تجــاذب حول خارطة الطريــــق
يستعد رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمود عباس لأول لقاء سيجمعه منذ المصادقة على حكومته برئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون.
يأتي ذلك قبل توجّـه شارون إلى الولايات المتحدة لبحث “خارطة الطريق” مع الإدارة الأمريكية.
هي روح الشرق: الساكن الصاخب والوديع الشرس. وها هو الصيف المشرعة أبوابه ونوافذه مجددا على لعبة الموت الإسرائيلية الفلسطينية، وقد اقترضت عنوانا جديدا يضج إبداعا ويختزن ألغاما، ويستدل عليه بيافطة “خارطة الطريق”.
لا يُـغَـير تبدل الأسماء شيئا في تركيبة اللعبة، تظل المسألة عالقة بحبل من مواجهة محتمله ويتأهب المتنافسون للانقضاض على غنيمة من سراب، لكن بأدوات مطورة قد تفضي إلى انتشال ما يلزم لكسر لفح لهيب المعركة.
في المبارزة الجديدة على “خارطة الطريق”، تلتزم إسرائيل الميدان وتصر على إطالة أمد المعركة، بينما يتمرس الفلسطينيون، الخارجون من بطن الضغوط لتغيير القيادة، خلف شرعية الحوار والمفاوضات.
ربما كان الانتقال من فوهة البندقية إلى طاولة المفاوضات قريبا وممكنا في حمأة اللحظة الميدانية، لكنه في واقع الحال، يظل جزءً مُهمّـا من سباق خفي على من يقود الطريق في المرحلة المقبلة.
تتمسك إسرائيل بدورها بناصية الأمور، وتتمنع عن الاندفاع وراء إعلان المباركة والتأييد للخطة الدولية ذات الصياغة الأمريكية، في حين يهرع الفلسطينيون لتأكيد تأييدهم والإلحاح نحو الفوز بقبول إسرائيلي مماثل.
ربما أن التأثير الإسرائيلي في التعامل مع “خارطة الطريق” يظل الأقدر على المناورة، وعلى خلق عوامل جذب وتنافر متعددة ومختلفة من ناحية العلاقة الراسخة مع الإدارة الأمريكية، بيد أن ثمة محاولات فلسطينية تدخل، ربما أيضا، خانة الإبداع .
باول المتورط أبدا
انتهت جولة رئيس الدبلوماسية الأمريكية كولن باول عند بدايتها بحملة للتسويق والعلاقات العامة للموقف الأمريكي المسكون برمال العراق المتحركة. والجولة المتصلة بـ “خارطة الطريق” يجب أن تنطلق رسميا على يديه.
ولابد للإدارة الأمريكية الخارجة من أتون معركة بغداد أن تلحظ سلما في الجوار، وأن تتحرك باتجاه الجمهور المأخوذ بالضربة القاضية لطمأنته على سلامة النية والقصد.
في كل مرة تحارب فيها أمريكا العرب والمسلمين، تضطر لخوض معركة علاقات عامة في المقابل، عملا بالحكمة الإنجليزية للاستثمار السليم الآمن، وتتجه نحو القضية الفلسطينية.
تبدأ “خارطة الطريق” من نقطتين. أولها ، ما يمكن أن تلبيه لإسرائيل وفق ما ترتضيه إدارة البيت الأبيض، قبل ما ترتئيه خارجية باول، الذي ما انفك يتحدث عن تطبيق فوري للخطة دون أن يحصل على موافقة إسرائيلية مقابل التأييد الفلسطيني المتكرر.
هكذا اضطر الدبلوماسي الأمريكي الأول أن يعود إدراجه دون أي تقدم خارج حدود لعبة العلاقات العامة، وهو يدرك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون يستعد لبحث المسألة فقط مع الرئيس جورج بوش الابن في واشنطن.
لم يجد الجنرال السابق ما ينقله لرئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمود عباس، سوى أن لدى شارون تحفظات على “خارطة الطريق”، في الوقت الذي كان، دوف فايسغلاف، يتأهب للتوجه إلى واشنطن لبحث الأمر بصورة جدية مع كبار مساعدي بوش في واشنطن.
فايسغلاف، مبعوث شارون للإدارة الأمريكية، منهمك بالإعداد والتحضير في واشنطن، التي تنتظر شارون ليقول كلمته ويضع بوصلته على “خارطة الطريق” الأمريكية.
شارون الأمريكي
تقضي الحكمة التقليدية في إسرائيل باستخدام اللكنة الأمريكية في حديث السياسة والحرب. يتحدث شارون الثقيل الوزن الخفيف الحركة قليلا ويعمل كثيرا، وهو أنهى على ما يبدو وظيفة الدرس الخاص بخارطة الطريق.
في طريقه إلى واشنطن، يرتدي شارون الإسرائيلي الزي الأمريكي حاملا معه ملف الشيخ رائد صلاح زعيم ما يعرف بجناح الشمال الإسلامي في إسرائيل، والذي اعتقلته القوات الإسرائيلية مؤخرا.
والشيخ صلاح صاحب أفكار تعارض مشاركة العرب في الديمقراطية الإسرائيلية. بل أكثر من ذلك، فهو عربي مسلم يعيش في إسرائيل التي تتهمه بإقامة علاقات مع تنظيم القاعدة ومساعدة حركة حماس .
قد يجلس شارون إلى جانب بوش يشكوان هم الإرهاب الأصولي، حتى يومئ رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أحد مساعديه ليُـخرج ملف الإسلام الشمالي في إسرائيل، ويضعه بين يدي بوش.
قد يكون هذا سيناريو القراءة الإسرائيلية الأمريكية المشتركة لخارطة الطريق: زاوية الإرهاب، إذ كيف سيمكن لشارون أن يوافق على خارطة الطريق، دون أن تعدل وفق ما يتطلبه أمن إسرائيل وردع الإرهاب الأصولي.
أبو مازن التكتيكي
على هذه الخلفية، ووسط هكذا ظروف، يسعى أبو مازن زاحفا للخروج من متاهة المرحلة. فهو الذي قدمته إسرائيل والإدارة الأمريكية على أنه “المهدي المنتظر” لإرشاد الفلسطينيين إلى طريق الأمن والاستقرار.
وأبو مازن هو أيضا الرجل الثاني في القيادة الفلسطينية، الذي يتوجب عليه السير في هذا الدرب دون المساس بالحقوق الوطنية وعدم السماح بالوقوع في مطبات داخلية، لاسيما الخشية من مواجهة محتملة بين المقاومة والسلطة، وهو صاحب نظرية سلطة واحدة وتعددية سياسية.
يتحرك أبو مازن نحو تكتيك الإستراتيجية الشاملة، لئن ينجر إلى جو الإثارة، لا على الصعيد المحلي مع المعارضة الإسلامية، ولا مع الخصم الإسرائيلي في سوق العلاقات العامة الذي يغري العقلية الأمريكية.
قرارات محدودة خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من عمر أبو ما زن القيادي، ولقاءات على مستوى القمة مع باول المتورط أبدا، حيث التزم رئيس الوزراء الفلسطيني بورقة معدة مسبقا تؤيد خارطة الطريق، لكنها ترفض تفكيكها.
قرار آخر حريص ويحمل بعض المغامرة، هو لقاء أبو مازن – شارون، لكنه لقاء بشروط رئيس الوزراء الجديد، الذي يريد أن يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي عشية سفره إلى واشنطن للحصول على موقف من خارطة الطريق.
شرط آخر ذكي، هو أن يكون اللقاء مغلقا وبعيدا عن الإعلام بين أبو مازن وشارون، إذ لا يريد محمود عباس أن يمنح شارون فرصة الصورة جنبا إلى جنب، ومصافحة اليد التي توحي بالثقة والتي تلزم تدخل أطراف أخرى.
هناك أيضا الجمهور الفلسطيني الذي ينظر إلى خارطة الطريق من منظار أنها حرب على المقاومة. وهنا، اختار أبو مازن أن يعقد جلسة حكومته في غزة، ويطلب من وزرائه من الضفة الغربية أن يلزموا مكاتبهم في القطاع مدة أسبوع، المنطقة ذات السيادة المتبقية والمرشحة لمواجهة السلطة والمقاومة التي روج لها الإعلام الإسرائيلي كثيرا.
يستنجد أبو مازن بخارطة الطريق، ضد خارطة الطريق التي يريد شارون أن يغيرها، ويدعو الجمهور إلى مساندته حيث يعز الحلفاء. لكن ألغام خارطة الطريق قد تجعل المدى سرابا.
هشام عبد الله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.