بين “بناء الثقة” ومحاولة “تفادي الحرب”!
يعقد منتدى دافوس الاقتصادي الدولي دورته الثالثة والثلاثين بحضور أمريكي مكثف ووسط إجراءات أمنية غير عادية ووعود بتنظيم مظاهرات لمناهضي العولمة.
دورة هذا العام تعقد تحت شعار “بناء الثقة”، كما تستبدل المناقشات التقليدية حول أزمة الشرق الأوسط بحوار متعدد الأطراف حول الملف العراقي.
يحتضن منتجع دافوس السياحي السويسري ما بين ال23 و ال 28 يناير الحالي الدورة الثالثة والثلاثين لمنتدى دافوس الاقتصادي الدولي، باستقبال اكثر من 2150 مشارك يمثلون الحكومات وكبريات الشركات والمنظمات الأممية وغير الحكومية والأكاديميين ورجال الدين وأكثر من 500 صحفي من مختلف أنحاء العالم.
الجديد في دورة هذا العام أن المنتدى يعود إلى الانعقاد في مقره التقليدي بدافوس بعد انعقاده السنة الماضية في نيويورك ” تضامنا مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر سبتمبر”. والجديد أيضا أن الحضور السياسي الأمريكي الذي كاد يكون منعدما قبل سنتين، سيعرف تركيزا بتوافد وزير الخارجية كولين باول ووزير العدل جون أشكروفت ووزير التجارة دونالد إيفنس، إضافة إلى مشاركة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتن.
وهذا الحضور الأمريكي المكثف في منتدى دافوس المتزامن مع تهديدات مناهضي العولمة بتنظيم تظاهرات طوال فترة الانعقاد، وتنظيم مظاهرات معادية للعولمة يوم الخامس والعشرين من الشهر، في وقت تقرع فيه طبول الحرب في منطقة الخليج وتعرف فيه أزمة الشرق الأوسط انسداد الأفق، وتشتد فيه الحملة الدولية ضد الإرهاب، دفع السلطات السويسرية إلى زيادة تشديد الإجراءات الأمنية التي عادة ما عرفت بتشددها. فقد تم استنفار حوالي 3000 جندي ورجل أمن وتم لأول مرة اتخاذ قرار بإسقاط أية طائرة تنتهك المجال الجوي بدون إذن فوق منطقة دافوس.
محاولات لإعادة بناء الثقة
يبدو أن منظمي منتدى دافوس الاقتصادي الدولي الذين كانوا في بداية الأمر يركزون على نظريات كبار أقطاب الاقتصاد وكبريات الشركات المتعددة الجنسيات في تصور تحديات الغد، قد ادركوا أن هذا المونولوج لم يعد مجديا. وما شجعهم على تغيير نظرتهم، ظهور نتائج دراسة أجريت لحساب المنتدى وأكدت أن نسبة كبيرة من الجمهور فقدت ثقتها في القادة السياسيين والاقتصاديين وبالأخص في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يحظى قادة المنظمات غير الحكومية بنسبة 56% والقادة الأممين والدينيين بحوالي 40 في المائة.
وهذا التحول في محاولة مد الجسور مع مناهضي العولمة، يمكن استكشافه من خلال استقبال المنتدى بشكل مميز لرئيس البرازيل الجديد ذي الاتجاه اليساري، لويس إينياسيو لولا دا سيلفا، الذي سيحل على دافوس بعد زيارته للمؤتمر البديل المنعقد في نفس الوقت في بورتو أليغري.
وحتى ولو كانت الدورات السابقة لمنتدى دافوس قد عرفت نشاطات مناهضة بديلة من تنظيم خليط من المنظمات الأهلية المنضوية تحت راية “إعلان برن” فيما يعرف بحركة” عيون الجمهور على دافوس” Public Eye On Davos، فإنها عادة ما كانت تتم بشكل منفصل وأمام جمهور يختلف عن جمهور المنتدى الاقتصادي.
ويبدو أن المنتدى رغب هذه السنة في عدم ترك الأصوات المنتقدة تعبر عن آرائها خارج جدران قصر المؤتمرات، من خلال تنظيم نقاش عام في ال 26 من الشهر، يشارك فيه المدير العام لشركة نوفارتيس السويسرية لصناعة الأدوية دانيال فازيلا إلى جانب ممثلي منظمات غير حكومية، لمحاولة الإجابة على تساءل ” هل يمكن للعولمة أن تتماشى والأخلاق؟”
اختبار لوزيرة الخارجية الجديدة
إذا كانت الدورات السابقة لمنتدى دافوس الاقتصادي الدولي تشكل فرصة سانحة للوزراء السويسريين للتقابل مع العديد من نظرائهم الأجانب، فإن دورة هذه السنة تشكل اختبارا لوزيرة الخارجية السويسرية الجديدة ميشلين كالمي ري التي تولت هذه الحقيبة مع بداية العام، والتي أصرت على ربط زيارتها للمنتدى بلقاء وزير الخارجية الأمريكي. وهو ما حصلت عليه بحيث ستتقابل مع نظيرها الأمريكي يوم السبت في المنتجع.
كما سيمثل الحكومة السويسرية في المنتدى كل من رئيس الكونفدرالية ووزير الداخلية باسكال كوشبان ووزير الاقتصاد الجديد جوزيف دايس ووزير المالية كاسبار فيلليجر.
العراق بدل الشرق الأوسط
اكتسب منتدى دافوس شهرة عالمية في سنوات البداية، بتركيزه على موضوع الشرق الأوسط كمحاولة لتسليط الأضواء على إحدى أزمات هذا العالم. وكان حضور الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلى جانب وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز، يضفي على الملتقى نوعا من الجدية في محاولة الاهتمام بالمشاكل السياسية وليس فقط الاعتناء بالمشاغل الاقتصادية.
لكن تأزم الوضع في الشرق الأوسط وتراجع المسار السلامي وانسداد افق أي حوار بناء بين الطرفيين في الوقت الحالي، جعل الحضور الشرق أوسطي يقتصر هذه المرة على وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق وعلى وزير المالية الفلسطيني سلام فياض.
وقد يجد منظمو منتدى دافوس في الأزمة العراقية، وفي الحضور الأمريكي المكثف فرصة للتركيز على بؤرة ساخنة أخرى في العالم العربي هذه السنة، او كما قال البعض بتحويل منتدى دافوس إلى ” محطة أخيرة قبل الحرب”. ولا شك أن اللقاء الذي ينوي المنتدى تنظيمه في الثامن والعشرين من الشهر، بين ثماني شخصيات سياسية عراقية، بعضها يعيش داخل العراق، لمناقشة ” فرص قيام نظام ديموقراطي في العراق”، يعد اكبر اختبار لمدى قدرة المنتدى في الاستمرار في الاهتمام بقضايا العالم الساخنة وليس فقط في تقييم فرص الانتعاش والكساد الاقتصادي.
محمد شريف – سويس إنفو- جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.