عندما كانت سويسرا تحقق في “ودائع اليهود”
في ديسمبر 1996، أنشئت اللجنة المستقلة للخبراء وكلفت من طرف الحكومة والبرلمان بالتحقيق حول تصرف وأداء سويسرا أثناء العالمية الثانية.
هذه اللجنة، عادت مجددا للظهور يوم 15 ديسمبر 2006 في برن، لجردة حساب استخلصت من خلالها حصيلة النقاشات والأبحاث، التي أسفرت على نشر “تقرير برجيي” المعروف.
في عام 1995، أي بعد مرور 50 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية، بدأت بعض المنظمات اليهودية في طرح أسئلة على البنوك السويسرية بخصوص تواجد ودائع لديها، تعود ملكيتها لضحايا النازية.
ويذكر هانس أولريخ يوست، أنه “نظرا لتعسّـر الاقتراب من البنوك، ونظرا لأن الأمور تجاوزتها بسبب إدارتها السيئة للأزمة، تصاعدت الانتقادات لتصل إلى الكنفدرالية وإلى البنك الوطني السويسري، وبلغت ذروتها في عام 1996”.
ومع أن هذا الأستاذ الفخري لجامعة لوزان والمؤرخ الشهير لسويسرا في القرن العشرين كان متّـهما في السابق بأنه “يساري”، إلا أنه تم الاختيار عليه لإدارة الحوار، الذي دار يوم الجمعة 15 ديسمبر في برن بمناسبة الذكرى العاشرة لإنشاء اللجنة المستقلة للخبراء.
“أجواء غير سليمة”
في تلك الفترة، ارتفعت حدّة المشاعر إلى حدّ إقدام الوزير الراحل جون باسكال دولامورا على الحديث علنا عن تعرّض سويسرا “للابتزاز والتهديد”، لكن بالنسبة لهانس أولريخ يوست، بدأ كل شيء في الستينات من القرن الماضي، أي قبل وقت بعيد من الانتقادات الدولية أو الشكاوى الجماعية أو التهديدات، بمقاطعة البنوك السويسرية في الولايات المتحدة.
ويوضّـح المؤرخ لسويس انفو، “لقد كان يُـقال حينها، في جو فظيع من المخاتلة، أن سلوك سويسرا كان سليما أثناء الحرب وأن هذه المسائل كانت تتعلّـق ببعض التفاصيل وأنه تمت إدارتها بشكل جيّـد في كل الحالات”.
ويعترف هانس أولريخ يوست أنه “ضحك قليلا”، عندما استمع إلى فلافيو كوتي، وزير الخارجية حينها يدعو إلى كشف “كل الحقيقة”، ويضيف، “أي شخص قرأ كتب التاريخ في تلك الفترة، كان يُـفترض أن يعرف ما الذي حدث”.
إدارة جيدة للقضية
في هذه الأجواء، صادق البرلمان الفدرالي يوم 13 ديسمبر 1996 على إنشاء لجنة مستقلة للخبراء حول سويسرا والحرب العالمية الثانية، وفي 19 ديسمبر من نفس العام، تمت تسمية أعضاء اللجنة من طرف الحكومة الفدرالية من أجل “توضيح بشكل شامل لدور الساحة المالية السويسرية خلال وبعد النظام النازي”، أي أنه، وبكلمة واحدة وبعيدا عن الخطاب الرسمي، إعادة الاعتبار لسمعة البلد.
من النادر أن أُديرت عملية من هذا القبيل في هذا البلد، المعروف بوتائره الفدرالية البطيئة، بمثل هذه الدقة واللباقة. ففي تلك الفترة، لم يناقش البرلمان جوهر المشكلة، كما لم يتطرق له بعد خمسة أعوام، أي عند نشر “تقرير برجيي”، نسبة لاسم رئيس اللجنة جون فرانسوا برجيي.
هنا، يذكر هانس أولريخ يوست، بأن مهمة اللجنة المستقلة للخبراء كانت تشمل إجراء حوار برلماني نهائي، “لكن البنوك تجاوزتها الأمور بسبب إدارتها السيئة للقضية، إضافة إلى أنه كان من المستبعد أصلا احتمال وجود (ذنب) سويسري”.
ضغوط شديدة
تبعا لكل ما سبق، تم رفع السر المصرفي لفترة 5 أعوام عن الحسابات ذات العلاقة مع هذه القضية، وأمكن للخبراء إجراء التحقيقات اللازمة حول صفقات الذهب والعملة الصعبة، التي قام بها البنك الوطني السويسري وبنوك أخرى، وحول العلاقات التي كانت قائمة بين الشركات وألمانيا، دون نسيان موقف الكنفدرالية من اللاجئين الفارين من النازية.
لقد كان الضغط شديدا. ويقول هانس أولريخ يوست، “لم يتم التفكير في أسلوب إجراء بحث تاريخي، وجرى العمل بطريقة بيروقراطية”، لكن اللجنة المستقلة للخبراء “عرفت بسرعة كيف تنظم نفسها للاحتفاظ بمسافة عن الحكومة”، من خلال الإقدام على فصل ممثل الحكومة السويسرية، الذي عُـيّـن في صفوفها.
بعد ذلك، استمر ضغط الرأي العام من أجل إعادة الاعتبار في أقرب وقت لسويسرا، وهو ما أجبر اللجنة المستقلة للخبراء على العمل بسرعة وفي إطار مُـغلق من خلال انتداب مؤرخين شبان لا زالوا قليلي الخبرة.
نتيجة “محترمة” واستقبال “مخيّـب” للآمال
بعد مرور عشرة أعوام، يعتقد السيد يوست، الذي لا يُـخفي حماسته عن الحديث عن المجلدات الـ 25، التي نشرتها اللجنة المستقلة للخبراء، أن “العمل في حالات الطوارئ، لا يُـنشئ ظروفا مثالية، لكن النتيجة محترمة”.
ومع أن المقالات والكتب استمرت بالصدور منذ ذلك الحين، لكن هانس أولريخ يوست يعبّـر عن خيبة أمله من عدم الاهتمام الذي استُـقبلت به. فعلى المستوى الجامعي، يعتقد أنه الوحيد الذي استعمل هذه “المادة الرائعة”، من خلال تنظيمه ما بين عامي 2002 و2005 ورشة عمل أكاديمية حول “تقرير برجيي”.
كما يعبّـر الأستاذ الجامعي المتقاعد عن أسفه للموقف المشابه، الذي اتخذته وسائل الإعلام، ويقول “لم أعثر على صحفي قرأ فعلا التقرير النهائي، إذ يتم الاستشهاد به لأغراض سجالية، لكنني لم أجد شخصا يُـمكن أن أتناقش معه حول التقرير بشكل ملموس”.
وفي معرض الإشارة إلى الهجمات العنيفة، التي شنها اليمين المتشدد في صفوف حزب الشعب السويسري على التقرير، ينتقد هانس أولريخ يوست بشدة عدم احتجاج أي شخص على مطالبة اليمين المتشدد بوضوح بـ “حرق تقرير برجيي”.
“سويسرا لا تريد أن تعرف، كما أن المختصين لا يريدون التعمق كثيرا”، هذه هي الخلاصة التي توصل إليها المؤرخ، لكنه لا ييأس مع ذلك ويُـعرب عن الأمل قائلا “في ظرف 50 عاما ربما، سيعيد باحثون شبان إعادة قراءة كل هذا، وقد يُـسهم ذلك في تغذية نقاش عمومي”.
سويس انفو – إيزابيل أيشنبرغر
(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
13 ديسمبر 1996: البرلمان السويسري يصادق على مرسوم فدرالي حول الأبحاث التاريخية والقانونية المتعلقة بمصير الودائع، التي وصلت إلى سويسرا إثر قيام النظام القومي الاجتماعي (النازي) في ألمانيا. كما تم رفع السرية المصرفية على هذه الودائع لفترة 5 أعوام.
19 ديسمبر 1996: تمت تسمية اللجنة المستقلة للخبراء من طرف الحكومة الفدرالية وبدأت في العمل في شهر مايو 1997.
مايو 1998: تقديم التقرير المرحلي للجنة بعنوان “سويسرا وصفقات الذهب خلال الحرب العالمية الثانية”.
ديسمبر 1999: صدور التقرير المرحلي الثاني حول سياسة اللاجئين.
19 ديسمبر 2001: اللجنة تقدم تقريرها النهائي.
مارس 2002: سلمت اللجنة المستقلة للخبراء للحكومة الفدرالية تقريرها النهائي، الذي جاء في 600 صفحة أضيفت إلى 11000 صفحة، نشرت في 25 مجلد.
إثر ذلك، تم حل اللجنة المستقلة للخبراء بعد اختتام هذه العملية، التي استمرت 5 أعوام وبلغت تكلفتها 22 مليون فرنك.
ترأس المؤرخ جون فرانسوا برجيي اللجنة المستقلة للخبراء حول سويسرا والحرب العالمية الثانية.
الأعضاء السويسريون للجنة: هيلين ب. يونتس – اقتصادية (ابتداءً من فبراير 2001)، جورج كرايس – مؤرخ، جاك بيكار – مؤرخ، جاكوب تانير – مؤرخ، دانيال تورر – قانوني (ابتداءً من أبريل 2001)، ميرتا فيلتي – سكرتيرة عامة.
مؤرخون أجانب في اللجنة: فلاديسلاف بارتوزيفسكي (بولندا)، ساول فريدلاندر (إسرائيل – الولايات المتحدة)، هارولد جيمس (بريطانيا).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.