بين ترغيب أمريكا وترهيبها!
الشراكة اليمنية الأمريكية في مكافحة الإرهاب يغلب عليها الترهيب والترغيب. ذلك ما يجمع عليه أغلب المتابعين للشؤون اليمنية. وتكرس هذا الانطباع لدى هؤلاء المتابعين، جراء التعامل الأمريكي مع هذه الشراكة منذ انطلاقها في 27 نوفمبر الماضي خلال زيارة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الى واشنطن.
تشير الدلائل والوقائع حتى الآن، الى أن التعاطي الأمريكي ظل
يرواح بين الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، والتجلي العلني لهذه المراوحة هو الثناء غير مرة على جهود السلطات اليمنية في تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب وإتباع هذا الثناء أو تلازمه بما يتناقض معه ويعارضه.
ولعل مرد ذلك في نظر المحللين إما إلى تباين حول مفهوم
الإرهاب من جهة أو إلى تبلور معالم استراتيجية أمريكية
جديدة في المنطقة بدأت أول فصولها عبر البوابة اليمنية، من جهة أخرى.
بعد مضي ما يزيد على عشرة أشهر على أحداث 11 سبتمبر، والجدلية هي التي تحكم النظرة الأمريكية في تعاملها مع اليمن. فالمرونة التي أبدتها الحكومة اليمنية في التعامل مع المطالب الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب والجهود التي بذلتها السلطات
اليمنية في هذا الجانب، يعدها المراقبون بمثابة نجاح للسياسة اليمنية، وحالت دون تعرض اليمن للضربة العسكرية المحتملة التي راج الحديث عنها مع بداية القصف الأمريكي على أفغانستان.
لكن تلك الإجراءات التي بذلتها صنعاء لم توقف حتى الآن استمرار التفاعلات والتطورات المحيطة بهذه القضية التي تطرأ من حين لآخر طارحة معها العديد من التساؤلات والتكهنات حول مسار الشراكة اليمنية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب .
ويسجل المراقبون للشؤون اليمنية في هذا السياق أن السلطات في صنعاء استطاعت على المستوى الاقتصادي وإلى حد ما أن تتخطى الصعوبات الاقتصادية التي ترتبت عن تلك الأحداث، خاصة في قطاع السياحة الذي بدأ يعاود نشاطه عقب تراجع موجة اختطاف السياح الأجانب بشكل ملحوظ، نتيجة للإجراءات الأمنية المشددة التي تنفذها الحكومة منذ ديسيمبر الماضي، وهي الإجراءات التي تأتي ضمن جهود ملاحقة المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة والخارجين عن القانون .
الحرب ضد القاعدة
مقابل تخطي تلك المصاعب الاقتصادية، تظل تداعيات أحداث
11 سبتمبر تلقي بظلالها على الجوانب السياسية الداخلية والخارجية، حيث أدت مطاردة المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة إلى حالة من الترقب الحذر لأي ردة فعل انتقامية يقوم بها من يطلقون على أنفسهم ب “المتعاطفين مع تنظيم القاعدة” الذين ما فتئوا يطلقون تهديداتهم من حين لأخر بتوجيه ضربات موجعة لمسؤولين أمنيين كبار إذا لم يفرَج عن المحتجزين على ذمة الاشتباه بعلاقتهم بتنظيم القاعدة.
وزاد من تفاعل هذه القضية داخليا، ما أسفرت عنه تلك الملاحقات من مواجهات مع بعض القبائل، أدت إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى وما نجمت عنه تلك المطاردات من معارضة شديدة من قبل هيئات المجتمع المدني ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، حيث ما فتئت هذه المنظمات تطالب السلطات اليمنية بوضع حد لتلك الملاحقات وتقديم المحتجزين للقضاء، لاسيما بعد مضي فترات طويلة على احتجاز بعضهم دون توجيه تهم محددة لهم. ولعل الإفراج عن بعض أولئك المحتجزين أواخر الشهر الماضي يأتي في سياق الاستجابة لتزايد تلك الضغوط التي كان آخرها تقدم 12 نائبا برلمانيا بطلب استجواب وزير الداخلية لمساءلته عن مصير المحتجزين على ذمة هذه القضية.
وبالقدر الذي مازالت تتفاعل فيه انعكاسات أحداث 11 سبتمبر على المستوى الداخلي، يظل التفاعل الخارجي لهذه الإشكالية، الوجه الآخر لتوالي فصول تداعيات 11 سبتمبر، خاصة منها ما يرتبط بعلاقة اليمن بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تبقى أسيرة لجدلية الترهيب والترغيب الغالبة حتى الآن على السلوك الأمريكي
إزاء اليمن.
التناقضات الامريكية
ففي الوقت الذي تسير فيه الجهود التي تبذلها السلطات اليمنية في اتجاه تلبية المطالب الأمريكية الداعية إلى محاصرة الإرهاب وتضييق الخناق على المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة والثناء على الإجراءات اليمنية من قبل المسؤولين الأمريكيين، إلا أن الملاحظ أن تلك الجهود كثيرا ما تتلازم أو تتبعها بوادر صادرة عن الإدارة الأمريكية توحي بعكس ما هو معلن تماما. ولعل التطور الأخير لهذا الملف، التجلي العلني لهذه المفارقة.
فبعد ان عبر وزير الخارجية الأمريكية كولن باول عن شكره لليمن على تعاونه ودعمه للحملة ضد الإرهاب خلال زيارة وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي لواشنطن في 30 مايو الماضي والإعلان عن تهيئ ميناء عدن لاستقال خمسين زورقا بحريا مقدمة من أمريكا لقوات خفر السواحل اليمنية ووصول خبراء أمريكيين لتدريب القوات اليمنية على مكافحة الإرهاب، إذ بالإدارة الأمريكية تبادر إلى توجيه مصالحها الأمنية في الثاني عشر من الشهر الجاري لتشديد رقابتها الأمنية على اليمنيين المغادرين اوالقادمين، إلى الولايات المتحدة وإخضاعهم لإجراءات تفتيش دقيقة في المطارات والمواني والحدود الأمريكية.
وفي خضم هذه التطورات، ذكرت “صحيفة 26 سبتمبر” الرسمية مؤخرا، أن الإدارة الأمريكية تدرس إلغاء ذلك القرار عقب التحرك اليمني بالمطالبة بإلغائه ضد الرعايا اليمنيين. كما تزامن هذا الخبر مع توجيه السفير الأمريكي في صنعاء باعتذار حكومته لليمن حول ما ورد في تقرير الخارجية الأمريكية من ان هناك انتهاكات لحقوق الإنسان مضيفا أن القرير بُني على معلومات قديمة ومغلوطة.
ويعزو المحللون السياسيون تضارب المواقف الأمريكية
هذه حيال اليمن، إلى عاملين اثنين. الأول، أن مفهوم الإرهاب لدى الإدارة الأمريكية منذ أحداث 11 سبتمبر، هو مفهوم فضفاض لا يتطابق مع المفهوم اليمني. والثاني، ربما أن تعاطي واشنطن مع اليمن يندرج ضمن استراتيجية جديدة للولايات المتحدة تجاه المنطقة، تطبق بعض جوانبها عبر البوابة اليمنية، وان الضغوط التي تمارس على اليمن تصب في سياق تلك الاستراتيجية الجديدة التي تشكلت على خلفية أحداث 11 سبتمبر.
وعليه، فان المحصلة النهائية لهذا الوضع المروح بين الترغيب والترهيب، لا يمكن تجاوزها إلا بتحديد مرجعية دقيقة وواضحة لمفهوم الإرهاب يتوافق عليها الطرفان طبقا للقوانين والمواثيق الدولية وعلى أساس من الوضوح والشفافية، وإلا ستظل اليمن عرضة للابتزاز الأمريكي وفقا لما تذهب إليه المعارضة اليمنية التي تطالب السلطات بمقابلة الصلف الأمريكي بمعاملة بالمثل .
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.