“إنفتاح وإندماج وحقوق كاملة”.. ردّ من جنيف على المنادين بحظر المآذن
دعا اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف الشعب السويسري إلى رفض المبادرة المنادية بحظر بناء المزيد من المآذن التي "تمس بحقوق الجالية المسلمة"، وشدد على رغبة المسلمين في الإندماج في المجتمع السويسري واحترام قوانينه. ويترافق هذا التحرك بتنظيم يوم للأبواب المفتوحة في 7 نوفمبر 2009 لتمكين السويسريين وغير المسلمين عموما من التعرف على نشاطات المراكز الإسلامية وواقع الجالية المسلمة المقيمة في كانتون جنيف.
في أول تحرك مشترك ، نظم اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف الذي أسس في عام 2006، وبحضور ممثلين عن عدد من المنظمات الإسلامية، ندوة صحفية يوم الأربعاء 28 أكتوبر 2009، أوضح فيها موقف الإتحاد من المبادرة الداعية إلى حظر بناء المزيد من المآذن التي ستعرض على الشعب السويسري في 29 نوفمبر القادم بطلب من مجموعة من السياسيين المؤيدين للتيارات اليمينية المتشددة، والتي تحاربها الحكومة السويسرية ومختلف الأحزاب السياسية باستثناء حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) والإتحاد الديمقراطي الفدرالي (يمين مسيحي).
هذا التحرك جمع الى جانب رئيس اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف الدكتور با سلامة ونائبته السيدة لوسيا دحلب، كلا من السيد هاني رمضان مدير المركز الإسلامي في جنيف، والسيد عادل الماجري من فرع جنيف لرابطة مسلمي سويسرا، والسيد سجدي ميميشي من الرابطة الإسلامية الألبانية “ديتوريا” وممثلا عن الجالية البوسنية. ولكن غاب عنه ممثل وإمام مسجد المؤسسة الثقافية الإسلامية السيد يوسف إبرام، رغم الإعلان عن مشاركته في الندوة الصحفية.
دعوة الناخبين إلى رفض المبادرة
إقدام اتحاد المنظمات الإسلامية على هذه الخطوة اليوم راجع الى “تعاظم الحملات التي تستهدف المسلمين في هذا البلد منذ حوالي عقد من الزمن، وزيادة حدتها الواحدة بعد الأخرى لإستهداف أحد دعائم اندماجهم في هذا المجتمع”، كما جاء في بيان أصدره الإتحاد بهذه المناسبة.
ويرى اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف أن “تعاظم الأفكار المسبقة (عن الإسلام والمسلمين)،أدى الى تنامي الإحساس بالقلق لدى المسلمين والمسلمات من هذا المحيط الذي بدأ ينزلق نحو رفض الآخر والنفور منه”.
ومن هؤلاء السيدة لوسيا دحلب، أصيلة مدينة جنيف والتي اعتنقت الإسلام وتولت منصب نائبة رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف، التي ترى “إننا كمواطنين سويسريين نشعر بأن هذه المبادرة تستهدفنا وتهاجمنا وتفرض تمييزا ضدنا”، وأضافت تقول: “إننا بتدخلنا اليوم كمسلمين وفي وضح النهار وبخطاب واضح، نريد وضع حد لمن يتحدثون باسمنا، وتبديد الأفكار المتداولة عنا من أننا ننتهج الطرق الملتوية ونتمسك بالمواقف المزدوجة أو الغامضة ويسرنا معرفة أن الغالبية (من السكان) تقف الى جانبنا في إدانة ورفض هذه المبادرة”.
أما الدكتور باسلامة، الإمام الأسبق لمسجد جنيف ورئيس اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف، فيرى أن هذا الموقف الموحد للمنظمات الإسلامية يرمي إلى “توضيح أن مبادرة حظر بناء المناير (جمع منارة أو مآذن) مخالف لدستور البلاد ومخالف للنمط العقلاني والديمقراطي الموجود في هذه البلاد”.
وأضاف الشيخ يحيى با سلامة “في الوقت الذي يضمن فيه دستور البلاد حرية الدين والمعتقد لكافة الطوائف الدينية ويضمن ممارسة كل الطوائف الدينية الأخرى من يهودية وبوذية ومسيحية لدياناتها بدون تحديد.. لماذا هذا الإستهداف للمسلمين وحدهم، وهذا شيء غير مقبول حتى من قبل حكومة البلاد لأن كل الوزراء وكثير من زعماء الأحزاب يعارضون هذه المبادرة”.
حملة مضادة بمواقف لا غموض فيها
ما مس شعور الجالية المسلمة في الحملة التي رافقت مبادرة حظر بناء المآذن، هو ما تردد من قبل أصحاب المبادرة من أفكار تحتوي على العديد من المغالطات. إذ ترى السيدة لوسيا دحلب أن “ما يقلق في المبادرة هو أن نوايا أصحابها كانت غير صادقة” وتشير إلى أن أصحاب المبادرة أوردوا تصريحات لشخصيات مسلمة خارجية وأرادوا بها تبرير مبادرتهم، أو إلى أنهم كثيرا ما استندوا الى حظر مفروض على بناء الكنائس في بعض البلدان الإسلامية وأرادوا به تبرير ما يرغبون في تحقيقه من حظر لبناء المآذن في سويسرا وهو ما عقبت عليه وزيرة العدل والشرطة السويسرية السيدة فيدمر شلومبف بقولها: “إذا كان الآخرون يتصرفون بطريقة خاطئة هل علينا أن نرتكب نفس الخطأ؟”.
وحتى احتماء أصحاب المبادرة بطرح موضوع المرأة المسلمة تعقب عليه السيدة لوسيا دحلب بالقول: “إن المرأة المسلمة لم تنتظر حزب الشعب السويسري اليميني المتطرف لكي يدافع عن حقوقها والمطالبة بالتحرر خصوصا وأن هذا الحزب كان دوما ضد كل ما من شأنه أن يحسن وضع المرأة”، لكي تتساءل في نهاية المطاف “كيف يُمكن لهذا الحزب الذي لا يدافع عن المرأة السويسرية أن يُصر على الدفاع عن المرأة المسلمة؟”.
لذلك تعتقد السيدة لوسيا دحلب أن “ترديد هذه المغالطات أمر جارح لعواطف المسلمين لأن ذلك يجعل منا جميعا ضحايا دعاية مغالطة ويشوه حقيقة الجالية المسلمة في هذا البلد”.
وعما إذا كان المسلمون مقصرين في توضيح حقيقتهم بالإنفتاح على الآخر وسحب البساط بذلك من تحت أقدام من يستغلون الجهل وعدم معرفة الآخر للإصطياد في المياه العكرة، تجيب السيدة دحلب بأن “ذلك صحيح وبدون شك، وهذا ما سنقوم به في اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف من أجل طرح كل المشاكل التي تبدو وكأنها تخلق مشاكل وأن نتخذ مواقف واضحة منها وهذا ما علينا القيام به كأولوية ولو أنه لدينا مواقف متفرقة معبر عنها من قبل”.
ومن الأمثلة التي أوردتها السيدة دحلب ما يتعلق بالتساؤل: “هل على المسلمين احترام القانون السويسري، الجواب نعم وبدون نقاش، وهل المسلمون يناصرون المساواة بين الرجل والمرأة، الجواب أيضا نعم وبدون نقاش، وبصورة عامة طرح جميع النقاط التي تخلق مشكلة والرد عليها بموقف خال من الغموض”.
شعار تسامح.. وأبواب مفتوحة
ولاشك في أن أول رد عملي ترد به المنظمات الإسلامية في جنيف على مبادرة حظر المآذن والحملة المرافقة لها واللافتات المنشورة بالمناسبة، هي في إصدار لافتة إشهارية مضادة رسمت عليها خارطة سويسرا التي يتوسطها العلم السويسري وقد حملت شعار “من أجل سويسرا أخوية” وهي اللافتة التي تدعو الناخبين السويسريين إلى رفض مبادرة حظر بناء المآذن. وقد حصلت هذه اللافتة على دعم هيئة الحوار بين الطوائف الدينية في جنيف، وجمعية النداء الروحي في جنيف الى جانب اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف.
كما يرى المسؤولون في اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف بأن أحسن رد على مغالطات الساهرين على مبادرة حظر بناء المآذن يتمثل في “فتح أبواب المراكز الإسلامية أمام الجمهور” للتعرف على واقع هذه المراكز والنشاطات التي تقوم بها.
وهذا ما سيتم في السابع من نوفمبر على مستوى تسعة مراكز إسلامية وهي المؤسسة الثقافية الإسلامية، ورابطة مسلمي سويسرا في جنيف، والمركز الإسلامي في جنيف، والنادي الرياضي سلسبيل، ومؤسسة الجالية المسلمة في جنيف، والمؤسسة الإسلامية الثقافية أهل البيت، والمركز الإسلامي الألباني “ديتوريا”، والجمعية الثقافية البوسنية في جنيف، ومؤسسة التعارف في جنيف.
عن يوم الأبواب المفتوحة يقول رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في جنيف الشيخ باسلامة: “ليست هذه هي المرة الأولى وليس فقط في جنيف والغرض هو لتعريف الناس بأننا لسنا كما تقول هذه الفئة القليلة الواقفة وراء مبادرة حظر بناء المآذن والتي تريد أن يكرهوا الناس بنا”.
أما السيدة لوسيا دحلب فترى أن “يوم الأبواب المفتوحة يدخل في إطار آخر وهو أننا نرغب في تقديم رسالة انفتاح لنقول للجمهور في جنيف إن الجالية المسلمة تدعوكم لزيارة مراكزها والتعرف على النشاطات المقامة هناك. إذ أن هناك العديد من المراكز الإسلامية التي لا يعرفها حتى من يقيمون حواليها. وفي ذلك فرصة لزيارة هذه المراكز والتعرف على الساهرين عليها والوقوف على النشاطات الهائلة التي يقدمونها من أجل إدماج المسلمين في المجتمع السويسري وتطوير انتماء وطني لهؤلاء السويسريين. كما أن على الجمهور أن يطرح الأسئلة التي تدور في خاطره والتعبير عما يزعجه ومن هذا المنطلق نفتح حوارا بهذا الخصوص في هدوء وبطريقة بناءة رغم اختلافاتنا”.
ويستخلص رئيس اتحاد المنظمات المسلمة في جنيف السيد يحيى باسلامة من كل هذه الأزمة التي أثارتها المبادرة الشعبية الداعية إلى حظر بناء مزيد من المآذن، أن الجالية المسلمة في سويسرا “تشعر بفخر بأن هناك مساندة من رجال الحكم في هذه البلاد ومن زعماء الأحزاب ورؤساء الكنائس والمعابد”، وأضاف يقول: “وأعتقد أن هذه فئة قليلة أرادات ان تستغل المظاهر المثيرة والأمور العالمية مثل الإرهاب..، وقد عرفنا بأن أكثرية الناس في هذه البلاد متوافقون معنا ونحن متوافقون معهم”.
إجمالا يمكن القول بأن أهم درس تستخلصه المنظمات الإسلامية في جنيف (ومن ورائها المنظمات والجمعيات المسلمة في كامل سويسرا أيضا) هو ما جاء على لسان السيدة لوسيا دحلب التي أكدت أن “ذلك سمح لنا كمنظمات إسلامية بتوحيد صفوفنا والحديث بلغة واحدة”.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
تطرقت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمهتمة بمراجعة مدى تطبيق الدول لبنود العهد الدولي حول الحقوق السياسية والمدنية إلى موضوع المبادرة الداعية إلى حظر بناء المآذن أثناء مراجعتها لتقرير سويسرا الدوري.
وفي توصياتها الختامية الصادرة يوم الجمعة 30 أكتوبر 2009 قالت اللجنة إنها “تشعر بالقلق بخصوص الإستفتاء حول المبادرة الهادفة لحظر بناء المآذن، وبخصوص الحملة الإشهارية التمييزية التي ترافقها”.
كما أشارت اللجنة في توصياتها إلى “أنها تأخذ بعين الاعتبار أن الدولة الموقعة على العهد (أي سويسرا) لا تدعم هذه المبادرة التي – إن كتب لها أن تفوز – ستعمل على وضع البلد الموقع في وضعية عدم تنفيذ لالتزاماته المنصوص عليها في العهد الدولي، وخاصة المواد 2، 18،20”.
وورد في توصيات اللجنة ايضا أنه “على الدولة الموقعة أن تحرص على ضمان احترام حرية الدين والمعتقد ومحاربة بقوة مظاهر التحريض على التمييز والمعاداة والعنف”.
وفي معرض الرد على أسئلة الإعلاميين في الندوة الصحفية التي عقدتها لجنة حقوق الإنسان، أجاب أحد الخبراء بخصوص عدم اتخاذ اللجنة موقفا إلى حد الآن من هذه المبادرة بأن “ذلك قد يصبح موضوع التقرير القادم لسويسرا لو يتم قبول المبادرة” من طرف اغلبية الناخبين يوم 29 نوفمبر 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.