تركيا من جديد في الدوامة العسكرية
لو أن ما قام به الجيش التركي يوم 27 أبريل الماضي قد وقع قبل عشر سنوات أو حتى قبل خمس سنوات، لربَّـما وجد بعض التفهم.
أما أن يحدث ذلك بعد سلسلة إصلاحات سياسية غير مسبوقة وتقدم اقتصادي نادر، وفي غمرة مفاوضات العضوية مع الإتحاد الأوروبي واتساع الدور التركي في الشرق الأوسط ومحيطها الإقليمي، فهو ما يدعو للتعجُّـب ويضعه في دائرة العواقب الوخيمة القصوى.
كل شيء كان يُـوحي بأن انتخابات رئاسة الجمهورية التركية المقررة ليوم 27 أبريل الماضي ستجري بصورة طبيعية، رغم الاحتجاجات العِـلمانية على احتمال ترشيح رئيس حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة رجب طيب اردوغان إلى الرئاسة، ومع امتناع اردوغان عن الترشح وأدا للتوتر، كان ترشيح عبدالله غُـل، وزير الخارجية المعتدل للرئاسة، والذي حظي بتأييد الإتحاد الأوروبي.
باعتراف قادة العدالة والتنمية أنفسهم، لم يكن أحد يتوقع أن يصل الأمر الى المحكمة الدستورية. فالنص الدستوري، كما السوابق الإنتخابية، لم تكن تشترط بدءً من الدّورة الثالثة للاقتراع الثلثين، نِـصابا للجلسة ولا شرطا لنجاح المرشّح، لكن المحكمة الدستورية قضت يوم 1 مايو الجاري، أنه يلزم الثلثين نِـصابا لكل دورات الإقتراع.
وبما أن حزب العدالة والتنمية كان يمتلك 354 مقعدا، أي أقل بـ 13 مقعدا من الثلثين من أصل 550، هو مجموع أعضاء البرلمان، فقد بدا قاطعا أن قرار المحكمة قد طوى إمكانية انتخاب رئيس جديد، ما دام حزب العدالة والتنمية غير قادر على تأمين نِـصاب الثلثين.
إنها معركة دستورية، لكن في الشكل فقط. فإنذار منتصف اللَّـيل، الذي نشرته رئاسة أركان الجيش على موقعها على شبكة الإنترنت الساعة الحادية عشرة مساء الجمعة 27 أبريل الماضي، كان علامة فاصلة بين مرحلتين، ومحطة أخرى تُـضاف إلى تواريخ الانقلابات العسكرية المباشرة أعوام 1996 و1971 و1980، وغير المباشرة عام 1997.
مفاجأة غير مُـتوقعة
قبل أسبوع فقط من بيان الجيش، كان رئيس الأركان ياشار بويوك انيت يقول علنا، إن الجيش سيحترم العملية الدستورية وسينتظر الأفعال ليحكُـم على الرئيس الجديد، غير أن المفاجأة التي لم يكن يتوقُّـعها احد، جاءت من حيث لم يحتسب أحد، بمن فيهم عبدالله غُـل، الذي ينقل عنه الكاتب المعروف فهمي قورو أنه قال “إنها مفاجأة حياتي”.
سواء كان لإنذار الجيش طعم المفاجأة أو حتى الغدر، فالصراع في السياسة لا يعترف بالمغدورين والضحايا والنوايا الحسنة، بل بالنتائج.
لم تكن المسألة تتَّـصل برئيس زوجته محجَّـبة أم لا، بل هو صراع بين مشروعين: مشروع حزب العدالة والتنمية، الذي يرى أن نُـهوض تركيا وتقدّمها واستقرارها لا يتحقق إلا بإرساء نظام من قِـيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، واندماج الاقتصاد بالنظام العالمي، وهذا ممكن فقط عبر تعزيز العملية التفاوضية مع الإتحاد الأوروبي، وبقيام تركيا بدور حيوي متصالح ومتفاعل مع محيطاتها المختلفة، وهذا يعني الإنفتاح على العالم العربي والإسلامي.
أما المشروع الثاني، فتحمله القوى المتشدّدة من العِـلمانيين والقوميين واليساريين المتضررين من رؤية إسلاميين ينجحون في أن يكونوا ديمقراطيين أكثر من العِـلمانيين، وهذه القوى ترى في مشروع العدالة والتنمية خطرا على وحدة الأراضي التركية وعلى روح الأمة والهوية التركية، كما على طبيعة النظام العلماني.
لكن السؤال الذي يُـطرح: لماذا سكتت هذه القوى، وفي مقدمها المؤسسة العسكرية، كل هذا الوقت قبل أن تتحرك وتقطع الطريق على أحد ركائز هذا المشروع، أي رئاسة الجمهورية؟ الجواب هو أن موقع الرئاسة كان بيدٍ أمينة بالنسبة لهم، وهو الرئيس الحالي أحمد نجدت سيزير، حتى إذا حان موعد استحقاق الرئاسة، تحرّكت القوى العلمانية والعسكرية مجتمعة مكشّرة عن أنيابها.
فموقع رئاسة الجمهورية، وإن كان لا يتمتع بصلاحيات كثيرة، إلا انه مؤثر جدا بالنسبة لمؤسسات غير مُـنتخبة، ودورها فعَّـال وحاسم. فالرئيس يُـعيِّـن أعضاء مؤسسات المحكمة الدستورية والقضاء والسفراء ومجلس التعليم العالي وكبار الموظفين، ويردّ قرارات الحكومة والقوانين، عندما يريد.
نظام “الدولة المتجذّرة”
نظام “الدولة المتجذّرة”، يتكون بالضَّـبط من هذه المؤسسات، حتى إذا سقط موقع الرئاسة بيد إسلامي، انكشفت كل هذه المؤسسات أمامه. من هنا، جاء إقدام العسكر وبصورة علنية ومكشوفة على انتهاك حدوده والتدخَّـل في السياسة والضغط على المحكمة الدستورية، حتى لو كان الثمن إعادة تركيا عقودا إلى الوراء، وكأن شيئا لم يحصل في العالم وفي تركيا خلال السنوات الأربع الماضية.
كسب الجيش الجولة الأولى، إذ حال دون وصول إسلامي إلى الرئاسة، وهو ما دعا صحيفة يني شفق المؤيدة لأردوغان إلى وصف قرار المحكمة الدستورية بأنه اغتصاب للرئاسة، بل كذلك استمرار الرئيس الحالي في موقعه تبعا للمادة 102 من الدستور إلى حين انتخاب رئيس جديد، إلى ما بعد إجراء انتخابات نيابية مبكّـرة في 22 يوليو المقبل.
المحطة الثانية من تحرّك الجيش وقوى الدولة المتجذرة، هي إضعاف حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات المذكورة، والتركيز سيكون على إدخال أكبر عدد ممكن من الأحزاب من خلال الضغط عليها للتوحّـد، يمينا ويسارا ووسطا، لتتمكَّـن من الحصول على نسبة 10% الضرورية لدخول البرلمان، وبقدر ما يكثر عدد الأحزاب الممثلة في البرلمان، بقدر ما تتراجع نسبة تمثيل حزب العدالة والتنمية فيه.
يريد العسكر استنفاذ كل الوسائل السياسية للإطاحة بسلطة العدالة والتنمية، بدأ ابالمحكمة الدستورية، والآن يشتغل على التحالفات الإنتخابية ومنع امتلاك حزب العدالة والتنمية نسبة الثلثين في البرلمان، حتى إذا فشلت الخطوة الأخيرة، تتحرك آلة “الدولة المتجذرة”، وهذه المرّة عبر فتح تحقيق حول تصريح اردوغان من أن قرار المحكمة الدستورية “طلقة على الديمقراطية”، فتنزع عنه الحصانة النيابية ويُدخل السِّـجن مرة أخرى، هذا إن لم يكن مصيره مثل عدنان مندريس، أي الشنق. ومن بعد ذلك يُفَـبرك مِـلف ضد حزب العدالة والتنمية، فيكون مصيره الحظر وليس بأفضل من سابقيه الرفاه والفضيلة.
قد يكون هذا السيناريو غريبا، لكن هذا ما تلهج به هذه الأيام أقلام الكتّاب الأتراك، وكأن تركيا لم تمر بفترة إصلاح داخلها وكأن العالم لم يتغير من حولها.
تجربة فريدة .. ومحاولات لوأدها
بماذا يردّ حزب العدالة والتنمية، وهل الأمور لا تزال هكذا سهلة أمام العسكر ليفعل ما يريد؟
الجواب متَّـصل بإرادة حزب العدالة والتنمية وكوادره، وبغياب عصبية أيديولوجية (الحزب أقرب إلى تجمع من أي شيء آخر)، لا يبقى أمام العدالة والتنمية سوى السُّـبل السلمية والاحتكام إلى الشعب، الجهة الوحيدة التي تحميه من غدرات أعداء الديمقراطية، لذلك، تتوجه كل قوى حزب العدالة والتنمية إلى تحشيد الشعب خلفهم، ليس فقط من أجل الفوز بالأكثرية المطلقة، فهذه تبدو في متناول اليد، بل من أجل الفوز بثلثي مقاعد البرلمان، التي تُـخوّل الحزب انتخاب رئيس الجمهورية الذي يريد، وبالتالي، الثأر من كل خصومه.
إن ظهور الحزب بمظهر الضحية، وهو فعلا كذلك، قد يجلب له أصوات إضافية، لكن أيضا فإن انتصارا كاسحا للحزب في البرلمان سيضعه أمام مواجهة ربَّـما أشرس مع الجيش والقوى المتجذرة، ما يضع البلاد أمام احتمال انقلاب عسكري مباشر. إن مثل هذه السيناريوهات القاتمة، قد تدفع الناخب التركي إلى التصويت بصورة تضمن توازنات في البرلمان، وتستبعد طغيانا لحزب على الآخرين.
أعاد إنذار منتصف الليل العسكري عقارب ساعة الديمقراطية عقودا إلى الوراء، لكن بقدر ما يفترض احترام الديمقراطية، فإن على حزب العدالة والتنمية تقديم ضمانات أكثر على احترامه النظام العِـلماني وخصوصيات الأقليات العرقية والمذهبية، ويرى مراقبون أنه كان على الحزب أن يكون أكثر إقداما في هذه المسائل، التي كان يمكن لو قام بها، أن ينزع مثلا الورقة العلوية من تحت أقدام قوى الدولة المتجذرة وأن يُوسع قاعدته المجتمعية ويحول دون محاصرته والإستفراد به.
مهما يكن من أمر، فإن ما جرى يوم 27 أبريل 2007 في تركيا، كان انقلابا ما بعد حداثي جديد ( postmodern ) تماما، مثل الانقلاب المقنع الذي نفذ يوم 27 فبراير 1997 ضد نجم الدين اربكان.
وخلاصة القول، أن محاولات تجري لوأد تجربة فريدة من نوعها في تركيا تجمع بين العلمانية والمصالحة مع الهوية الإسلامية للمجتمع. وبقدر ما كان العالم الإسلامي ينظر بإعجاب وأمل إلى هذه التجربة، بقدر ما يشعر اليوم أنها معرَّضة للسقوط قبل أن تتفتَّـح بعض براعِـمها في هذا العالم الإسلامي المثقل بالإستبداد والفساد. ومع ذلك، يبقى الرهان مرّة أخرى على الشعب التركي لينتصر للديمقراطية بشكل حاسم.
محمد نورد الدين – بيروت
أنقرة (رويترز) – قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يوم الثلاثاء 8 مايو، إن حكومته ستطلب إجراء انتخابات عامة مبكّـرة يوم 24 يونيو أو أول يوليو في محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة السياسية الحالية.
وقال اردوغان أيضا في مؤتمر صحفي أذيع تلفزيونيا، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يخوض نزاعا مع المعارضة العلمانية بخصوص مرشحه لمنصب الرئيس، يريد أن ينتخب الشعب التركي الرئيس لا أن ينتخبه البرلمان، وأضاف أن الحزب يريد خفض مدة البرلمان إلى أربع سنوات من خمس حاليا.
و قال اردوغان إنه أكد للاتحاد الأوروبي أن تركيا ستعود إلى “العملية الديمقراطية العادية” بعد قراره الدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة.
وقال اردوغان أيضا، إنه يتوقع أن تتحسن أسواق المال التركية في الأيام القليلة القادمة مع “خطواتنا الإيجابية على الصعيد السياسي”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 مايو 2007)
دياربكر (تركيا) (رويترز) – قالت مصادر أمنية يوم الاثنين 7 مايو، إن القوات التركية تساندها طائرات الهليكوبتر، بدأت عملية عسكرية ضد المتمردين الأكراد الانفصاليين بعد مقتل جنديين وخمسة من المتمردين خلال اليومين الماضيين، وأضافت أن آلاف الجنود يشاركون في العملية التي تدعمها طائرات هليكوبتر من طرازي كوبرا وسيكورسكي ضد متمردي حزب العمال الكردستاني المحظور في أودية إقليم سيرناك الجبلي قرب الحدود العراقية.
ويتصاعد القتال في الربيع مع ذوبان الثلوج وعبور المتمردين الحدود من قواعدهم الجبلية في منطقة شمال العراق، التي يحكمها الأكراد، حيث تواصل أنقرة حث الولايات المتحدة على القيام بحملة على المسلحين. وقالت المصادر إنه تم تشديد إجراءات الأمن على طول الحدود مع العراق، التي تراقبها طائرات حربية من طراز إف-16 خلال النهار وكاميرات حرارية أثناء الليل.
وقتل أكثر من 30 ألف شخص في الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، منذ بدأ الحزب المحظور تمرده المسلح من أجل إقامة وطن قومي في منطقة جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 مايو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.