عشرة أعوام من حوار الأديان في زيورخ
خطت زيورخ خطوات رائدة في الإنفتاح على الأقليات العرقية والدينية، التي تقيم في الكانتون، من خلال تأسيسها سنة 1997 لمنتدى حوار الأديان.
ويحتفل هذا العام بمرور 10 سنوات على تأسيس هذا المنتدى، والذي تبارك جميع الأطراف الدور المهم الذي لعبه في التقريب بين الأقليات والمجتمع المحلي، وفي الحفاظ على السلم الأهلي وتوفير القنوات الضرورية للاستماع للأقليات وإبلاغ مطالبها للجهات المعنية.
في منتصف التسعينات، كلفت سلطات مدينة زيورخ بيتر فيتفر Peter Vittwer، رجل الدين المسيحي وأستاذ اللاهوت آنذاك، بإنشاء هذا المنتدى الذي يشمل ممثلي جميع الأديان السماوية وغيرها، بعد أن تعطلت لغة الحوار في مؤسسة إيراس كوتيس، بسبب الخلافات الحادة، التي كانت قائمة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية.
وكان الغرض، بعث جمعية مستقلة تمثل فيها الأديان والجهات الحكومية بالتوازي وتسعى إلى نشر قيم التسامح والاحترام بين جميع الأديان والثقافات، وتشكل إطارا للحوار ولصياغة تفاهمات حول القضايا ذات الطابع الديني، التي تثار من حين لآخر.
كما تقوم هذه الجمعية بدور فعّـال في تيسير وتسهيل الحوار بين المؤسسات الدينية المختلفة والمؤسسات السياسية والمصالح الإدارية على مستوى الكانتون.
ويذهب الأستاذ حسن أبو يوسف، نائب رئيس مركز زايد الإسلامي في مدينة زيورخ إلى أن “المنتدى طوال هذه العشرية، مثّل قناة الاتصال بين المسلمين وإدارة الكانتون”، ويضيف مباركا الدور الهام لهذه المؤسسة: “من قبل، لم نكن نعرف كيف نوصل أصواتنا إلى الجهات المسؤولة ولا معرفة لنا بالإجراءات الواجب إتباعها، ولم تتجاوز العلاقة بين المسلمين وإدارة الكانتون مصالح الشرطة والمحاكم وإدارة السجون”.
ومثلما كانت الجهات الرسمية في حاجة إلى التواصل مع الأقليات من أجل حفظ الأمن والسلم الاجتماعي وضمان السير الحسن للهيئات والمؤسسات وتنفيذ القانون، كانت الأقليات الدينية، وخاصة المسلمين الذين يناهز تعدادهم في الكانتون 50.000 شخصا، في حاجة إلى من يستمع إلى صوتهم ويحاورهم، في لحظة اكتسح فيها اليمين المتشدد الساحة وبنى سياساته على الترهيب والتشكيك، وجعل من معاداة المسلمين خيارا دعائيا له.
إطار جيد للتعارف والتواصل
منذ تأسيسه سنة 1997، اختار هذا المنتدى الوقوف إلى جانب الأقليات ومساعدتها في تحقيق مطالبها المشروعة، وفي تذليل المصاعب التي تُـعيق اندماجها وتمنعها من نسج علاقات مع هيئات المجتمع ونُـخبه على الأصعدة المختلفة.
وفي هذا السياق، خصّـص المنتدى جهودا كبيرة لتسهيل الحوار بين ممثلي الأديان والمسؤولين في قطاعات، عادة ما تكون في واجهة التعامل مع هذه الأقليات، بفعل اختصاصاتها الإدارية.
فقد نظّم المنتدى العديد من الزيارات للمراكز الإسلامية في المنطقة، وكانت كل زيارة تشمل نخبة بعينها، إذ خلال هذه السنة فقط، تم تنظيم زيارة جماعية لرجال الدين والقساوسة، وأيضا للسياسيين وممثلي الأحزاب، ومن قبلها، زار المراكز الإسلامية ضبّـاط الشرطة والعدل والمحاكم، وكذلك رجال التعليم.
وتوفر هذه الزيارات، التي عادة ما تمتد لعدة ساعات، فرصة للحوار والتعارف وتبادل الرأي والمشورة في قضايا تعني الجميع، في الوقت الذي تتاح فيه الفرصة للمسلمين، لكي يعرضوا رأيهم بعيدا عن الضغط والتوظيف المغرض.
وتكون هذه الحوارات في الغالب ثرية وتطرح فيها الكثير من القضايا الحساسة، التي تخُـص العيش المشترك والحياة اليومية للسكان، مثل مسألة حجاب المرأة المسلمة وممارسة الفتيات المسلمات للأنشطة الرياضية وقضايا الأناشيد الدينية بمناسبة الأعياد المسيحية في المدارس، وموقف المسلمين منها.
كما طغت في الآونة الأخيرة على الأسئلة، قضية المآذن، وما إذا كانت تمثل فعلا ضرورة دينية بالنسبة للمسلمين أم هي، كما يقول المعارضون، “رمز للهيمنة والغزو”.
إقبال كثيف ورغبة في الإنفتاح على الآخر
لا يخفي القائمون على هذا المنتدى ذهولهم للإقبال الشديد والرغبة الجامحة للسكان الأصليين في التعرف على الأقليات الدينية في المنطقة، وتقول السيدة بتينا بوتيكوفر، ممثلة الحكومة في إدارة هذا المنتدى: “هناك رغبة متزايدة من السكان المحليين على الذهاب نحو الأقليات الدينية والإقبال على المحاضرات التي ننظمها حول الإسلام، وكذلك الزيارات التي نقوم بها للمؤسسات الإسلامية في المدينة، وفي المقابل، لم نجد العدد الكافي من الحضور لتنظيم دروس حول المسيحية”.
ويعترف الدكتور إسماعيل أمين، أحد الوجوه المسلمة البارزة في مدينة زيورخ، بالدور الذي يقوم به المنتدى في “عرض ديننا بشكل صحيح، وذلك بدعوته وإشرافه على سلسلة من المحاضرات العامة التي يؤمها الكثيرون”، وربما ما كان ليكون النجاح بهذا القدر، لو قامت المراكز الإسلامية على هذه المحاضرات، فالمنتدى يتمتع بمصداقية كبيرة لدى الجمهور.
ويشاركه الرأي، الأستاذ حسن أبو يوسف، الذي يرى أنه من الأفضل “التواصل مع العالم الخارجي من خلال هذا النوع من المنابر، لأن أهل مكّـة أدرى بشِـعابها، وهم يعرضون علينا مساعدتهم لإبلاغ أصواتنا إلى جهات عديدة، ومن مصلحة المسلمين العمل في مثل هذه الأطر، لأنها الأنفع والأسلم بالنسبة للأجيال القادمة، التي لن تقبل بالازدواجية التي يعيشها اليوم الجيل الأول”.
نتائج مرضية وآفاق واعدة
بعد عشر سنوات من العمل، كان لابد من وقفة لتقييم الحصيلة، التي تُـجمع كل الأطراف على إيجابيتها، ويقول القس بيتر فيتفر Peter Vittwer، عضو بإدارة المنتدى: “أنا سعيد جدا بما تحقَّـق حتى الآن، وخاصة على مستوى العلاقة بين السكان المحليين والمسلمين المقيمين في الكانتون، ولقد تمكّـنا من خلال الحوار من إيجاد حلول لقضية المقابر بالنسبة للمسلمين، ونحن قاب قوسين لإيجاد حل لمسألة رخص الإقامة للأئمة، واستطعنا تسهيل التواصل بين الأقليات والسلطات المحلية وساهمنا إلى حد بعيد في إزاحة الكثير من المسائل التي تعيق عملية الاندماج، ولكن يجب أن نعرف بأننا لا نزال في بداية الطريق”.
ويُـقر الدكتور أمين ما سبق، مضيفا: “بفضل المنتدى، حصلنا على إنشاء مقابر إسلامية ونعمل مع أصدقائنا من أجل تعميم هذا الحق في مناطق أخرى داخل الكانتون، في فينترتور وفيتيكون وشليرن..، وسعَـينا مرات عديدة في حل مشكلات داخل المدارس، وسهّلنا التواصل بين العائلات المسلمة وهيئة التدريس، ونعمل من داخل المنتدى على بناء مركز كبير لمسلمي زيورخ، يضم جميع الجاليات، ويكون مركزا ثقافيا وإعلاميا شاملا”. ويؤكد الدكتور إسماعيل، أن كانتون زيورخ قد وافق على إقامة هذا المركز، وكذلك تدعمه الكنائس ولا يقف عائقا على المُـضي في تنفيذ المشروع، سوى فقدان الدعم المالي.
وسألنا الدكتور بيتر فيتفر عن حظوظ الاعتراف الرسمي بالدين الإسلامي، وإن كانت هناك مساع تُـبذل في هذا الاتجاه، فأجاب: “لقد حاولنا سابقا، ولكن الشعب رفض، وعلينا احترام خيار الشعب الذي رفض الاعتراف بأي دين غير المسيحية، ولكن لن يمر وقت طويل حتى يحصل هذا، إننا نرى أن الحوار سيكون أسهل ومثمر أكثر إذا تم الاعتراف بالإسلام رسميا”.
تأسس منتدى حوار الأديان بزيورخ عام 1997، ويشمل المنظمات المسيحية واليهودية والإسلامية والهندوسية والبوذية، بالإضافة إلى ممثلين عن مدينة زيورخ وعن كانتون زيورخ.
وللمنتدى مجلس، ممثلة فيه جميع الأديان السابقة، وإدارة تتشكل من ثلاثة أعضاء تسهر على تخطيط المشروعات ومتابعة الميزانية واستخلاص الاشتراكات والمساعدات، وتقوم بالتنسيق بين المنتدى والجهات الرسمية. وللمنتدى علاقات تنسيق مع الفدرالية السويسرية للأديان فيما يتجاوز حدود زيورخ.
ويؤكد السيد محمود الجندي، أحد الأعضاء الثلاث بإدارة المنتدى، أن هذا الأخير لم يكن رد فعل عن أي حدث بعينه، وأنه كان تعبيرا عن رغبة في التعاون بين جميع الإطراف من أجل تسهيل سُـبل العيش المشترك، ولكن الأحداث اللاحقة أكّـدت أهمية هذا التوجه، إذ ازدادت الحاجة أكثر للحوار ولمكافحة الأفكار المسبقة.
ويشير السيد محمود الجندي “أن الأقلية المسلمة أرادت من خلال مشاركتها في هذا العمل، التأكيد على أنها جزء من النسيج الاجتماعي لهذه المنطقة وأنها تحترم القوانين وشرعية الدولة وأنها عنصر استقرار وخير لهذه البلاد”.
وعلى الرغم من اختلاف الواقع من كانتون إلى آخر، باعتبار النظام الفدرالي المعتمد في سويسرا، فإن هذه التجربة تعد نموذجا يحتذى به وطريقة مُـثلى في التعامل مع التحديات التي طرحتها مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.