العفو الدولية: المسلمون في سويسرا “يفتقرون إلى الحماية القانونية”
قالت منظمة العفو الدولية إن المسلمين في سويسرا يتعرضون لتمييز متزايد، في الوقت الذي لازال يُسمح في البلاد بوجود ثغرات تشريعية تُبقي أبواب العنصرية مفتوحة.
كما أشار التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية (أمنيستي انترناشيونال) والذي يحمل عنوان “الإختيار والتحيز”، إلى ظاهرة التمييز ضد المسلمين في كل من بلجيكا وفرنسا وهولندا وإسبانيا.
وخلص التقرير إلى أنه يُنظَر في كثير من الأحيان إلى الرموز الدينية الإسلامية، كالحجاب واللحى والمآذن، نظرة عداء، وأن المسلمين يُعانون من التمييز ضدهم في شتى المجالات من التعليم إلى العمل إلى غيرها من ميادين الحياة.
وقال التقرير بأن “التمييز المُمارَس ضد المسلمين في أوروبا عموما، مبني على أساس مرجعيات سلبية ووجهات نظر نمطية، لا تضع في اعتباراتها الأسس الديموغرافية ولا العوامل الإجتماعية، كاختلاف جماعات المسلمين وتنوع أصولهم وثقافاتهم والتزامهم الديني”.
في الأثناء رحبت مارتين برونْشْفيغ – غراف، رئيسة اللجنة الفدرالية السويسرية لمكافحة العنصرية، بالتقرير، وذكّـرت في المقابل، بأنه سبق للجنة أن تقدّمت بحلول لسد الثغرات القانونية المتعلقة بالتشريعات المناهضة للتمييز.
علّة قانونية
ومن وجهة نظر منظمة العفو الدولية، يتمثل الفشل الأكبر في سويسرا حيال سكانها من المسلمين في عدم وجود تشريع شمولي يستوعب كل ما يتعلّق بمسألة العنصرية والتمييز.
من ناحية أخرى، تطرّق التقرير إلى أن سويسرا لم تنفذ التوصيات التشريعية الصادرة في عام 2010، عن الهيئات المعنية بتطبيق المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، بما فيها تلك الصادرة عن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ومع أن الدستور الفدرالي السويسري كَرّس مبدأ المساواة وحَظَر التمييز بشتى صوره وأشكاله، وبالأخص ما كان مبنيا على أساس عرقي أو ديني، إلا أن ذلك لم يُترجَم بالقدَر الذي يحقق الحصانة في أوساط المجتمع، كما أن التشريع المدني السويسري لا يعترف بمبدأ تقاسم عبء الإثبات (أي أن تُقدّم الدولة المعونة القانونية اللازمة) في قضايا التمييز، إلا ما كان على أساس الجنس، وهو ما اعتبره التقرير “عقبة كؤود أمام البدء بإجراءات قانونية”.
ومن جانبها، أثنت برونْشْفيغ غراف على دعوة منظمة العفو الدولية من أجل العمل بمبدإ تقاسم عبء الإثبات وضرورة وجود جهاز رقابي يُعنى بالمساواة وبمراقبة التشريعات والقوانين المحلية.
فجوة بيانات
وفي الوقت الذي أشاد فيه تقرير منظمة العفو بالدور الذي تقوم به اللجنة الفدرالية في رصد التمييز، انتقد سويسرا لوجود فجوة، على صعيد البيانات المتاحة، أدت إلى اتخاذ قرارات سياسية بالإعتماد على معلومات منقوصة، وأردف قائلا: “والواقع أنه ليس من الواضح الأساس الذي استندت إليه الحكومة السويسرية في ادعائها بأنه لا ثمة حاجة إلى قوانين أكثر قوة وحزما”.
في سياق متصل، أشارت برونْشْفيغ غراف إلى أن نظام الكانتونات الفيدرالي يخلق صعوبات في جمع معلومات في إطار مركزي، وصرحت لـ swissinfo.ch قائلة: “تلك هي مشكلة الإحصاءات في سويسرا بشكل عام، ولكننا نجتهد من أجل مزيد من التنسيق بين الكانتونات، ولا نزال في البداية، ومن المهم أن تكون لدينا شفافة تامة حتى نستعيد الثقة”.
وفي الشأن المتعلق بحرية العبادة، أعربت المنظمة الحقوقية الدولية عن قلقها إزاء “الإجراء ذو الطبيعة العنصرية القاضي بحظر بناء المآذن في سويسرا”، في إشارة إلى المبادرة الشعبية التي أقرها الناخبون السويسريون بأغلبية عريضة في استفتاء أجري يوم 29 نوفمبر 2009.
وفي الأثناء، شدد التقرير على أن “المفروض على الحكومات أن ترعى حق الحصول على أماكن مناسبة للعبادة، باعتبار أنه من أبجديات حرية الدين والمعتقد”.
قوانين الزي
وفيما يتعلق بالزي، أنحى التقرير باللائمة على أرباب العمل، حيث وجدت منظمة العفو ان بعض الشركات تفرض قيودا على ارتداء الحجاب أو ما يُعتبر رمزا دينيا أو ثقافيا.
وبالخصوص، فقد ذكر التقرير بالتحديد أكبر مجموعتين لتجارة التجزئة ولمحلات السوبر ماركت في الكنفدرالية، وهما ميغرو وكوب، باعتبار أنهما توصدان الأبواب أمام إمكانية ارتداء الموظفات المسلمات للحجاب من خلال فرضهما زيا موحدا للعاملين الذين هم على تواصل مباشر مع الجمهور.
واعتبرت منظمة العفو الدولية أن “سياسة التضييق التي تمارسها الشركات حيال مسألة إبراز الرموز الدينية والثقافية بحجة المحافظة على صورة الشركة أو سمعتها… لا تستند إلى تعليلات معقولة ولا مبررات موضوعية فضلا عن أنها تتسم بالإجحاف والتمييز”، وأضافت بأن “مثل هذه السياسات تنتهك أيضا حق المسلمين والجاليات الأخرى في حرية التعبير”.
وردا على الانتقادات، ذكرت مجموعة كوب لـ swissinfo.ch بأنها تشترط زيا موحدا ليس فيه غطاء للرأس، وأن هذا الشرط مُلزِم لجميع العاملين في فضاء المتجر، ولكنه لا ينطبق على الموظفين الذين يعملون في المكاتب الخلفية ولا ضمن طواقم الإنتاج.
وأضاف المتحدث باسم المجموعة قائلا: “عندما تتقدم سيدة مرتدية للحجاب لكي تعمل لدينا، يقوم مسئولو التوظيف بكل عناية بدراسة قضية تغطيتها لرأسها، ثم يشرحون لها قواعدنا المُتبَعَة. وعلى كل حال، لا ندخر جهدا في البحث لها عن حل مناسب”.
وبحسب بيانات منظمة العفو الدولية، فإن التقرير الجديد يرصد وضع المسلمين في بلجيكا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وسويسرا، كما يكشف حالات كثيرة من التمييز ضد المسلمين.
جدير بالذكر أن إعداد التقرير جاء بعد دراسة ميدانية قامت بها منظمة العفو الدولية على مدار العام 2011، حيث أمضى ممثلو المنظمة قرابة عشرة أيام في كل بلد من البلدان الأوروبية التي رصدها التقرير (وهي بلجيكا وفرنسا وهولندا وإسبانيا وسويسرا)، وأجروا خلالها أكثر من 200 مقابلة.
يقيم في سويسرا ما بين 350 ألف و 400 ألف مسلم من أكثر من 100 جنسية مختلفة، منهم حوالي 12٪ يحملون الجنسية السويسرية.
زادت أعداد الجاليات المسلمة في العقود الأخيرة بشكل ملحوظ، وارتفعت نسبتهم من إجمالي سكان سويسرا من 2,2٪ في عام 1990 إلى 4,3٪ في عام 2000 وتُقدّر نسبتهم حاليا بنحو 4,5٪ من السكان.
يقدم معظم المسلمين في سويسرا من بلدان الإتحاد اليوغوسلافي سابقا ونسبتهم (56٪)، ثم الأتراك (20٪).
ثلاثة أرباع سكان سويسرا مسيحيون: الكاثوليك 42٪ والبروتستانت 35٪ و 2,2٪ العقائد المسيحية الأخرى.
أنشأتها الحكومة السويسرية في عام 1995، بهدف تنفيذ الاتفاقية الدولية الرامية إلى القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
تقدم اللجنة المشورة للسلطات العامة في جميع المسائل المتعلقة بالعنصرية، وتعمل على النهوض بمستوى الوعي، والقيام بالبحوث وأنشطة الرصد، فضلا عن تقديم الدعم للأشخاص الذين يتعرضون للتمييز.
ورغم أن اللجنة لا يمكنها رفع دعاوى أمام المحكمة، إلا أنها تسعى إلى لفت الأنظار نحو العديد من أشكال العنصرية، بما فيها تلك التي تطال المسلمين، وتعريتها وفضحها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.