مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بين ضغوط الخارج وهواجس الداخل

يحظى سيف الإسلام، النجل الأكبر للعقيد الليبي معمر القذافي ورئيس "مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية" بسمعة جيدة لدى الغربيين عموما والأمريكيين خاصة Keystone

كان لافتا أن يدعو وليام بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في أعقاب زيارته الأخيرة إلى طرابلس إلى "ضرورة اتخاذ إجرءات سياسية انفتاحية" من طرف السلطات.

ويلحظ مراقبون وجود فئات في القيادة الليبية تدرك ضرورة إجراء التغييرات المطلوبة من دون زعزعة تشكيلة الحكم بتوازناتها التي لم تتغير منذ 36 عاما.

طغى على التطبيع الأمريكي – الليبي في مرحلته الأولى التركيز على المسائل الإستراتيجية، خاصة تلك المتعلقة بوقف الدعم الذي كانت طرابلس تقدمه لحركات تحرير في الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى في آسيا في إطار الحرب التي أعلنتها على ما يسمى بالإرهاب، بالإضافة لإدخال تعديلات جوهرية على الموقف الليبي من الصراع العربي- الإسرائيلي.

ولوحظ أن مسألة الإصلاح السياسي لم تطرح في المحادثات التي جرت في لندن بين مسؤولين ليبيين من جهة وموفدين أمريكيين وبريطانيين في الفترة التي سبقت تطبيع العلاقات، أو هي على الأقل لم ترشح من التصريحات التي أدلى بها الجانبان لتبرير دوافع التطبيع.

ولذلك كان لافتا أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز تطرق في التصريحات التي أدلى بها في أعقاب زيارته الأخيرة لليبيا في وقت سابق من شهر فبراير الماضي واجتماعه مع العقيد معمر القذافي إلى “ضرورة اتخاذ إجرءات سياسية انفتاحية”.

وبرهن هذا الخطاب الجديد نسبيا على نوايا أمريكية بشأن إدماج ليبيا في مسار الإصلاحات السياسية الذي باتت واشنطن تطرحه باستمرار على العواصم المغاربية الأخرى بعدما كانت “تعفي” منه نظام العقيد القذافي.

ولوحظ خلال “منتدى المستقبل”، الذي رعاه وزير الخارجية السابق كولن باول في شهر ديسمبر الماضي في الرباط، أن وزير الخارجية الليبي عبد الرحمان شلغم رفض الرؤية الأمريكية للإصلاحات السياسية معتبرا أن النظام “الجماهيري” في بلده “متفوق على الديمقراطيات الغربية”.

لكن يبدو أن هذا الخطاب لم يعد ملائما للمرحلة، وأن فئات في القيادة الليبية تدرك ضرورة التغيير من دون زعزعة تشكيلة الحكم بتوازناتها الأسرية والمناطقية التي لم تتغير منذ 36 عاما. وفي مقدم المعبرين عن ذلك التوجه الجديد سيف الإسلام، النجل الأكبر للعقيد القذافي الذي يحظى بسمعة جيدة لدى الغربيين عموما والأمريكيين خاصة.

الحرس القديم

غير أن عناصر الحرس القديم مازالوا يمسكون بزمام القرار، وهم يتوجّـسون خفية من أي تطور نحو إرساء حد أدنى من الحريات، لاعتقادهم أن المسار سيرتد عليهم لمحاسبتهم على الماضي.

ويقول عارفون بالشأن الليبي، إن مثال العراق حاضر دائما في حُـجج معارضي الإنفتاح في ليبيا لأنهم يخشون من فتح ملفات محرجة.

لكن الجناح الآخر يُـدرك صعوبة الصمود وقتا أطول في وجه رياح الإصلاح التي تهب على المنطقة، والتي عززتها الولايات المتحدة بآليات لتمويل نشاطات المجتمع المدني الذي مازال هزيلا، ومن أبرزها “مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” المعروفة اختصارا بـ”ميبي”.

وبدا من اختيار تونس مقرا إقليميا للمبادرة في منطقة شمال إفريقيا، أن ليبيا ستكون من ضمن دائرة اهتمام المكتب، إلا أن أحد المسؤولين عنه أكد لسويس أنفو أن ليبيا “لا تدخل في مجال إهتمامه الجغرافي الذي يقتصر على تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ولبنان”.

وأوضح المسؤول، الذي رفض الكشف عن هويته، أن أي هيئة أمريكية لا يمكنها تقديم مساعدات أو تمويل برامج في ليبيا في الوقت الحاضر، لأنها مازالت خاضعة للعقوبات طبقا للقانون الأمريكي.

ولما سُـئل عن مدى التخطيط للتعاطي مع هيئات المجتمع المدني الليبي في حالة رفع تلك العقوبات، أكّـد أن الأمريكيين مازالوا يجهلون أمورا كثيرة عن الخارطة الإجتماعية والسياسية الحقيقية في ليبيا، بحكم القطيعة التي استمرت أكثر من 20 عاما بين البلدين.

وعلى رغم وجود مؤشرات تدل على ملامح استفاقة في المجتمع الأهلي الليبي، وأبرزها في أوساط المحامين الذين اعتادوا على الإحتكاك بالساحات العربية الأخرى، وخصوصا تونس ومصر ومتابعة ما يجري فيها من مخاضات، فإن الظاهرة مازالت في طور جنيني.

ويشير متابعون للملف الليبي في هذا السياق إلى عودة محمد العلاقي، المعروف باستقلاليته عن السلطات إلى موقع نقيب المحامين، بعدما نجحت العناصر القريبة من الحكم من إبعاده من المنصب في وقت سابق.

السحر والساحـر

ربما شكل الفراغ الحالي فرصة لنجل القذافي سيف الإسلام ليبرز بوصفه صوتا ناقدا للحكم من الخارج في مناسبات عدة ويطلق تصريحات تخص ملفات حساسة، في مقدمتها حقوق الإنسان والتعذيب وأوضاع السجناء، وهي ملفات لم يجرأ أحد على الخوض فيها في الماضي.

وجاء فتح ملف التعذيب ليمس عناصر مهمة في أجهزة الأمن، إذ أعلن سيف الإسلام أنه لا يفهم كيف يتجول جلادون في البلاد وهم طلقاء، في دعوة صريحة لمحاسبتهم ومحاكمتهم وهو يعلم أنهم من أخلص الأوفياء لوالده، إضافة إلى تداخل العلاقات العشائرية بين كثير من كبار المسؤولين في أجهزة الحكم.

ورأى محللون غربيون في تلك الخطوة رسالة تشير إلى أن الوقت قد حان لإجراء تغييرات والتخلص من رموز الحرس القديم، حتى وإن أدى ذلك إلى بعض الهزات التي يمكن تطويقها.

وفيما اعتبر البعض أن خلخلة أصحاب المصالح والإمتيازات الباقين في مواقعهم منذ مجيء القذافي إلى الحكم عام 1969، أمر صعب، رأى آخرون أن الحل والعقد بيد القذافي الأب الذي يستطيع إجراء بريسترويكا واسعة لولا خشيته من انقلاب السحر على الساحر.

وعلى هذا الأساس، أكد عارفون بالشأن الليبي أن القذافي مازال مسيطرا على الوضع، وأنه يختار الوقت المناسب للتخلص من الحرس القديم حتى يبدو مرتاحا في الثوب الذي تُـفصّـله الإدارة الأمريكية لأصدقائها في المنطقة، واستدلوا على ذلك بكونه سمح بانضمام كثير من أنصار نجله سيف الإسلام إلى حكومة شكري غانم، التكنوقراطي الليبرالي لدى تشكيل الوزارة.

عودة المنفـيين

كما لوحظ أيضا أن معمر القذافي وجه مؤخرا دعوة علنية للمنفيين واللاجئين في الخارج للعودة إلى بلدهم، مانحا إياهم الأمان على أنفسهم وأسَـرهم بعدما كان ينعتهم بـ”الكلاب الضالة” ويشجع علنا على تصفيتهم.

ومعلوم أن الولايات المتحدة أقامت في أواخر الثمانينات معسكرا لتدريب معارضين للحكم الليبي تمهيدا لمساعدتهم على “غزو” البلد و”تحريره” من النظام القائم أسوة بالسيناريو الذي نفذ في بعض البلدان.

ويعتبر مراقبون أن تغيير القذافي موقفه من المعارضة الخارجية، التي كان شكل فرقا لتصفية رموزها، خصوصا في روما ولندن حيث اغتيل أحد المعارضين البارزين عام 1980، أتى استجابة للضغوط الأمريكية، وهم يستدلون على ذلك بأن التغيير لم يترافق مع الإعلان عن الإنتقال إلى التعددية مثلا، كي يحصل هؤلاء على ضمانات قانونية بحق الإستمرار في العمل السلمي من داخل البلد.

وأيا كانت حدود المؤشرات التي تدل على ظهور متغيرات في سجل الإصلاح السياسي، يبدو أن حكم القذافي يمر في فترة دقيقة تستوجب قدرة بهلوانية فائقة على إقناع الأصدقاء الجدد بأنه تغيّـر من دون أن يتغيّـر، وهذا يستدعي شطارة إن لم يحذقها هو فأمله أن يحذقها نجله الأكبر لضمان الإستمرارية بكل أبعادها.

رشيد خشانة – تونس

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية