في تونس.. النقاش حول الدستور “يحتدم” والمعارضون يبحثون عن “البديل”
يتواصل الحراك السياسي والإجتماعي في تونس بلا توقف. وبعد أن كان المواطن العادي يتوقع بأن الإنتهاء من ملف الإنتخابات، وتشكيل حكومة سيكون كافيا لكي تتضح الرؤية، ويتم تحقيق مطالب الجميع، وتتجه الحالة السياسية إلى الإستقرار والثبات..
.. أظهرت الأسابيع الأخيرة أن الوضع يتميز بالتعقيد، وأن مُضاعفات الثورة لا تزال تفعل فعلها في بنية الدولة والمجتمع. وهو ما يعتبره بعض المحللين السياسيين وعلماء الإجتماع ظاهرة طبيعية، مستنجدين بتاريخ الثورات في شتى أنحاء العالم.
حدثان هيمنا على الساحة السياسية التونسية خلال الأسابيع القليلة الماضية. ففي الوقت الذي كان يتهيأ فيه أعضاء المجلس الوطني التأسيسي للشروع في مناقشة ما انتخبوا من أجله، وذلك بعد أن شغلتهم المسائل التنظيمية وملفات الحكومة، فوجئوا بتسريب “مشروع دستور” منسوب إلى حركة النهضة دون أن تتبناه رسميا.
المسألة التي أثارت اندهاش الجميع تمثلت في أن هذه الوثيقة نصّت في فصلها العاشر على أن تكون الشريعة الإسلامية “مصدرا أساسيا” من مصادر التشريع. وهو ما لم يكن واردا في خطاب حركة النهضة أو في برنامجها السياسي قبل الثورة وبعدها. هذا العنصر الجديد جعل الكثيرين يعتقدون بأن ذلك يعود إلى الضغوط التي تتعرض لها الحركة من قبل المجموعات الإسلامية التي تقف على يمينها، وبالخصوص التيار السلفي الذي يشغل التونسيين هذه الأيام.
تباينات داخل “النهضة”
في الأثناء، كشف الجدل حول مسألة التنصيص على الشريعة في الدستور أيضا عن وجود تباين داخل حركة النهضة حول هذه المسألة. فقد سبق لوزير العدل نور الدين البحيري أن صرح بأن حركة النهضة التي ينتمي إليها، لم تطرح تضمين الشريعة الإسلامية في نص الدستور الجديد، لأنها تعتقد بأن “القانون التونسي ليس في حاجة إلى مثل هذا باعتباره في مُجمله منسجما مع الشريعة الإسلامية “، غير أن تصريحات مقابلة جاءت لتثبت وجود جناح آخر داخل نفس الحركة يدفع بقوة نحو التنصيص على أن تكون الشريعة “مصدرا أساسيا للتشريع” أو صيغة أخرى مخفّفة.
ومن الواضح أن “تغييرا ما” حصل داخل حركة النهضة حول هذه المسألة خلال الأسابيع الخمسة الماضية، عندما اندلع النقاش الخاص بصياغة الدستور. وهنا اعتبرت بعض الوجوه الفاعلة أن الظرف مناسب لحسم مسألة هوية الدولة التونسية من خلال التأكيد على مرجعية الشريعة. ومن بين هذه القيادات الحبيب اللوز والصادق شورو والصحبي عتيق وغيرهم ممن يعتقدون بأن هذا التنصيص وحده هو الكفيل بقطع الطريق أمام التيارات العلمانية، وإنهاء سيطرتها الفكرية والقانونية، حسب رأيها.
كما ترى هذه القيادات أن التنصيص على الشريعة من شأنه أن يحقق رغبة شعبية لشرائح واسعة تشكل القاعدة الإنتخابية للحركة. وهو ما جاءت المسيرات والتجمعات التي نظمت مؤخرا من قبل عشرات الجمعيات الإسلامية التي تشكلت مؤخرا، وحرصت على ممارسة ضغوط متعددة على أعضاء المجلس الوطني التأسيسي خصوصا، وعلى الرأي العام عموما.
للجناح المعتدل رأيه ووزنه
في المقابل، ارتفعت أصوات أخرى من داخل حركة النهضة، حذرت من الإنزلاق في هذا المطبّ، وأكدت على ضرورة الإكتفاء بالفصل الأول من الدستور الذي من شأنه أن يجنّب البلاد حالة الإنقسام الحاد.
ومن أهم الكوادر التي دافعت على هذا الطرح الواقعي، وزير الداخلية علي العريض الذي نجح في استعياب متطلبات شخصية رجل الدولة، ووزير الخارجية رفيق عبد السلام، وسمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية، إلى جانب العجمي الوريمي عضو المكتب التنفيذي للحركة. هؤلاء وغيرهم يتفقون مع نور الدين البحيري على القول بأن الموقف الرسمي للحركة يجب أن يكون “الإبقاء على الفصل الأول من دستور سنة 1959” نظرا لأنه “يستوعب ما يوجد حوله من إجماع في البلاد ولا فائدة من فصل جديد”.
هذا التجاذب بين موقفين، يبدو – حسب بعض المصادر المطلعة – قد حسمه رئيس الحركة راشد الغنوشي لصالح القائلين بعدم المطالبة بالتنصيص على الشريعة، بعد مناقشات مطولة خلال انعقاد مجلسها التأسيسي يومي 24 و25 مارس. فهو يعتقد بأن المرحلة الحالية تقتضي الحفاظ على وحدة المجتمع التونسي، وحماية العقد الذي يربط حركة النهضة بحلفائها السياسيين. ولن يتحقق ذلك إلا باعتماد الحد الأدنى من المطالب، وليس السعي لتحقيق الحد الأقصى. وبناء عليه، قرّرت الحركة وضع حد للجدل الذي طغى طيلة الأسابيع الماضية، حيث أعلن السيد عامر العريض يوم الاثنين 26 مارس 2012 أن “الحركة قررت الإحتفاظ بالفصل الأول من الدستور السابق كما ورد دون تغيير”. وينص هذا الفصل من دستور يونيو 1959 على أن تونس “دولة حرة مستقلة دينها الإسلام ولغتها العربية”.
والمعلوم أن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الحليف الأول لحركة النهضة قد اعترض على مسألة التنصيص على الشريعة في الدستور، في حين ذهب الدكتور مصطفى بن جعفر، رئيس حزب التكتل الديمقراطي من أجل الحقوق والحريات الذي يتولى رئاسة المجلس التأسيسي إلى حد التهديد بالقطيعة في صورة تمسّك النهضة بهذه المسألة. ويمكن القول الآن أنه بتخلي حركة النهضة عن هذه المسألة الخلافية وشديدة الحساسية، تكون قد جنبت نفسها والبلاد أزمة سياسية حادة.
نحو خارطة حزبية مغايرة؟
الملف الثاني الذي شغل الساحة السياسية التونسية طيلة الأسابيع الماضية يتعلق بالحراك الذي تشهده صفوف المعارضة. فبعد أن منيت معظم الأحزاب بهزيمة قاسية في الإنتخابات الأخيرة، قرر العديد منها الدخول في حوارات فيما بينها تهدف إلى بناء أحزاب كبيرة تكون قادرة على “تعديل موازين القوى” في الإستحقاق السياسي القادم.
لقد أدرك قادة هذه الأحزاب أن تشتتهم لم يكن في صالحهم، بل أظهرهم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي في صورة قادة لتنظيمات صغيرة لا تملك الحد الأدنى من الثقل الشعبي والسياسي، الذي يمكنها من منافسة حركة في وزن “النهضة”. ومن هذا المنطلق، تكثفت المشاورات بين أطراف متقاربة في مشاربها الإيديولوجية والسياسية، مثلما حصل مع الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب آفاق تونس والحزب الجمهوري. وإذ سُجّل في هذا السياق تقدم ملحوظ، لكن الجهود لا تزال متواصلة من أجل تذليل بعض الصعوبات التي تعوق حتى الآن الإعلان عن الإندماج الحزبي التام بين هذه الأطراف.
أما الحدث الثاني الذي كثر الجدل حوله، فيتعلق بما سُمّي بمبادرة الباجي قايد السبسي الخاصة بتوحيد ما يُعرف بـ “العائلة الدستورية”، وهي مجموع الأحزاب التي تتخذ من تراث الحزب الدستوري (الذي حكم البلاد من عام 1956 إلى 14 يناير 2011) ومن تجربة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مرجعية لها.
وتكتسب هذه المبادرة أهمية خاصة، نظرا لأن الكتلة الدستورية كانت الغائب الأكبر في انتخابات 23 أكتوبر 2011، رغم أهميتها العددية والرمزية. ويُعزى غيابها إلى تشتتها من جهة، وحرمان رموزها من المشاركة بسبب قانون الإنتخابات الذي منع كل من تحمل مسؤولية قيادية في صفوف الحزب الحاكم السابق من حق الترشح في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
الأهم من ذلك، هو أن هذه الكتلة الضخمة، كانت فاقدة لرمز سياسي قادر على تجميعها، ودفعها نحو تجاوز تناقضاتها الداخلية، ولهذا وجدت في قايد السبسي الحلقة المفقودة، خاصة بعد التجربة الناجحة نسبيا التي خاضها كوزير أول في مرحلة صعبة (من مارس إلى ديسمبر 2011)، وجعلت الجميع يُقرّون له، رغم سنه، بأنه يتمتع بخصائص رجل الدولة.
هذه المبادرة وُوجهت بنقد شديد، خاصة من قبل أوساط حركة النهضة، التي رأت فيها مسعى لإعادة إحياء ما يسميه بعضهم بـ “الديناصور” الدستوري. وهو ما يعكس خشية هذه الأوساط من احتمال أن يشكل الدستوريون قوة سياسية هامة في المرحلة القادمة، من شأنها أن تكون “المنافس المزعج” للإسلاميين، حسب اعتقاد بعض المراقبين.
بين هواجس التنصيص على الشريعة في نص الدستور، والتحركات المحمومة الجارية من أجل بناء مشهد حزبي مغاير، يستمر الحراك السياسي في تونس بنسق متصاعد، لا يعرف التوقف أو الإنتكاس. وهذا أمر طبيعي لأن تضاريس الأرض التونسية لم تتخذ شكلها النهائي بعد زلزال الثورة التي أطاحت بنظام قوي وشرس. وما دامت ارتدادات وتداعيات هذا الإنقلاب متواصلة، فإن المشهد العام سيبقى بلا ريب قابلا للتغيّر والتعديل.
تونس (رويترز) – قالت حركة النهضة الاسلامية المعتدلة التي تقود الحكومة في تونس يوم الاثنين 26 مارس 2012 إنها ستعارض الإشارة إلى الشريعة الاسلامية في الدستور الجديد وهي قضية هددت بافساد عملية انتقال البلاد إلى الديمقراطية.
ويناقش مجلس تأسيسي انتخب في اكتوبر 2011 وضع دستور جديد للبلاد بعد أن أطاحت احتجاجات شعبية بالرئيس زين العابدين بن علي العام الماضي.
وطالبت جهات دينية محافظة بينها ثالث اكبر حزب في المجلس التأسيسي في الأسابيع الماضية بان يتضمن الدستور الجديد أن يكون الاسلام هو المصدر الاساسي للتشريع.
ويعارض العلمانيون تلك الخطوة قائلين انها ستفتح الباب امام اليمين المتدين لفرض قيمه الدينية على الدولة.
وتسبب النقاش في استقطاب المجتمع التونسي ودفع الناس للتظاهر في الشوارع.
وقال راشد الغنوشي زعيم وأحد مؤسسي حركة النهضة إنها ستقبل بالاحتفاظ بالفصل الاول من الدستور السابق والذي ينص على ان الاسلام دين الدولة دون أي اشارة الى دور الشريعة.
وقال الغنوشي في مؤتمر صحفي بمقر الحركة في تونس إنهم رأوا أن التونسيين انقسموا بشأن قضية الشريعة وأن حركة النهضة لا تريد أن ينقسم المجتمع التونسي لان الثورة لن تنجح إلا بالوحدة الوطنية.
وقال ان الشعب التونسي متحد بخصوص الاسلام ولا يريد إدراج تعبير آخر يؤدي إلى انقسام الشعب.
وتشغل حركة النهضة اكثر من 40 في المئة من مقاعد المجلس التأسيسي وسيكون لموقفها في النقاش بشأن الشريعة تأثير كبير على صياغة الدستور الذي قد يستغرق النقاش بخصوصه وصياغته وتنقيحه والموافقة عليه نحو عام.
وتحدد اللوائح نسبة موافقة تبلغ 50 في المائة على الأقل على كل فقرة من الدستور في المجلس التأسيسي وأن ينال الدستور ككل موافقة الثلثين في ما لا يزيد عن قراءتين. وفي حالة عدم الحصول على أغلبية كبيرة كافية يُحال الأمر الى استفتاء.
وتستطيع حركة النهضة مع شريكيها العلمانيين في الإئتلاف الحاكم حزب التكتل وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الإقتراب من تحقيق الأغلبية الضرورية. ومن المرجح ان ينضم اليها احزاب علمانية معارضة انتقدت بشدة حركة النهضة ولكن لم يكن لديها أي أمل يذكر في إزالة أي إشارة للاسلام مثلما اقترح البعض في باديء الأمر بعد ان سجلت نتائج سيئة في الانتخابات.
لكن من المرجح ان يواجه موقف حركة النهضة معارضة شديدة من السلفيين غير الممثلين بشكل كبير في أي كتلة في المجلس التأسيسي لكنهم كثفوا احتجاجاتهم في الشوارع للمطالبة بإقامة دولة إسلامية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 26 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.