“الهوة الإسلامية: المستقبل للصوفية؟”
صدر عن دار النشر "فايار" للكاتب السويسري الجزائري الأًصل زيدان ميريبوط كتاب "الهوة الإسلامية: المستقبل للصوفية"، استعرض فيه تطور التيارات الإسلامية والنظرة الانتقائية. وحظي الكاتب الذي سلك منهجا بيداغوجيا بإقبال النقاد والإعلام في الغرب، وفاز بجائزة فخرية في انتظار أن يستفيد العالم العربي من ترجمة كتابه.
حصل كتاب السويسري من أصل جزائري زيدان ميريبوط “الهوة الإسلامية: المستقبل للصوفية؟”، الذي صدر عام 2004 عن دار النشر الفرنسية “مكتبة فايار”، على جائزة “الحس الديني اليوم” لأنه استطاع أن يقدم نظرة عن التيارات الإسلامية بدءا بمؤسسي الدولة الإسلامية في القرن السابع الميلادي، مرورا بفترة التيار الإسلامي السياسي في القرن الثالث عشر تحت تأثير ابن تيمية، وما تشعب عنه من تيار وهابي فيما بعد، ووصولا الى التيارات الإسلامية في القرن العشرين المتأثرة بمخلفات الإستعمار، وبسوء إدارة الأنظمة التي ظهرت في مرحلة الاستقلال بزعامات مثل المودودي في آسيا، وحسن البنا والأخوين محمد وسيد قطب في مصر، وانتهاء بزعماء التيارات المعاصرة في المغرب العربي من أمثال عباسي مدني وعلي بن حاج في الجزائر، وراشد الغنوشي في تونس، والشيخ عبد السلام ياسين في المغرب.
في المقابل، تطرق المؤلف في القسم الثاني من كتابه لنظرة الغرب الانتقائية للإسلام، وتركيزه على مظاهر الإسلام الأصولي وتجاهله لوجود تيارات “ليبرالية متنورة ومتسامحة”، امتدت من القرون الوسطى بزعامة ابن رشد وابن سينا والخوارزمي والحلاج وابن عربي وجلال الدين الرومي، الذين ظهر بعدهم بقرون كل من الشيخ الأفغاني وعبده، انتهاء بالمعاصرين من أمثال البدوي والجابري أو محمد أركون.
هذه التيارات، التي بقي لها تأثير على طرق صوفية، ما زالت منتشرة بكثرة في العديد من المناطق بإفريقيا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بل تعد جاذبة للعديد من الغربيين الذين يقبلون على اعتناق الإسلام اليوم.
سويس إنفو: ما هي الدوافع التي كانت وراء اختيار هذا الموضوع؟
زيدان ميريبوط: الدوافع الرئيسية التي حثتني على القيام بهذه الدراسة المعمقة للهوة الإسلامية والتساؤل عما إذا كان المستقبل غدا في العالم للطرق الصوفية، هي وليدة تفكير راودني لما كنت اقوم بمهمة لصالح منظمة إنسانية في العديد من الدول العربية والإفريقية وفي منطقة الشرق الأوسط.
فقد لاحظت بالنظر الى الإسلام، أننا انزلقنا في عالم متناحر ما بين إسلام سُـني وشيعي، بل حتى داخل الإسلام السُـني ما بين سلفيين وتكفيريين وغيرهم. ولاحظت أن التركيز ينصب بالدرجة الأولى على السلفيين وعلى المتطرفين الرادكاليين، ولا يتم الاهتمام بالطرق الصوفية. لكن ما لاحظته من خلال دراستي واطلاعي على هذا العالم الإسلامي الذي زرت وعشت في أقسام منه، من كازاخستان الى افغانستان مرورا بكل الدول الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، متأثرة في سلم تفكيرها بالدرجة الأولى بالتيارات الصوفية.
“فالزوايا” في شمال إفريقيا، أو “الخناقا” في إيران وافغانستان وباقي بلدان جنوب شرق آسيا، تلعب دورا رئيسيا في تلك المجتمعات بالقيام بمهام المدارس القرآنية والمصحة التي تقدم العلاج، ومقام الأولياء الذين تتم زيارتهم وأغلبهم من الصوفيين.
وهذا ما دفعني للتفكير في تأليف كتاب عن تكاثر التيارات الصوفية في العالم الإسلامي بعد ان لاحظنا تكاثره في المغرب والجزائر بشكل مكثف عبر تيارات متسامحة ومتفتحة، بل حتى في تومبوكتو عبر الطريقة القادرية البوتشيشية، المنحدرة عن سيدي عبد القادر الجيلالي.
انتهزت فرصة إجازة بدون راتب لمدة سنة، وحاولت تدوين ما جمعته من وثائق طوال سبعة أعوام. وقد قام زملائي بمعهد الدراسات السياسية الإفريقية والآسيوية بلندن بمراجعة النص.
وبعدان نشر الكتاب من قبل دار النشر “فايار”، قامت دار النشر “اندري شوراكي”، المختصة في الدراسات الشرقية، بمنح الكتاب جائزة عام 2005، وهو ما دفع العديد من الأساتذة والعديد من الأوساط الصوفية والتيارات المسلمة باستقباله بطريقة ايجابية للغاية.
سويس إنفو: لم تكتفوا بتحليل الظاهرة الصوفية المتبعة في العديد من المجتمعات، بل درستم بعمق التيارات الإسلامية المتتالية منذ ظهور الإسلام حتى يومنا هذا مبرزين هذه التعددية في صور الإسلام المعاصر..
زيدان ميريبوط: بالفعل، إنها الطريقة المتبعة في كتابة هذا المؤلف. تساءلت هل يجب ان يكون عن التيارات السلفية؟ لكنني لاحظت ان مؤلفات عديدة موجودة في الأسواق، إما من تأليف مستشرقين او مسلمين أنفسهم.
كما تساءلت، هل يجب أن يكون الكتاب عن المفكرين الجدد انطلاقا من ابن رشد الى ما يعرف اليوم بالمفكرين الجدد من أمثال إسحاق الجنوب افريقي او الجزائري محمد أركون، الأستاذ بجامعة الصوربون؟ وتساءلت أيضا عما إذا كان الأجدى أن يكون كتابا عن الطرق الصوفية؟ لكن الأسواق تعج بمثل هذه المؤلفات.
ومن هنا، برزت فكرة القيام ببحث في الاتجاهات الثلاث: أي جبهة السلفيين، وجبهة المفكرين الجدد، وأخيرا الصوفيين. وعدت الى مصدر السلفية، أي من عهد ابن تيمية في القرن الثالث عشر حتى يومنا هذا، مرورا بفترة المفكرين السلفيين الجدد في القرن التاسع عشر، مثل ابن باديس في الجزائر أو الشيخ قطب في الستينات من القرن الماضي، وقبلهم الشيخ المودودي وجماعة “إي إسلامي”القريبة من تيار الإخوة المسلمين، واعتمدت في ذلك على مصادر ووثائق هامة في معاهد دراسات بلندن واسكوتلندا وجنيف وباريس.
وحاولت معرفة مدى تأثير تلك التيارات السلفية، العلمية منها او الشعبية، على التيارات المعاصرة المعروفة بتيارات “التوبة”، والتي تأخذ في بعض الأحيان توجهات عنيفة والتي يجب ان نعترف بأنها ترغم على ذلك في العديد من الأحيان نتيجة للضغوط العنصرية الممارسة على شباب الكثير من المدن الغربية، والذين من تأثير البطالة والتهميش يُـرغمون على العودة الى هوية رادكالية مع الأسف.
وانصب اهتمامي أيضا على فئة المفكرين الجدد الذين نجد من بينهم، بالإضافة الى إسحاق الجنوب إفريقي واركون الجزائري، العديد من المفكرين الإيرانيين او المغربي الجابري الذي له عدة مؤلفات، ومع ذلك يتم تجاهله لأنه يكتب بالعربية فقط.
سويس إنفو: المهم في هذا الكتاب أنه يلقي الضوء أيضا على نظرة الغرب للإسلام الذي لا يأخذ بعين الاعتبار إلا تلك التيارات المهددة والمتطرفة والأكثر عنفا، ويتجاهل كل هؤلاء المفكرين الجدد حتى ولو كتبوا بالفرنسية أو الإنجليزية؟
زيدان ميريبوط: هذا سؤال جوهري، لأنني ناقشت الموضوع كثيرا بعد صدور الكتاب، وخصوصا في نقاش بدار الكتاب بفرنسا، حيث قلت إن هناك نية مبيتة لدى البعض لعدم إظهار من الإسلام إلا ما هو مخيف وعنيف، لكن الإسلام ليس كذلك من وجهة نظر المفكرين الجدد ومن وجهة نظر أنصار التيارات الصوفية التي تشكل المحور الثالث في كتابي، والتي لم أتحدث عنها حتى الآن.
سويس إنفو: إذن هذا الكتاب ليس فقط تحليلا لتطور التيارات الإسلامية منذ البداية حتى اليوم، بل أيضا صرخة إنذار في اتجاه الغرب لتفادي الانحرافات والانزلاق؟
زيدان ميريبوط: بالفعل، انه بالدرجة الأولى نداء موجه للغرب من أجل فتح جسور الحوار بين الحضارات والثقافات، وبين التيارات الدينية أولا داخل العالم الإسلامي، وثانيا مع الخيارين من كل التيارات الدينية في الغرب وهي كثيرة.
سويس إنفو: القسم الثاني من عنوان الكتاب “المستقبل للصوفية”، هل هو تلميح لأن مستقبل الإسلام مرهون بالتيارات الصوفية التي ستعمل على إظهار المعالم الحقيقية للاسلام داخل العالم الإسلامي وخارجه؟
زيدان ميريبوط: اختيار هذا العنوان يضع الصوفية كرهان للمستقبل، لأنه ليس من مخلفات الماضي وليس ظاهرة توقفت في القرن الرابع عشر كما يعتقد البعض، إذ أن الواقع يظهر بأن الصوفية ظاهرة مستمرة تطورت من النقشبندية في القرنيين الثاني عشر والثالث عشر الى القادرية، التي انتشرت في العديد من البلدان على يد الشيخ عبد القادر الجيلالي، او التيجانية التي انتشرت في القرن السابع عشر على يد الشيخ احمد التيجاني من بلدة عين ماضي بالجزائر، والذي توفي في فاس بالمغرب.
وحتى داخل الأوساط التي هاجرت الى أوروبا، مثل الجالية المغاربية في فرنسا، نجد أن هؤلاء المهاجرين يحملون جانبا من تلك التيارات الصوفية بدون علم منهم. وفي تصرفاتهم نجد مزيجا من الطريقة السلفية والصوفية في آن واحد.
يضاف الى ذلك، أن أغلب الغربيين الذين يعتنقون الإسلام يستهويهم التيار الصوفي لأنهم يجدون فيه إجابة على تساؤلاتهم. وما يستهوي أكثر في الصوفية، إضافة الى الزهد والخلوة، كونها تعتمد على علم الباطن، أي بالنظر الى باطن الأشياء وعدم الاكتفاء بالنظرة السطحية.
سويس إنفو: اهتمام التيارات الصوفية بالموسيقى والفنون عموما، هل هو ما يجعل هذه التيارات تقدم صورة عصرية أكثر عن الإسلام اليوم؟
زيدان ميريبوط: هناك من يفسرون بشكل متزمت بأن الإسلام ضد الفنون وضد الموسيقى، وهذا غير صحيح لأن هنالك الإسلام الذي تميز بتطوير الفنون خلال عقود. فمعتنقو التيارات الصوفية يجدون أن الموسيقى تلعب دورا هاما في تحسين وتنمية العقل والجسد في آن واحد. وقد طور هذا المفهوم مولانا جلال الدين الرومي من خلال التداخل بين الموسيقى والرقص والحس الديني من أجل الارتقاء الى أقصى درجات الروحانية والى لقاء الخالق.
سويس إنفو: بما أن عددا من نخب الغرب يعتنقون الإسلام عبر التيار الصوفي، هل بقدرة هذا التيار تقديم إيجابة على بعض من تساؤلاتهم التي لم تستطع الأديان والتيارات الأخرى الإجابة عنها؟
زيدان ميريبوط: إجابتي على هذا السؤال ستكون عبر ما تعرفت عليه من خلال إحدى أكبر معتنقات التيار الصوفي “إيفا دو فيتراي مايروفيتش”، التي قالت إنها قابلت “ماسينيون”، أحد اكبر معتنقي الصوفية وأستاذ الدراسات الشرقية في جامعة باريس سابقا او الصوربون حاليا، لتسأله عن عدم العثور على أجوبة عن تساؤلاتها، رغم دراستها المعمقة للديانة المسيحية. فنصحها بتمديد دراستها لفترة ثلاث سنوات في معهد متخصص في ستراسبورغ، لعلها تجد أجوبة مقنعة. وبعد ثلاث سنوات، عادت لتقول بأنها لم تجد أجوبة على تساؤلاتها، فقال لها اعتقد بأن الحل ستجدينه في الإسلام الصوفي، وهذا ما جعلها تعتنق الإسلام الصوفي في بلد مغاربي والجهر بأنها وجدت أجوبة على تساؤلاتها.
سويس إنفو: الصوفية ليست فقط مجهولة من قبل الغربيين، بل أيضا من قبل العرب والمسلمين أنفسهم، فهل يمكن اعتبار ان هذا الكتاب قد يرى النور بترجمة عربية في يوم من الأيام للاستفادة منه؟
زيدان ميريبوط: اود أن اقول بصراحة إنني في بداية المشروع كتبته لجمهور غربي لتوضيح هذه التيارات الثلاثة معا كإسهام مني في التعريف بالإسلام. ولكن الغريب انني توصلت عند نشر الكتاب بأكثر الردود من المسلمين أنفسهم على اختلاف مذاهبهم، بحيث وجدوا ان الكتاب يقدم إضافات لما نشر حتى الآن.
وإذا كانت هناك محاولات في الوقت الحالي للقيام بترجمة الكتاب الى اللغة الانجليزية او الإسبانية، بل حتى الى لهجات محلية مثل لهجة كاتالونيا، فإن أملي ان تتم، إن شاء الله، ترجمة الكتاب الى اللغة العربية.
زيدان ميريبوط سويسري من أصل جزائري، تلقى دراسته الجامعية في جامعة قسنطينة قبل أن يلتحق بجنيف ثم ستراسبورغ لإنهاء شهادة دكتوراه في القانون بمعهد الدراسات العليا الدولية في جنيف.
عمل أستاذا جامعيا في كل من قسنطينة وجنيف وتونس، كما قضى سنة 2002 في جامعة لندن كأستاذ زائر.
يشتغل مستشارا لإدارة العمليات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بعد أن قام بعدة مهام ميدانية لحساب اللجنة الدولية للصليب الأحمر في كل من إيران والعراق وفي عدة عواصم افريقية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.