تركيا: شدّ وجذب بين الحكومة والجيش
بعد انتهاء الحرب على العراق، وصف رئيس أركان الجيش التركي، حلمي أوزكوك العلاقات بين الجيش والحكومة بأنها "مثل الشعر"، وأن الجميع يعزف كما لو أنهم أوركسترا واحدة.
غير أن نتائج الحرب جعلت شهر العسل الحكومي العسكري ينتهي بسرعة.
إحدى أهم نتائج الحرب الأمريكية على العراق في تركيا هي تلك الأزمة التي لا تزال مستعصية على الحل، والتي ظهرت بين أنقرة وواشنطن. فمنذ قرار البرلمان التركي رفض المشاركة في الحرب في 1 مارس الماضي، والغضب الأمريكي من موقف تركيا يتصاعد ويعبر عن نفسه في مختلف المناسبات والمجالات، ومن أبرزها حديث مساعد وزير الدفاع الأمريكي بول ولفوفيتز في 5 مايو الماضي، والذي اتهم فيه تركيا، وخصوصا الجيش، بأنه “لم يقم بدوره الطليعي” أثناء الأزمة العراقية. وقد طالب ولفوفيتز تركيا بالاعتراف بخطئها، وهو ما فسّره الأتراك بأنه دعوة للاعتذار، الأمر الذي رفضوه بشدّة.
جعل التوتر الذي يلامس حدّ القطيعة بين تركيا وأمريكا، الأتراك أكثر قربا من الأوروبيين والاتحاد الأوروبي. وجعل الاتحاد الأوروبي يدرك للمرة الأولى أن تركيا ليست حصان طروادة لأمريكا. وقد عكس هذا “الشعور” وزير الخارجية عبد الله غول أثناء اجتماع في بروكسل في أواخر أبريل الماضي، عندما قال بأنه شعر، من دون تخطيط مسبق، أن تركيا أكثر قربا من أوروبا.
ويجد الأتراك أنفسهم للمرة الأولى أمام مرحلة جديدة “نوعية” في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. فهي فرصتهم للتقدم على هذا الطريق، وهي فرصة الأوروبيين لجذب تركيا خارج التأثير الأمريكي. وعلى هذا، يبدو “المشروع الأوروبي” الوحيد المتاح أمام تركيا في هذه الآونة، والأهم أنه يملك فرصة كبيرة للنجاح.
معايير كوبنهاغن
شروط التقدم التركي على طريق الاتحاد الأوروبي معروفة، وهي تطبيق معايير كوبنهاغن التي توجب إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية جذرية، والحكومات السابقة أقرت حتى الآن خمس رزم من الإصلاحات, آخرها قبل سنة في أغسطس 2002.
وقدمت حكومة حزب العدالة والتنمية، الإسلامي الحاكم، بمشروع رزمة جديدة، هي السادسة في هذه السلسلة، إلى البرلمان. والرزمة الجديدة تتضمن إصلاحات نوعية تعتبر انقلابا إذا أقرت، ومنها إلغاء المادة الثامنة من قانون مكافحة الإرهاب والسماح بالبث باللغة الكردية في محطات التلفزيون الخاصة.
ومنذ بدء “تحريك رزمة الإصلاحات الجديدة، كان الجيش التركي يدرك أن دوره آت في عملية الإصلاح، وأن البحث في دور الجيش في السياسة، وهو مطلب أوروبي أساسي، سيكون نقطة رئيسية في الرزمة السابعة أو الثامنة من الإصلاحات.
وحتى لا يصل العسكر إلى ذلك الاستحقاق، يتبع نهج إغراق الحكومة واستنزافها وتعطيل حركتها الأوروبية منذ الآن، عله ينجح في إحراجها أمام الأوروبيين فتخرج من السلطة. لذلك، عارض الجيش علنا البث باللغة الكردية وإلغاء المادة 8 من قانون مكافحة الإرهاب.
أكثر من ذلك، مضى الجيش في الضغط على الحكومة عبر بدعة قلق “الضباط الشبان” من ممارسات الحكومة، في إشارة إلى وجود مراكز قوى داخل الجيش مستعدة حتى للقيام بانقلاب عسكري، إذا تطلب الأمر ذلك.
وتبدو حكومة رجب طيب أردوغان مصممة على الإصلاحات التي تسعى لإقرارها من الآن وحتى نهاية شهر يوليو. وتصميم الحكومة واضح عبر إرسال المشروع إلى البرلمان من دون انتظار اجتماع مجلس الأمن القومي في 26 يونيو الجاري. وبالتالي، وضع العسكر أمام أمر واقع وفي مواجهة مع البرلمان الذي يمثل إرادة الشعب.
وتصميم الحكومة مردّه:
1 – ليس من خيار آخر متاح الآن، سوى خيار الاتحاد الأوروبي، والمضي في هذا الخيار هو أفضل ردّ على الولايات المتحدة الأمريكية.
2 – إن بقاء الحكومة والحزب في السلطة رهن بدعم الاتحاد الأوروبي. وهذا الدعم مرتبط بتقدّم الحكومة على طريق الإصلاحات السياسية. فإذا لم تنجح الحكومة في تمرير مشروعها الإصلاحي، فإنها ستفتقد لعناصر القوة في بقائها في السلطة.
إزاء تصميم الحكومة على مشروع الإصلاحات، وفي حال إقرار البرلمان للإصلاحات، فإن التساؤل الأساسي هو، ما الذي ستكون عليه ردّة فعل الجيش؟
يستبعد البعض، وهو الرأي الغالب، أن يبادر العسكر إلى أي انقلاب عسكري. فرئيس الأركان بنفسه صرّح مؤخرا بأنه يخجل من سماع كلمة “انقلاب”. ويعود هذا إلى العناصر التالية:
1 – إن العسكر لا يستطيع أن يتحمل النتائج السلبية على صورة تركيا في الخارج جرّاء أي انقلاب.
2 – سيفتقد الجيش الدعم الخارجي الأوروبي والأمريكي. والمعروف أن الانقلابات العسكرية السابقة كانت قد جرت بدعم البنتاغون. والآن، حتى البنتاغون رفع الغطاء عن العسكر التركي. لذلك، حتى وإن حصل انقلاب، فإنه لن يصمد طويلا وسينهار خلال أقل من شهر.
3 – إن مشروع الإصلاحات يحظى بدعم كامل من حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري العلماني الأتاتوركي، ومن مختلف الهيئات الاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني. وأي انقلاب عسكري يعني اصطدام الجيش مع مختلف فئات المجتمع التركي.
تركيا والحكومة والعسكر والبرلمان أمام امتحان جديد للديموقراطية. فبعد امتحان رفض المشاركة في الحرب الأمريكية على العراق، وما لم يتم التوصل إلى “حلول وسط” بين العسكر والحكومة، فإن واحدا من المعسكرين سيخرج منتصرا والآخر مهزوما. لكن انتصار الحكومة سيكون انتصارا لتركيا الأوروبية والحديثة، فيما انتصار العسكر سيكون هزيمة لمشروع التحديث.
محمد نور الدين – بيروت
تركيا:
المساحة 780،580 كلم2
عدد السكان: 67،309.000 نسمة
يمثل الأتراك 80% والأكراد 20% من عدد السكان
اللغات: التركية (رسمية)، الكردية، العربية، الارمنية، اليونانية
الناتج القومي الإجمالي: 443 مليار دولار
معدل الدخل الفردي السنوي: 6700 دولار
نسبة الإنفاق العسكري من الناتج القومي: 4،5%
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.