تباين في مواقف منظمات المجتمع المدني من الدعوى ضد الرئيس السوداني
في الوقت الذي رحبت فيه المنظمات المدنية الدولية بالدعوى التي رفعها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير، رأت منظمات حقوقية عربية أنه يمثل "انحرافا وتسييسا لعمل المحكمة الدولية".
وعلى الرغم من تشديد الأمم المتحدة عبر العديد من الناطقين باسمها على استقلالية المحكمة في اتخاذ قرارها، إلا أن ذلك يسبب إحراجا للمنظمة الأممية في وقت تقوم فيه بتنظيم أضخم عملية إنسانية في تاريخها في إقليم دارفور.
أثار قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السيد لويس مورينو-أوكامبو بتحميل الرئيس السوداني عمر حسن البشير مسؤولية “ارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور” ردود فعل متباينة من طرف الدول وفقا لانتماءاتها وعلاقاتها ومصالحها مع نظام الرئيس البشير، كما أنه لم يحصل على الإجماع في المواقف الصادرة عن منظمات المجتمع المدني والمدافعة منها عن حقوق الإنسان.
وفيما حيت بعض هذه المنظمات الخطوة باعتبارها انتصارا للمجهودات الرامية إلى “الحد من الإفلات من العقاب”، رأت أخرى أنهها تمثل “انحرافا لمحكمة جنائية دولية طال انتظار تحركها” في مجال فضح الجرائم الخطيرة المسكوت عنها لسبب أو لآخر.
“أدلّة إثبات لأول مرة”
فقد رحبت الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان في بيان مشترك مع المنظمة السودانية لمناهضة التعذيب بإعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية معتبرة على لسان رئيستها سهير بلحسن أنها “المرة الأولى التي يتم فيها تقديم أدلة تثبت ارتكاب جرائم إبادة في دارفور”.
وأضافت الفدرالية الدولية أن “طلب المدعي العام يؤكد تورط المسؤولين في أعلى هرم السلطة شخصيا في التخطيط لحملة العنف الواسع الممارس ضد سكان دارفور”.
وانتهت رئيسة الفدرالية الدولية إلى اعتبار أن “الإفصاح اليوم عن هذه الدلائل والإثباتات، وإصدار مذكرة توقيف في حق البشير قد يساهم في تعزيز الاستقرار في المنطقة”.
وذكّرت الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان أيضا بأن “قانون تأسيس المحكمة الجنائية الدولية ينص على أنه لا توجد أية حصانة لحماية مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجرائم الإبادة. وأن مرتكبي الجرائم الخطيرة لا يمكن أن يُفلتوا من متابعة العدالة الدولية أيا كانت مناصبهم الرسمية”.
“خطوة هامة لوضع حد للإفلات من العقاب”
أما اللجنة الدولية للحقوقيين التي يوجد مقرها في جنيف فترى أن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية برفع دعوى ضد الرئيس السوداني عمر حسن البشير بارتكاب جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية “يمثل خطوة هامة للأمام في طريق إنهاء عملية الإفلات من العقاب ولإنصاف ضحايا دارفور أمام العدالة”.
وتقول اللجنة الدولية للحقوقيين على لسان سعيد بن عربية، خبيرها القانوني لقضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “إن الحكومة السودانية لم تفشل فقط في حماية المدنيين، بل إن الرئيس البشير، حسب الدلائل التي حصل عليها المدعي العام للمحكمة الجنائية، رغب في القضاء على قسم هام من القبائل العرقية من الفور، والمساليت، والزغاوة، وأمر بارتكاب العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور”.
وتحسبا لما يمكن أن يصدر من رد فعل بعد هذا الإعلان، ذكّرت اللجنة الدولية للحقوقيين بالمسؤولية التي تقع على عاتق الحكومة السودانية فيما يتعلق بحماية المدنيين في دارفور موضحة بأن “الحكومة السودانية مسؤولة عن أية عمليات انتقام قد يتعرض لها المدنيون في دارفور”.
“نشعر بإحراج كبير”
المنظمات المدنية العربية المدافعة عن حقوق الإنسان التي عادة ما تتسم علاقاتها مع الأنظمة العربية بالتوتر بسبب إدانتها لما ترتكبه أجهزتها من تجاوزات وخروقات في مجال حقوق الإنسان وجدت نفسها في “وضعية حرجة”، على غرار ما صرح به مدير جمعية الكرامة لحقوق الإنسان.
وفي سياق تعليقه على قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، قال رشيد مسلي مؤسس ومدير جمعية الكرامة لحقوق الإنسان في جنيف لسويس انفو: “إننا كمنظمة مدنية عربية للدفاع عن حقوق الإنسان نشعر بإحراج كبير خصوصا أن الولايات المتحدة الأمريكية قدمت ذلك عل أنه انتصار كبير للمحكمة الجنائية الدولية في الوقت الذي رفضت فيه واشنطن المصادقة على قرار تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بل ذهبت الى حد توقيع اتفاقات ثنائية مع دول أخرى لعدم مثول عسكرييها أمام هذه المحكمة في حال ارتكابهم لجرائم”.
وفي تشكيك لمدى جدية ما قدم من دلائل وإمكانية تاثير ذلك على مصداقية المحكمة الجنائية الدولية في حال تأكيد الدعوى ضد الرئيس البشير، يشدد رشيد مسلي على أن “هذا الموقف لا يهدف للدفاع عن عمر البشير الذي قد تكون له مسؤولية فيما يحدث في دارفور. ولكن المسؤوليات ليست واضحة للعيان لحد الآن”.
وذكّر رشيد مسلي بالفارق بين ما تروج له وسائل إعلام غربية عن دارفور وما يلاحظ على عين المكان وقال: “عندما زرت السودان مقتنعا بكل ما قرأته هنا عن التجاوزات في دارفور، وجدت بعد لقاءاتي مع عدد من الشخصيات الغربية في السودان بما في ذلك موظفين أمميين عاملين في الميدان، بأن لا أحد يتحدث عن جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، وعندما نذكر لهم ما تردده وسائل الإعلام الغربية، يحتجون ضد تلك المعلومات”.
ولدى تذكيره بأن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية استخدم في بيانه الأخير عبارة “جرائم إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، أجاب مدير جمعية الكرامة لحقوق الإنسان: “بصراحة لا أعرف القاعدة التي اعتمد عليها المدعي العام من أجل استخدام تلك التعبيرات… أكيد أن المدعي العام لديه ملف مكون من قصاصات وسائل الإعلام الغربية المعروفة بمواقفها من النظام السوداني. ولكن استخدام مفهوم الإبادة أمر مرفوض من قبل كل الذين يعرفون الواقع الميداني في دارفور”.
وأضاف رشيد مسلي لسويس انفو: “يبدو لنا أن المدعي العام له موقف منحاز في هذه القضية … وهذا قد يكون له تأثير خطير على مصداقية المحكمة الجنائية الدولية، لأن الحصيلة التي يقدمها لنا السيد أوكامبو بعد عشر سنوات من الانتظار بعد تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، هي حصيلة مأساوية”.
وذكّر رشيد مسلي بأن “العشر سنوات التي رافقت تأسيس المحكمة الجنائية الدولية عرفت العديد من التجاوزات المرتكبة من قبل دول غربية وغير غربية في صراعات مسلحة، وكون السيد أوكامبو يلخص كل الجهود في هذه القضية يعتبر أمرا مقلقا وعامل استياء بالنسبة للعديد من المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي والدول النامية الذي كانوا ينتظرون الكثير من المحكمة الجنائية الدولية”.
يجدر التذكير بأن الخطوة التي أقدم عليها المدعي العام ليست إلا المرحلة الأولى من مسار طويل يبدأ بمطالبة ثلاثة من قضاة المحكمة الجنائية الدولية بالنظر في الأدلة والحجج المقدمة إليهم لرفع الدعوى ضد الرئيس السوداني في حال قبول تلك الدلائل والإثباتات. وهو ما ستتولى الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة النظر فيه خلال الأشهر القادمة.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
القاهرة (رويترز) – قالت جامعة الدول العربية يوم الاربعاء 16 يوليو 2008 إن قرار مدعي المحكمة الجنائية الدولية توجيه تهمة الابادة الجماعية للرئيس السوداني عمر حسن البشير ربما يكون فكرة غير مدروسة وأبدت قلقها من عواقب القرار.
وقال عمرو موسى الامين العام للجامعة للصحفيين “الموقف خطير جدا.. وفي الوقت نفسه نحن غير مقتنعين بأن الخطوات التي اتخذتها المحكمة الجنائية دُرست جيدا”.
وطلب المدعي لويس مورينو أوكامبو من المحكمة الجنائية إصدار أمر باعتقال البشير واتهمه بإدارة حملة للإبادة الجماعية أدت إلى مقتل 35 ألفا في إقليم دارفور بغرب السودان.
ويعقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعا طارئا في القاهرة يوم السبت 19 يوليو لبحث الموقف.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 يوليو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.