بين صنعاء وواشنطن.. شدّ وجذب ومصالح متقاطعة
أصبحت حالة الشد والجذب السمة الغالبة على العلاقات اليمنية الأمريكية على مدى السنوات القليلة الماضية.
وتعتبر الأزمة الأخيرة التي طرأت على العلاقة القائمة بين صنعاء وواشنطن مؤشرا ثابتا على تلك الحالة التي تظهر من حين لآخر بين حكومتي البلدين.
فعقب انتقاد المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية للحكومة اليمنية على خلفية الحكم بسجن الصحفي عبدالكريم الخيواني، خرجت الحكومة اليمنية عن لغة الدبلوماسية المعتادة في تعاطيها مع هذه القضية إلى انتقاد لاذع وجهته صنعاء لواشنطن وصلت حد تفنيد مساوئ السياسة الأمريكية إزاء اليمن والعالم العربي والإسلامي ومن أنها “تتدخل في الشؤون الداخلية اليمنية” وأن أفعالها “تناقض كل تناقض أقوالها” عندما يتعلق الأمر بقضايا الديمقراطية و حقوق الإنسان.
ولم تخفّ حدة تلك الأزمة إلا بعد وصول مساعد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش لشؤون الأمن الداخلي ومكافحة الارهاب (كينيف ال وينستين) منتصف الأسبوع الماضي حاملا رسالة من بوش إلى الرئيس صالح وانتهت بالتأكيد مجددا على “الشراكة في مكافحة الإرهاب بين البلدين”.
علي سيف حسن، الرئيس التنفيذي لمنتدى التنمية السياسية وفي معرض تفسيره للتطورات الأخيرة في مسار الشد والجذب بين صنعاء وواشنطن، أرجعها في حديثه لسويس انفو إلى “ترتيبات تجريها الإدارة الأمريكية”، وقال في هذا الإطار: “من المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بإعداد ملف ختامي لإنجازاتها في مشروع حربها ضد الإرهاب، وهي تريد بذلك أن تقدم تقريراً يوضح إنجازها في المنطقة بشكل عام وفي المشرق العربي بشكل خاص… وكما هو واضح فإنها تستطيع تقديم ما أنجزته في العراق وفي السعودية، لكنها لن تستطيع تقديم تقرير بشأن إنجازاتها في مكافحة الإرهاب في اليمن خاصة بعد العمليات الإرهابية الأخيرة، ولذا فهي تمارس ضغطاً دولياً شديداً على اليمن لتحقيق أي إنجاز يمكن تضمينه في تقريرها الختامي. وقد جرت العادة في ما يتعلق بالمسائل الدولية بأن قادة العالم يسلفون بعضهم البعض في مثل هذه الظروف”.
وحول ما إذا كانت زيارة المسؤول الأمريكي قد خففت من الأزمة في علاقة البلدين قال سيف: “لا شك من أنها تمثل تحولاً في نفس الاتجاه الذي يرمي إلى تحقيق إنجاز ذلك التقرير وتضمينه معطيات إيجابية في التقرير القادم ولهذا أتوقع تحولا إيجابيا في العلاقات بين البلدين خلال الفترة القادمة خاصة إذا استطاعت اليمن تحقيق منجزات حقيقية في شراكتها بالحرب على الإرهاب وفي الإعداد لانتخابات برلمانية قادمة تحظى بوفاق سياسي وإجماع وطني”. واستطرد سيف قائلا: “ما لم تسطع اليمن تحقيقه في مجال مكافحة الإرهاب يمكنها تعويضه في مجال التحولات الديمقراطية وسيكون موقعها أقوى إذا أنجزت شيئاإيجابيا لأنها ستُفقد الطرف الإمريكي أوراق الضغط عليه”.
الجانب الأمني سبب للتوتر..
من جهته، يذهب الدكتور أحمد سيف المصعبي، المدير التنفيذي لمركز سبأ للدراسات الإستراتيجية، في قراءته للعلاقة اليمنية الأمريكية وما يطرأ عليها من شد وجذب من حين إلى آخر، إلى اعتماد رؤية تنظر للموضوع من زاوية أوسع ترتبط بحسابات أوسع من التأثر العابر وهي حسابات حتمتها جملة من التحولات وتفرضها المصالح المتبادلة.
وفي هذا السياق أوضح قراءته لسويس انفو قائلا: “العلاقات اليمنية الأمريكية علاقات متينة يتبدى ذلك في الجانبين السياسي والعسكري. إذ تبدي الادارة الأمريكية رضاها عن التعاون في المجال العسكري وتعترف بتقدم اليمن في الحريات السياسية على كثير من دول العالم العربي. وأخرها تصريح الرئيس الأمريكي جورج بوش، وربما يكون الجانب الأمني هو السبب الرئيسي للتوتر الدائم في العلاقات، لأن الأميركيين يطالبون بتسليم مواطنيين يمنيين تتهمهم أميركا بالضلوع في أعمال إرهابية، لكن الطرف الأمريكي لا يريد أن يفهم أن في اليمن توازنات حساسة سياسية واجتماعية لاسيما منها القبلية وما يطلبه الجانب الأمريكي قد يخل ببعض هذه التوازنات التي قد تقوي جهات معادية للنظام، علاوة على ذلك لا يمكن تجاوز الدستور الذي يحظر تسليم أيّ من مواطني الدولة اليمنية لأي طرف خارجي بمجرد إدانته، والمسؤولون في اليمن كثيرا ما أكدوا أنه إذا توفرت لدى أمريكا أي أدلة قاطعة تدين أي مواطن يمني بارتكاب أي فعل جنائي فإن اليمن ستقوم بمعاقبة هذا المواطن في اليمن وفقا للقانون اليمني. باالمقابل الحكومة اليمنية تطالب بالإفراج عن المؤيد والزايدي المعتقلين في أمريكا، وكذلك عودة معتقلي غوانتانامو اليمنيين لقضاء بقية عقوباتهم في اليمن. لكن هذه القضايا تستخدمها أمريكا وفقا لسير علاقاتها بمنطقة الشرق الأوسط، فنراها ترفع من وتيرة التذمر من عدم تجاوب اليمن في التعاون معها في قضايا الإرهاب وذلك، متى ما أرادت الضغط للحصول على تنازلات لا علاقة لها بتلك المطالب”.
ويرى مدير مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية أنه لابد من فهم أن مشكلة الإرهاب لا يمكن حلها إلا بمساعدة أمريكا من خلال تعديل سياساتها في الشرق الأوسط التي تزيد من السخط الشعبي العربي والتي تسهم بأشكال مختلفة في التعاطف مع من يمارس أعمال العنف ضد مصالحها مشيرا في هذا السياق إلى أن غزو العراق وفشل أمريكا فيه جعل إيران لاعبا إقليميا يتمتع بتفوق نسبي على الدول المحيطة وفتح شهية إيران لمد نفوذها والتدخل في عدد من الدول العربية. كما ولّد لدى عدد من الدول العربية شكوكا بأن أمريكا في ضوء حاجتها لمساعدة إيران للخروج من مآزق أفغانستان والعراق ولبنان قد تتفق معها على بعض التسويات على حساب المصالح العربية، ومن تجليات تلك المخاوف مؤخرا توتر العلاقات الأمريكية السعودية وكذلك اليمنية الأمريكية، مما دفع نحو مزيد من التقارب السعودي اليمني، خصوصا فيما يتعلق بالحرب في صعدة.
“لا يمكن إلا أن تكون جيدة”
استنادا إلى كل ذلك وإلى أسباب إستراتيجية معلومة، يذهب الدكتور أحمد سيف المصعبي إلى الجزم بأن العلاقات الأمريكية اليمنية لايمكن إلا أن تكون جيدة. لأن هناك تحديات أمنية جديدة تطرحا إشكالية الدول الفاشلة والمارقة والإرهابيين. حيث ترى أمريكا أن طبيعة الأعداء الجدد ودوافعهم، وتصميمهم على امتلاك قوى تدميرية كبيرة، واحتمال إستخدامهم أسلحة الدمار الشامل يجعل البيئة الأمنية اليوم أكثر تعقيداً وخطورة. ويزيد هذا الخطر تفاقماً الدول الفاشلة خصوصا في المناطق الحيوية للمصالح الأمريكية التي تمثل تهديداً حقيقيا لمصالحها، لأنها في حالة فشلها ستصبح حاضنة، أرادت أم لم ترد، لقوى التطرف والإرهاب، وهو الأمر الذي لن تسمح به الولايات المتحدة، خصوصا وأن منطقة الخليج تعتبر أحد أهم تلك المناطق الحيوية وعلى رأسها السعودية.
وحسب المنظور الأمريكي تتشاطر الدول الفاشلة عدداً من الصفات، رغم الاختلاف القائم فيما بينها وعادة ما تقوم هذه الدول بما يلي:
1. تمارس العنف على أفراد شعوبها وتبذر مواردهم القومية لمصلحة الكسب الشخصي لحكامها.
2. لا تظهر أي اعتبار للقانون الدولي إلا في الحدود الدنيا،
3. وتهدد جيرانها بممارسة الهيمنة بوسائل مختلفة،
4. وتنتهك بصلافة المعاهدات الدولية التي وقعت عليها
5. وتميل دوماً إلى التوسع على حساب جيرانها.
6. تصمم على حيازة أسلحة الدمار الشامل.
7. أو التعاون سوية مع غيرها من أجل تكنولوجيات عسكرية متطورة لاستخدامها للتهديد أو للعدوان بغرض تحقيق المخططات العدائية لهذه الأنظمة.
8. ترعى الإرهاب حول العالم.
9. ترفض القيم الإنسانية الأساسية وتبغض الولايات المتحدة وكل ما تمثله.
ولمواجهة ذلك سوف تنفذ الولايات المتحدة استراتيجياتها من خلال إنشاء تحالفات – تكون واسعة بالقدر الممكن – تتألف من دول قادرة وراغبة في تعزيز توازن للقوى مناصر للحرية. ويتطلب هذا الصنف من التحالف الفعال “تحديد أولويات واضحة، وتقديرا لمصالح الآخرين، ومشاورات منتظمة بين الشركاء بروح يسودها التواضع”. وبما أنه لا يمكن للولايات المتحدة تحقيق الكثير من المنجزات التي تدوم في العالم دون التعاون المستديم مع حلفائها وأصدقائها القادرين والراغبين، يأتي هنا تحديداَ دور اليمن الأقليمي المستقبلي.
الملف الأمني هو العقدة
لأجل بلورة خارطة جديدة لزيادة نفوذ أمريكا الاقتصادي والعسكري والسياسي في العالم، يرى مخططو علم الاستراتيجيا الأمريكيين أن هذه الاستراتيجية الجديدة ينبغي ان ترتكز على النقاط التالية:
– اقامة نظام ليبرالي موال في العراق وتغيير موازين القوى في منطقة الشرق الاوسط من أجل دحر الجماعات الراديكالية المتطرفة في المنطقة. وهي جماعات مضادة للسياسة الامريكية الهادفة إلى اقامة سلام نهائي بين العرب والاسرائيليين، وهذا هو الشرط الاساسي لإنجاح سياسة التنمية في المنطقة ودمج الشرق الاوسط وشمال افريقيا في نظام العولمة الجديد. فما دامت الشعوب جائعة أو فقيرة أو محرومة من ثمار العولمة، وبرامج التنمية متعثرة بسبب الحروب المتقطعة، فإن القوى المتطرفة فيها سوف تظل كبيرة وقوية. وسوف تظل قادرة على عرقلة الخطة الاستراتيجية الامريكية.
– ينبغي على الخارطة الاستراتيجية الجديدة ان تفكر بقلب نظام الملالي في ايران وذلك خلال عامين أو ثلاثة على اكثر تقدير. فهذا النظام الاصولي المتطرف، رغم قوته الظاهرة، أصبح مكروها من قبل شرائح واسعة من الشعب الايراني. ولم يعد يثير الحماسة والتعاطف الشعبي الواسع كما كان يحصل في زمن الخميني وبدايات الثورة الاسلامية عام 1979، والخيار المفضل هو التغيير من الداخل. فالنظام قد يبدو قوياً متماسكاً تجاه الخارج بفعل التطورات الإقليمية في العراق والهلال الخصيب، لكنه ضعيف منقسم من الداخل، ولحمته الأساسية المبقية على تماسكه الداخلي هو إستمرار التهديد الخارجي.
– ينبغي تغيير خارطة الشرق الاوسط على مدار العقد المقبل فهذه المنطقة هي سبب كل مشاكل العالم منذ فترة طويلة وحتى الآن، وبما انها تحتوي على اكبر احتياطي نفطي وغازي في العالم، وبخاصة ان نفط الشرق الاوسط من اجود انواع النفط وأكثرها سهولة في الاستخراج، وبالتالي فلا يمكن الاستغناء عنه.
– ينبغي إعادة التفكير جدياً في الحدود السياسية الحاوية للبترول والغاز بشكل يضمن إستقرار وإستمرار المصالح العالمية، مما قد يتطلب توسيع بعض الحدود وتقليص أخرى، وربما إندثار كيانات ونشوء كيانات أخرى.
وبالتالي فالتغيير ينبغي ان يكون “شاملاً” بنظر خبراء الإستراتيجيا الأمريكيين ذلك أن المسألة ليست فقط اقتصادية أو سياسية وإنما ثقافية. وبهذا الصدد ينبغي على أمريكا والغرب كله أن يساهم في دعم السياسات التحديثية والتنويرية في العالم العربي والاسلامي. وفي هذا الإطار “لابد لأمريكا أن تحافظ على علاقات ممتازة مع اليمن”، إلا أن تحقيق ذلك يتطلب التعاطي مع الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية باعتبارها منظومة متكاملة.
الخلاصة التي يخرج بها المتابع لوجهات النظر حيال حالة الشد والجذب التي تغلب على العلاقات بين صنعاء واشنطن هو أنها ليست إلا تعبيرا عن حساسية وتعقد الملف الأمني الذي ترتكز عليه علاقة البلدين وتنسحب آثاره على بقية القضايا الأخرى منذ أن ظهرت عقدة أحداث 11 سبتمبر 2001 وانطلقت الحرب الأمريكية على الإرهاب.
عبدالكريم سلام – صنعاء
– 1946: واشنطن تعترف بالمملكة المتوكلية اليمنية كدولة مستقلة.
– سبتمبر 1959: أول بعثة دبلوماسية أمريكية تباشر عملها في مدينة تعز اليمنية.
– ديسمبر 1962: إدارة الرئيس كيندي تعترف بالجمهورية العربية اليمنية.
– أبريل 1987: أجرى نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب زيارة عمل إلى الجمهورية العربية اليمنية.
الفترة 1967 -1970 عرفت العلاقة بين واشنطن والجمهورية العربية اليمنية انقطاعا وعادت مع اندلاع الحرب بين شطري البلاد عام 1978.
يناير 1990: قبل إعلان الوحدة (في مايو من نفس العام) قام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بأول زيارة للولايات المتحدة الأمريكية.
1990: العلاقة بين البلدين تدخل مرحلة حرجة بسبب تصويت اليمن (الذي كان يشغل مقعد عضو غير دائم في مجلس الأمن) ضد قرار استخدام القوة ضد العراق وواشنطن تخفض مساعداتها لليمن.
أكتوبر 2000: تفجير المدمرة الإمريكية USS COLE في ميناء عدن جنوب البلاد.
نوفمبر 2001: زيارة الرئيس صالح لواشنطن بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر.
ديسمبر 2001: واشنطن تشيد بتعاون اليمن في مكافحة الإرهاب.
نوفمبر 2002: طائرة أمريكية تنفذ عملية داخل التراب اليمني ضد مشتبهين بالانتماء لتنظيم القاعدة أسفرت عن مقتل ستة أفراد بينهم قائد القاعدة في اليمن ابو على الحارثي أحد المشتبهين بتفجير المدمرة الإمريكية USS COLE.
مارس 2002: الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يقول للرئيس صالح في لقاء صحفي خلال زيارة أداها إلى واشنطن: “لا يمكن إلا أن يكون مع أو ضد الولايات المتحدة، وإذا كنت معنا فنريد نتائج..”
سبتمبر 2005: السفير الأمريكي توماس كراجسكي يقول: “إن مسلسل الديمقراطية في اليمن قد توقف”، ونائبه نبيل خوري يقول إن ما وصلت إليه التجربة “ليس آخر المطاف”.
نوفمبر 2005: الرئيس صالح يزور واشنطن والملف الأمني يهيمن على المباحثات.
فبراير 2006: هروب 23 سجينا أعضاء تنظيم القاعدة بينهم جابر البناء وجمال بدوي الأول مطلوب من أمريكا والثاني ضالع بتفجير مدمرة USS COLE.
يونيو 2008: الخارجية الأمريكية تنتتقد الحكم الصادر ضد الصحفي عبدالكريم الخيواني والذي قضى بحبسه ست سنوات وصنعاء ترد بقوة على الموقف الأمريكي وتعتبره تدخلا في الشؤون الداخلية لليمن.
18 مارس 2008: سقوط ثلاث قذائف على مدرسة تقع جوار سفارة الولايات المتحدة أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها وأكد أنها كانت تستهدف السفارة الأمريكية.
10 ابريل 2008: قذائف تسقط على مبان في العاصمة صنعاء يقطنها خبراء نفطيون وعسكريون أمريكيون ولم تسفر عن أي إصابات بشرية.
1 مايو 2008: انفجار داخل ساحة مبنى الجمارك المجاور للسفارة الإيطالية في صنعاء كان يستهدف هذه الأخيرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.