تجند دولي لمكافحة التقليد والقرصنة
أجمع المشاركون في الملتقى الدولي المنعقد في جنيف لمكافحة التقليد والقرصنة على ضرورة معالجة الظاهرة جماعيا خصوصا وأنها لم تعد فقط تضر بالاقتصاد بل أيضا بالبشر.
وإذا كانت الظاهرة عالمية الأبعاد، فإن العالم العربي بدأ يدرك ابعادها الاقتصادية والاجتماعية، بل إن دولا مثل المغرب شرعت في اتخاذ تدابير لمواجهتها.
احتضنت جنيف يومي 30 و 31 يناير المؤتمر الدولي الثالث حول مكافحة التقليد والقرصنة في العالم بحضور أكثر من 1200 ممثل عن الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات والمؤسسات المعنية بالظاهرة من جمارك وشرطة دولية ومنظمات غير حكومية.
المؤتمر الذي انعقد تحت شعار “تحديات مشتركة – أهداف واحدة” وبإشراف المنظمة العالمية للملكية الفكرية وبالاشتراك مع الغرفة التجارية العالمية والأنتربول والمنظمة العالمية للجمارك، رأى فيه السيد كامل إدريس، المدير العام للمنظمة العالمية للملكية الفكرية “خطوة هامة لتطوير الشبكات وتجميع الخبرات الضرورية لوضع حلول دائمة” لظاهرة متفاقمة قال عنها “إنها تعيق التنمية الاقتصادية وتعرض صحة وسلامة الإنسان للخطر”.
تزوير على نطاق واسع
ظاهرة التقليد والقرصنة تكلف الاقتصاد العالمي ما بين 150 و 170 مليار دولار من الخسائر سنويا. ولدى الحديث عن هذه الظاهرة، فإن الأنظار سرعان ما تتجه نحو الصين وبلدان شرق آسيا التي أغرقت الأسواق بمنتجات مقلدة لا تحترم حقوق الملكية الفكرية سواء كانت ألبسة أو أسطوانات غنائية أو أشرطة فيديو أو قطع غيار بل حتى مواد غذائية ومنتجات دوائية. ويكفي في هذا الصدد التذكير بأن 60% من كل المواد المزورة والمقلدة المضبوطة من قبل نظام الجمارك الأوروبي من أصل صيني.
فقد ضبط جهاز الجمارك في دول الاتحاد الأوروبي في عام 2005 لوحده أكثر من 75 مليون منتج مزور وأكثر من 500 مليون مادة غذائية وأكثر من 5 ملايين دواء مزور. وفيما تضبط 60% من المخالفات في العالم من قبل مصلحة الجمارك، تصل هذه النسبة في اوروبا الى 90%. وهذه الأرقام تعكس ضخامة الظاهرة وتشعبها الأمر الذي يؤدي إلى أن أية محاربة للظاهرة لا يمكن أن تكون ناجعة إلا في إطار دولي وجماعي وهذا ما ركز عليه جل المتدخلين أمام مؤتمر جنيف.
ويقول الأمين العام للمنظمة العالمية للجمارك ميشال داني في حديث مع سويس إنفو “إننا نوجد في مرحلة انتقالية وان الهدف لا يتمثل في إدانة الصين أو غيرها بل لمحاولة فهم الظاهرة التي عرفتها اليابان من قبل”.
ويرى السيد ميشال داني أن الأمور “قد تنقلب عندما يصبح للصين مجموعات إنتاجية كبرى تستثمر في البحث العلمي وفي ابتكار منتجات جديدة. عندها ستجد نفسها مضطرة لتحصين نفسها ضد عملية القرصنة والتقليد لمنتجاتها”.
توعية قد تتبعها خطوات عملية
مؤتمر جنيف يعتبر الاجتماع الدولي الثالث الذي يعقد للتحسيس بخطورة عملية القرصنة والتقليد في العالم. وبما أن الظاهرة “لم تعد تسلم منها أية بقعة من بقاع العالم”، فإن وزير العدل والشرطة السويسري كريستوف بلوخر الذي مثل الحكومة الفدرالية في افتتاح المؤتمر، شدد على أن “القرصنة والتقليد أصبحت تشكل مشكلة بالنسبة للجميع… وتتطلب ردا جماعيا على غرار ما يتم في هذا المؤتمر”.
ومن الأهداف المتوقعة من مؤتمر جنيف، القيام بإحصاء التجارب المتبعة في مختلف البلدان في مجال محاربة التقليد والقرصنة، على أن تقوم المنظمة العالمية للملكية الفكرية (مقرها جنيف) في مرحلة قادمة بتحليل تلك المعطيات.
وقد أوضح أمين عام المنظمة العالمية للجمارك ميشال داني لسويس إنفو بأن “بلدانا مثل اليابان ترغب في اقتراح اعتماد معاهدة جديدة في مجال محاربة التقليد والقرصنة”، لكنه استبعد إمكانية إنشاء جهاز جديد للقيام بعملية التطبيق لأنه يعتقد أن جميع المكونات الحالية من مصالح الجمارك ورجال الأمن والدرك والشرطة الدولية أنتربول والجمعيات المعنية بحقوق الملكية وجمعيات المستهلكين وشركات الإنتاج وممثلي الحكومات، هي التي عليها – كل في إطار عمله – تطبيق بنود تلك المعاهدة عند التوصل إليى إقرارها.
العالم العربي
من جهة أخرى، فإن المنتجات المقلدة او المزورة لم تكن لتتحول إلى ظاهرة مقلقة بدون وجود أسواق استهلاكية تروج فيها. ومن بين المناطق التي توصف بأنها “أسواق لترويج المواد المقلدة” توجد المنطقة العربية.
عن واقع القرصنة والتقليد في العالم العربي، يقول الأمين العام للمنظمة العالمية للجمارك ميشال داني “العالم العربي ليست منطقة متجانسة في مجال القرصنة والتقليد لأنه يجب التفريق بين بلدان شمال إفريقيا وباقي المنطقة العربية”. وبالنسبة لشمال إفريقيا، يرى السيد داني أنه “إذا كان المغرب يعرف وجود بعض الوحدات لإنتاج المواد المقلدة، فإن الوضع في تونس أقل ويكاد يكون منعدما في الجزائر”.
كما أشاد السيد ميشال داني بجهود حكومات البلدان المغاربية وبالأخص الجزائر في مجال محاربة القرصنة إذ يقول أن “الجزائر هي البلد الذي عرف تنظيم اكبر عدد من الملتقيات الجمركية حول ظاهرة التقليد وبالأخص فيما يتعلق بقطع الغيار المزورة التي أدت الى سقوط أعداد من ضحايا المرور بسبب استعمال هذه القطع المزورة”.
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط فيرقول السيد ميشال داني أن “الأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة لا تسمح بالقيام بتحركات في المنطقة”.
ويرى أمين عام المنظمة العالمية للجمارك أن المشكلة “تكمن في وضع دبي التي تشتمل على ميناء كبير هو في تعاظم مستمر والتي تحولت الى نقطة فاصلة بين أوروبا والبلدان الآسيوية الأمر الذي يعمل على حجب حقيقة أن منشأ غالبية المواد من البلدان الآسيوية”.
ويضيف السيد داني “إذا كانت وسائل الإعلام قد نقلت صورا سلبية عن دبي في هذا المجال، فإن السلطات لم تذخر جهدا في إبرام المعاهدات الدولية لمحاربة القرصنة والتقليد”. وفي محاولة لتوضيح هذه الجهود، تجري اتصالات لتنظيم ملتقى إقليمي في دبي “من أجل التعريف بهذه الجهود المبذولة”، على حد قوله.
تجربة المغرب
إذا كان المغرب يعتبر من البلدان التي توجد بها وحدات لإنتاج المواد المقلدة او المزورة، فإنه يعتبر أيضا من البلدان التي تقوم فيها السلطات بتحركات جادة لتكوين الإطارات وحماية الحدود وتوقيف المخالفين.
في هذا السياق، يؤكد السيد عزيز بوعزاوي، مدير المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية أن “المغرب اتخذ إجراءات العام الماضي خصوصا على مستوى الحدود لضبط وتوقيف واحتجاز تلك المنتجات المزورة”.
وحسب رأي السيد بوعزاوي، فإن الخطر بالنسبة لبلدان نامية “يكمن في أن المنتجات المقلدة تكون بأثمان رخيصة الأمر الذي يدفع ذوي الدخل الضعيف الى الإقبال عليها بحيث لم يعد التقليد مقتصرا على المنتجات الفاخرة أو الكمالية بل أيضا على مواد مثل قطع غيار السيارات أو المواد الغذائية والأدوية”.
ويشير السيد بوعزاوي إلى أن المغرب اختار التدخل على مستوى التوعية والتحسيس سواء على مستوى المستهلك أو على مستوى المراكز الحدودية للمملكة أو من خلال إشراك أصحاب الشركات المنتجة أو على مستوى الغرف التجارية والتجار عموما. كما يعرف المغرب تجربة في مجال تكوين الإطارات المهتمة بعملية محاربة القرصنة والتقليد.
المسؤول المغربي يرى في مثل هذا الملتقى الدولي “فرصة للتعرف على تجارب الآخرين في هذا المجال”، لكنه يعتقد أن على كل بلد أن يبدأ بتوعيه الجمهور انطلاقا من المدارس بأهمية احترام الملكية الفكرية لأن في توعية المستهلك صيانة لحقوق المؤلف والمبدع والمنتج، وتجنيبا للمستهلك من استهلاك مواد مزورة أو مغشوشة.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
تكلف عملية التقليد والقرصنة الاقتصاد العالمي ما بين 150 و 170 مليار دولار سنويا
60% من الحالات التي يتم ضبطها في العالم تتم عن طريق مصالح الجمارك، وتصل النسبة في البلدان الأوربية الى 90%
ضبطت الجمارك الأوربية في عام 2005 اكثر من 75 مليون منتج مقلد أو مزور، وحوالي 500 مليون مادة غذائية مقلدة أو مزورة، وأكثر من 5 ملايين من الأدوية المزورة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.