قبل خمسين عامًا، نُشر كتاب "الدفاع المدني"، الذي روّجت له الحكومة السويسرية. لكن الكتاب المنشور في ظل الأجواء المناهضة للشيوعية عقب الحرب العالمية الثانية، أثار موجة من السخط والاستنكار. ذلك أن المجتمع السويسري تغيّر بعد الأحداث التي شهدها في عام 1968.
تم نشر هذا المحتوى على
نشأتُ في كانتون غراوبوندَن، وتحصلت على إجازة في التاريخ. أهتم بشكل رئيسي بالقضايا السياسية والاجتماعية.
ولد طوماس كيرن في سويسرا في عام 1965. تعلّم فن التصوير الفوتوغرافي في زيورخ، وبدأ العمل كمصوّر صحفي في عام 1989. هو أحد مؤسسي وكالة المصوّرين السويسريين في عام 1990. حصل كيرن على جائزة الصحافة الدولية مرتيْن، كما حصل على العديد من المنح الوطنية السويسرية. شاركت أعماله في العديد من المعارض المشهورة، ويوجد بعضها في العديد من المجموعات الفنية.
في عام 1961، عرض ألبرت باخمانرابط خارجي، وهو عقيد في هيئة الأركان اشتغل سابقا في مجال الطباعة وذو ماض شيوعي، ثم تحوّل لاحقا إلى معاداة الشيوعية رابط خارجيوألف في عام 1958 “كتاب الجندي”، على الحكومة الفدرالية إعداد كتاب مُخصّص للدفاع المدني.
وفقا لنوايا باخمان، كان الأمر يتعلق بإنجاز مؤلف يتم توزيعه على أوسع نطاق ولا يُستخدم للترويج لمبادئ الحماية المدنية فحسب، ولكن أيضًا لتحفيز إرادة مقاومة السكان في مواجهة محاولات التسلل الشيوعي.
الفكرة، التي كانت مُستلهمة من مفهوم الدفاع الروحيرابط خارجي، لقيت ترحيبا من طرف الحكومة الفدرالية وخاصة من وزير العدل والشرطة لودفيغ فون مُوس. مع ذلك، تبين أن عملية إنجاز الكتاب كانت أطول من المتوقع، لأسباب تنظيمية ومالية، ولأن الآراء داخل مجلس الوزراء كانت مُتباينة بشأن المحتوى.
2.6 مليون نسخة
في نهاية المطاف، صدر الكتاب في خريف عام 1969 في شكل مجلد يُمكن وضعه في الجيب يشتمل على 320 صفحة بغلاف أحمر اللون متضمنا للعديد من الرسوم التوضيحية، وتم طبع 2.6 مليون نسخة منه وُزعت على كل البيوت في سويسرا، باللغات الوطنية الرئيسية الثلاث (أي الألمانية والفرنسية والإيطالية).
بالإضافة إلى تقديم معلومات عملية عن إمدادات الطوارئ، وتدابير الوقاية من الحرائق، والإسعافات الأولية في حالة وقوع كارثة طبيعية ونزاع مسلح، أورد النص – في فصل بعنوان “الشكل الثاني للحرب” – رواية وهمية لعملية تسلل داخل البلاد من قبل عملاء تابعين لقوة عظمى.
على الرغم من الطابع الخيالي للرواية، حدد النص الأعداء الداخليين للدولة بكل وضوح. وتعلق الأمر بحركات سلمية ويسارية وبالنقابات العمالية وبالحركة المناهضة للأسلحة النووية وبمثقفين.
موجة من الإستنكار
أثار المنشور، الذي كان له طابع رسمي، سخطًا واستنكارًا واسعين في الأوساط التي تم استهدافها بشكل مباشر وفي صفوف المؤيّدين لديمقراطية ليبرالية.
فقد نُظمت مظاهرات احتجاجية، وتم إحراق أكوام من الكتب أمام القصر الفدرالي، وفي بعض المكتبات، أمكن استبدال كتاب “الدفاع المدني” مجانًا بكتب لمؤلفين سويسريين عُرفوا بانتقادهم للسياسة الرسمية.
أما النتيجة المباشرة التي كانت أبعد أثرا، فتمثلت في انسحاب العديد من المؤلفين البارزين، من بينهم ماكس فريش وفريدريش دورنمات وبيتر بيشسيل وآخرون، من الرابطة السويسرية للكتابرابط خارجي احتجاجا على الدور الذي لعبه رئيس الرابطة، موريس زيرماتن، في ترجمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية.
من الدفاع المدني إلى وحدة “بي 26” السرية
السخط الذي أثاره كتاب “الدفاع المدني” لم يُلحق أي ضرر بمؤلفه الرئيسي، ألبرت باخمان. فقد تحصل العقيد في هيئة الأركان على رسوم كبيرة كمؤلف وناشر للكتاب، كما احتفظ بحقوق نشره في الخارج.
في عام 1976 أصبح باخمان رئيسا لأجهزة المخابرات العسكرية. وفي هذا المنصب، كان وراء إنشاء وحدة الجيش السري “P-26”، وهي عبارة عن تشكيل عسكري سري – على غرار الهياكل المعروفة باسم “البقاء في الخلف” Stay behind التابعة لمنظمة الحلف الأطلسي – التي كان يُفترض أن يتم تفعيلها في حالة تعرض سويسرا لغزو خارجي. إضافة إلى ذلك، أقدم على شراء مبان في أيرلندا بصفته الشخصية كان يُفترض أن تُصبح مقرا للحكومة الفدرالية في المنفى.
في عام 1980، انتهت حياته المهنية بشكل مفاجئ في أعقاب عملية تجسس كارثية في النمسا. وفي سن الحادية والخمسين، تمت إحالة باخمان على التقاعد المبكر. مع ذلك، ظلت الأوساط التي أشار إليها كتاب “الدفاع المدني” باعتبارها تهديدات للدولة خاضعة لمراقبة أجهزة الشرطة الفدرالية حتى عام 1989، عندما اندلع ما يُعرف في سويسرا بـ فضيحة الملفات السرية.
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.
اقرأ أكثر
المزيد
هل يمكن رفض أداء الخدمة العسكرية في سويسرا؟
تم نشر هذا المحتوى على
“سويسرا ليس لديها جيش، سويسرا هي الجيش”: هذه الجملة لخصت العقيدة العسكرية السويسرية خلال الحرب الباردة. فالدفاع العسكري عنصر لا جدال فيه في الهوية الوطنية، وكان على كل مواطن سويسري المساهمة فيه. يستمرّ التزام السويسريين بالخدمة في الجيش حتى سن الرابعة والأربعينرابط خارجي بسبب نظام ما يسمى الدورات التدريبيةفي سويسرا. ولكن الجيش السويسري الذي بلغ تعداده أنذاك أكثر من…
تم نشر هذا المحتوى على
في نوفمبر من عام 1956 زحفت الدبابات السوفياتية إلى المجر، كي تخنق الإصلاحات الديمقراطية في مهدها. ومن ثمَّ نزح مئات الآلاف ـ والكثير منهم توجهوا نحو سويسرا كذلك. إذ استُقبل اللاجئون المجريون، الذين لم يُرَوا بمثل هذه الأعداد لا في الحرب العالمية الثانية ولا بعدها، بكل حفاوة. ذلك لأن المجريين لم يكونوا فقط أناس في…
العلاقات بين سويسرا و”الناتو”: خطوبة طويلة ولكن بلا زواج
تم نشر هذا المحتوى على
في 4 أبريل 1949، عقدت عشر دول أوروبية (المملكة المتحدة وفرنسا والبرتغال والدنمارك وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وأيسلندا والنرويج وإيطاليا) في واشنطن تحالفا مع كل من الولايات المتحدة وكندا. وكان الهدف من ذلك آنذاك “وقف تمدد” للإتحاد السوفياتي وحلفائه وتمكين ألمانيا من اكتساب استقلاليتها ودمجها في الكتلة الغربية، من أجل الإبقاء على وجود أمريكي وعلى “مظلة”…
المخابرات السويسرية: قضية السجلات السـرية الجديدة لم تتأجج بعد!
تم نشر هذا المحتوى على
لكن هذا الحدث لم يثر – حتى الآن على الأقل – موجة غضب عارمة في صفوف عامة الناس، رغم أن الإنتقادات وردود الفعل اتسمت بالحدة في وسائل الإعلام وفي صفوف بعض السياسيين والقضاة. هانس بيتر تور، المفوض الفدرالي لحماية المعطيات الشخصية، علـــّق على هذه القضية بعبارات واضحة ومباشرة بحيث قال لوسائل الإعلام على إثر الندوة…
شارف على الإنتهاء... نحن بحاجة لتأكيد عنوان بريدك الألكتروني لإتمام عملية التسجيل، يرجى النقر على الرابط الموجود في الرسالة الألكترونية التي بعثناها لك للتو
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.