيط عملية إعادة التأهيل، هدفنا بالطبع هو إعادة تأهيل أشد المناطق تضرراً، وتحسين أوضاع المعيشة للعائلات الساكنة هناك”.
رد واقعي. يعبر عما هو “مستطاع” فعله بالنسبة للاجئين في الوقت الراهن، لكنه يظهر أيضاً الشوط الطويل الذي لا يزال يجب قطعه، كي يتم إعادة تأهيل مخيم النيراب بجملته، ليستفيد كل اللاجئين المقيمين فيه منه. وإلى أن يحدث ذلك، ستبقى الأرملة “مخنوقة” مع أسرتها، كل ينام فوق بعضه.
إلهام مانع – مخيما النيراب وعين التل – حلب- سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.