تركيا في عين العاصفة الشرق أوسطية
منذ اللحظة الأولى للهجوم الإسرائيلي على لبنان، وقفت تركيا، رسميا وشعبيا، إلى جانب الشعبين، اللبناني والفلسطيني.
وبدا رجب طيب اردوغان، على أنه “العربي” الوحيد بين العرب، الذين سهّـلوا بمواقفهم المنتقدة لحزب الله، استمرار ذلك الهجوم وتماديه في إلحاق أضرار غير مسبوقة ضد المدنيين اللبنانيين والبنى التحتية للبلاد.
انتقد اردوغان إسرائيل متسائلا: “هل مقابل خطف جنديين إسرائيليين، يسقط كل هذا العدد من المدنيين؟ إن هذا سلوك غير مقبول على الإطلاق. نريد أن نعرف ماذا تريد إسرائيل؟”.
أما على الصعيد الشعبي، فكانت اسطنبول السباقة إلى احتضان أولى التظاهرات الاحتجاجية ضد الهجوم الإسرائيلي، وأعرب مُـعظم الكتّـاب، من علمانيين وإسلاميين، عن تضامنهم مع لبنان مفنّـدين الأهداف الحقيقية للحرب، وصبّ هؤلاء الكتّـاب أيضا جمّ غضبهم على المواقف العربية والإسلامية المتواطئة أو الساكتة.
إبراهيم قره غول مثلا، تساءل في صحيفة “يني شفق” عن “فائدة وجود منظمات مثل جامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي؟ لقد ظهر جليا أنها مجرد هيئات تابعة للولايات المتحدة الأمريكية”. وحمّـل السيد قره غول السعودية مسؤولية رئيسية في “التغطية على العدوان”، منتقدا الفتاوى السعودية بتحريم دعم حزب الله.
وكان الأتراك السباقين أيضا إلى إرسال أول وفد تضامن مع لبنان، عندما قدم إلى دمشق وبيروت مجموعة من المثقفين المنضوين ضمن “مؤتمر الشرق”، الذي يضم شرائح علمانية وإسلامية وخلافها.
وكانت وسائل الإعلام التركية نشطة جدا في تغطية الحرب على لبنان، وساهمت مشاهد القتل والدّمار في رفع نسبة الكراهية لإسرائيل والولايات المتحدة إلى أكثر من 90%، هي التي لم تنخفض يوما عن 80%.
“لعبة مكشوفة”
في هذا المناخ بالضبط، خرجت صحيفة “حرييت” بعنوان مثير أقل ما يقال فيه إنه محاولة لتحسين صورة إسرائيل، وحظي بنقاشات واسعة. قالت الصحيفة، إن على تركيا أن تفعل مثل إسرائيل وتهاجم مواقع حزب العمال الكردستاني (PKK) في شمال العراق، بهذا الخبر كان يُـراد ضرب عصفورين بحجر واحد:
· جرّ تركيا إلى الموقع نفسه، الذي توجد فيه إسرائيل، بحيث تبدوان في جبهة واحدة ضد “الإرهاب”.
· تخفيف الكراهية ضد إسرائيل داخل تركيا، وتبرير ما تقوم به في لبنان.
هذه اللعبة كانت مكشوفة منذ اللحظة الأولى وتصدى لها، العلمانيون كما الإسلاميون. ممتازير توركينيه، الكاتب المعروف، اعتبر تشبيه تركيا بإسرائيل بأنه إهانة للدولة والأمة التركيتين.
والمفكر اليساري شاهين ألباي قال “إن إسرائيل لا يمكن أن تكون نموذجا لتركيا”. إن الأمن لا يكون فقط بتدابير عسكرية، بل كذلك باحترام القانون الدولي الذي تضربه إسرائيل في لبنان عرض الحائط. إسرائيل، يقول ألباي، “لا يمكن ولا بأي معنى أن تكون نموذجا لتركيا”.
سميح ايديز، الكاتب في “ميللييت”، يقول “إن معركة تركيا ضد الإرهاب لا يمكن أن تكون على طريقة الإجرام الإسرائيلي. إن الإجرام الأعمى ليس لتركيا”.
الزعيم السابق لحزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني، ألتان اويمين، كرّر بأن لا مكان للنموذج الإسرائيلي في تركيا.
توريط تركيا في الوحل الشرق أوسطي؟
إلى التشبيه بإسرائيل، ظهر اقتراح آخر، وهو أن تكون تركيا جزءا من أية قوة دولية قد تتشكّـل لإرسالها إلى جنوب لبنان، بل أكثر من ذلك، أن تكون تركيا إلى جانب فرنسا قائدة لهذه القوات.
ويرى العديد من المراقبين الأتراك أن مثل هذا الاقتراح سابق لأوانه، ما دام لم يتحقق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان. أما مصادر الخارجية التركية فوصفت هذه الأنباء بأنها اختلاقات، وهدفها جسّ النبض ليس إلا.
إسرائيل بدورها، تشجّـع هذه الفكرة. فتركيا عضو في حلف الناتو، كما أن جيشها محترف جدا ومدرب جيدا(!)، وهذا يفتح على اعتبار ذلك، محاولة لتوريط تركيا في الوحل الشرق أوسطي.
يقول اينال باتو، النائب اليساري العلماني: “إن على تركيا ألا تكون جزءا من أية قوة دولية، لأن ذلك يعني الصِّـدام مع حزب الله، وهذا هدف أمريكي –إسرائيلي، اللعبة هنا هي إضعاف إيران عبر ضرب حزب الله، أما السلام فمجرّد خرافة”.
أما صحيفة “راديكال” العلمانية، فترى أن الغاية من ذلك، إبعاد تركيا عن جبهتها الأساسية مع حزب العمال الكردستاني والتورط في صراع لا جدوى منه.
ثم أن مثل هذه المشاركة تحتاج، حسب الدستور، إلى موافقة البرلمان، وليس ما يؤكّـد ضمان هذه الموافقة في ظل غياب سلام نهائي، وهذا سيعرِّض الجنود الأتراك إلى القتل المجاني.
تركيا: هدف محتمل لاحقا
في المحصّـلة، لا تقع تركيا خارج الحرب الدائرة في الشرق الأوسط. فالشرق الأوسط الجديد، حسب كوندوليزا رايس، ليس سوى تحطيم قوى الممانعة في المنطقة. أما تركيا، ورغم تقاطعات المصالح مع أمريكا، فإنها لا تقع بعيدا عن الاستهداف.
إن الخلافات بين أنقرة وواشنطن متعدّدة وعميقة في أكثر من ملف أساسي: لبنان وفلسطين والعراق وحزب العمال الكردستاني والدولة الكردية في شمال العراق والبرنامج النووي الإيراني والعلاقات مع سوريا…الخ.
كل ذلك يجعل تركيا هدفا محتملا في مرحلة لاحقة، لذا، أمام أنقرة خيارات دقيقة وصعبة تأخذ في الاعتبار مصالحها وانتماءها.
د. محمد نورالدين – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.