تجمع منقوص على البحر الأحمر
أقرّ وزراء خارجية اليمن وإثيوبيا والسودان مشروع وثيقة تأسيس تجمّـع إقليمي لبلدان جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي
هذا التجمع الثلاثي يظل محلّ تساؤل ما لم تُـعرف مواقف الدول الإقليمية الأخرى، مثل مصر وإرتريا.
هذه الخطوة التي أعلِـنت في صنعاء جاءت ثمرة للقاءات عدة وجهود متتالية بين مسؤولي البلدان الثلاث، وبدأت منذ أكتوبر العام الماضي خلال القمة التي جمعت رؤساء البلدان الثلاث في أديس أبابا، بقدر ما عكست مدى التعاون والتنسيق بين هذه الدول، أثارت جملة من التساؤلات حول خلفيات وأهداف وطبيعة هذا التجمع، وكذلك حول مستقبله ومدى نجاعته.
ومثل هذه التساؤلات التي فرضت وتفرض نفسها بقوة، رغم ما أكد عليه البيان الختامي للقاء، ورغم ما شدد عليه وزراء الخارجية من أن هذا التجمع هو إطار للتعاون الاقتصادي والأمني بين بلدان منطقة جنوب بحر الأحمر والقرن الأفريقي، وليس موجه ضد أي طرف أو أية دولة.
وطبقاً للبيان المشترك الصادر عن الدورة الثالثة لوزراء خارجية الدول الثلاث، فإن بلدانهم تطمح إلى تعميق التعاون الاقتصادي، ورفع حجم المبادلات التجارية، وتكوين الهيئات والمؤسسات الكفيلة بتحقيق تلك الغايات، وتعزيز نقاط المراقبة على الحدود لمكافحة عمليات التهريب والتجارة غير المشروعة.
وأكّـد البيان على أن هدف التجمع هو الدفع بالتعاون البنّـاء بين دول إقليم جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، بما يحقق الرفاهية لشعوبها، وتعزيز الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
مكافحة الإرهاب!!
وفي مجال مكافحة الإرهاب، جدّد الوزراء التزامهم التام بمواصلة التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والمعلومات بما يعمّـق التعاون الأمني بين بلدانهم، ودعوة دول المنطقة للمشاركة في تلك الجهود وانضمامها إلى التجمع الإقليمي.
التأكيد على هذه المنطلقات كأساس للعمل المشترك بين بلدان المنطقة والتشديد عليها من قبل وزراء الخارجية الثلاثة، لم تقدم إجابات شافية لكل التساؤلات المطروحة، وإنما أبقت على العديد من نقاط الاستفهام على اعتبار أن المنطقة بموقعها الجغراسياسي وتعقيداتها الأمنية والدينية والسياسية والاقتصادية كانت وما زالت على الدوام بؤرة للتوتر والصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، سواء خلال الحرب الباردة أو بعدها خلال هيمنة القطب الواحد.
وبالتالي، يصعب تصور أي كيان يضم دول المنطقة بعيداً عن أخذ الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية في الاعتبار، لأن كل ذلك من شأنه أن ينعكس على مدى نجاعة هذا التجمع مستقبلا.
الحسابات الآنية
ففي الوقت الذي يذهب فيه المسؤولون في بلدان المنطقة إلى أن الاعتبارات الجغراسياسية، والماضي التاريخي بين شعوبها وحضارتها الضاربة في القِـدم، عوامل دافعة لتطوير علاقاتها، فإن المحللين يرون أن الأسس الاقتصادية لإقامة كيان فاعل تستند إلى اقتصاديات هشة وضعيفة لا تساعد على قيام تكتل فاعل إلى درجة أن هناك من ذهب إلى اعتبار التجمع هو تجمّـع للفقراء.
إلى جانب ذلك، فإن الدول الثلاث تعاني من مشاكل سياسية داخلية وخارجية، وتوترات إقليمية تدفعها إلى البحث عن تحالفات خارجية وتصريفها في مناورات تكتيكية ظرفية لا ترقى إلى مستوى أهداف استراتيجية بعيدة المدى يُـمكن لها أن تحافظ وتبقى على ديمومة وبقاء هذا التجمع.
ومن الأسباب الظرفية الطارئة التي تقف وراء خلق هذا الكيان، حسب هؤلاء المراقبين، أن الجامع بين البلدان الثلاث هو الانتقام من نظام أسياسي أفورقي في إريتريا.
فمنذ استقلال هذا البلد عام 1991، تورط أفورقي في مغامرات وحروب، إما بطريقة مباشرة مع اليمن وإثيوبيا، وإما بطرق غير مباشرة مع السودان وجيبوتي، الأمر الذي ألّـب عليه هذه البلدان بغية تشديد الخناق عليه وإسقاط نـظامه المتحالف مع إسرائيل.
ورغم كل تلك الاعتبارات المحلية والإقليمية التي يسوقها المحللون لظروف وملابسات التحضير لتجمع بلدان جنوب البحر الأحمر والقرن الأفريقي، تظل أهم المؤثرات على طبيعة ومستقبل وفاعلية هذا التجمع الإقليمي غائمة الدلالة والوضوح إلى حد ما، خاصة منها ما يتعلق بموقف الدول المعنية به، كمصر والولايات المتحدة وإسرائيل.
الأبعاد الإقليمية والدولية
فمصر، حتى الآن، بدت ملتزمة الصمت حيال هذه الخطوة، على الرغم من ارتباط أمنها الإقليمي والقومي بهذه المنطقة. والولايات المتحدة لم تُـبد موقفاً واضحاً لحد الآن من هذه التطورات، ناهيك عن الدولة العبرية التي بدت هي الأخرى ملتزمة الصمت، على الرغم من علاقتها الشديدة بنظام أفورقي في إريتريا.
كل تلك المؤشرات تطرح تكهنات عديدة من قبيل: هل يمكن لبلدان كاليمن وإثيوبيا والسودان على ضعف اقتصادياتها ومعاناة بعضها من توترات داخلية وإقليمية، خاصة السودان وإثيوبيا أن تخلق تجمعاً بعيداً عن هذه المؤثرات القوية كدور الولايات المتحدة، وثقل مصر وإسرائيل.
الإجابات على مثل هذه التساؤلات تدور حول أمرين اثنين هما:
أولا: أن تكون خطوة انتشار هذا التجمع قد جاءت بإيعاز من الولايات المتحدة، التي بدأت تأخذ في الاعتبار التذمر الشعبي من نظام أفورقي واتساع معارضته. وبالتالي، يكون لها يد في التزام الأطراف الأخرى الصمت حيال هذا التجمع، كمصر وإسرائيل لأنه سيخدم المصالح الأمريكية في مكافحة الإرهاب، خاصة أن هذا الهدف منذ تفجيرات 11 سبتمبر أصبح يشكل أولوية في السياسة الخارجية.
ثانياً: أن طبيعة هذا التجمع وتركيبته المعقدة لا تبعث على المخاوف والقلق، مما يستدعي إبداء المواقف منه، وإعلانها بشكل صريح، أو أنه من السابق لأوانه التعبير عن تلك المواقف قبل أن يأخذ التجمع شكله وإطاره القانوني والتنظيمي الذي سيتقرر بالقمة المقبلة في أديس أبابا في منتصف ديسمبر القادم.
عموماً، يمكن القول إن طبيعة ومستقبل هذا التجمع تتوقف على مدى تلاقي أو تنافر مصالح وأهداف استراتيجية وأمنية لأطراف عدة. لذا، يصعب تصور أي فاعلية لهذا التجمع الوليد بمنأىً عن تأثير تلك الأطراف، ودون أخذ ثقلها في الحسبان، إن حاضراً أو مستقبلاً، كما كان عليه الحال دائماً في الماضي.
عبد الكريم سلام – صنعاء
معدل الدخل الفردي لعام 2002 في كل من:
السودان: 1420 دولار أمريكي
اليمن: 840 دولار
إثيوبيا: 750 دولار
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.