تساؤلات حول الإطار القانوني للمعتقلين!
الاهتمام بالتعذيب في سجن أبو غريب يجب ألا يصرف الانتباه عن الإطار القانوني غير الواضح الذي يوجد فيه عشرات الآلاف من المُعتقلين العراقيين.
في حديث خصت به سويس إنفو، تحدثت رئيسة فريق العمل الأممي المكلف بالاعتقال التعسفي عن الغموض المحيط بتصنيف هؤلاء المعتقلين في غياب نظام قضائي فعلي.
أثارت الصور، التي تناقلتها وسائل الإعلام عن التعذيب الذي تعرض له المعتقلون في سجن أبو غريب، موضوع المعتقلين العراقيين عموما. وطرحت أسئلة عديدة عن كيفية تصنيفهم، والقوانين التي تطبق عليهم، وموقف القانون الإنساني والدولي من أوضاعهم.
وهي أسئلةٌ طرحتها سويس إنفو بدورها على رئيسة فريق العمل التابع للأمم المتحدة المكلف بالاعتقال التعسفي، الجزائرية ليلى زروقي.
تحدد السيدة زروقي عدة تصنيفات للمعتقلين العراقيين. فهناك أولا المحاربون الذين تم توقيفهم أثناء الصراع المسلح بغرض أضعاف الخصم، والذين تجب معاملتهم وفقا للقانون الإنساني الدولي بصورة لا تمس بكرامتهم أثناء فترة الاعتقال، والإفراج عنهم بعد انتهاء الصراع المسلح وبدون تعريضهم لأية محاكمة.
وهناك المدنيون الذين يتم اعتقالهم أثناء الصراع المسلح ولأسباب أمنية، والذين يجب إخضاعهم بشكل دوري (أي كل ستة أشهر) لمراجعة أسباب اعتقالهم، واتخاذ قرار بناءا على ذلك إما الإفراج عنهم أو الاستمرار في اعتقالهم مع احترام كرامتهم وعدم تعريضهم لأي تعذيب، كما يجب الإفراج عنهم مع انتهاء الصراع.
وأخيرا هناك المعتقلون الموقوفون في إطار القانون العام وبموجب تطبيق القانون الجنائي.
من له صلاحية تحديد هذه الفئات في العراق اليوم؟
يجدر القول إن فريق العمل الأممي كان قد قرر عند تأسيسه في العام 1991 عدم الاهتمام بأسرى الحرب، نظرا لكون ذلك من اختصاص اللجنة الدولية للصليب الأحمر والقانون الإنساني الدولي. لكن ما يقلق السيدة زروقي هو الغموض السائد حول الجهة التي لها صلاحية تحديد هذه الفئات من المعتقلين في العراق اليوم في ظل غياب نظام قضائي فعلي، ناهيك عن وجود أشخاص لا ينتمون إلى كل هذه الفئات ضمن المعتقلين.
ويشكل عدد المعتقلين والأسرى في السجون العراقية عنصر غموض آخر في نظر السيدة زروقي، التي تعتمد فقط على ما تداولته وسائل الإعلام الدولية من أرقام تتراوح بين 11000 و 13000 معتقل وأسير.
وهو ما دفع فريق العمل بعد اجتماعه الأول هذا العام في نهاية شهر مايو في جنيف، إلى توجيه طلب إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والى السلطات العراقية، لتقديم توضيحات حول العدد الرسمي لهؤلاء المعتقلين والأسرى في السجون العراقية وحول طريقة تصنيفهم.
رئيسة فريق العمل المكلف بالحبس التعسفي السيدة ليلى زروقي كانت من بين الشخصيات الأممية القليلة التي سارعت إلى إصدار بيان، أدانت فيه الممارسات التي تعرض لها سجناء سجن أبو غريب بعد نشر الصور مباشرة.
رغم ذلك، فقد نبهت في لقائها مع سويس إنفو إلى أن “مهمة فريقها لا تشمل موضوع التعذيب إلا إذا كان ذلك سببا في الحصول على اعترافات تقدم ضد الشخص في اتهامه”، وأوضحت أن المهمة الأساسية لفريقها تتمثل في “مراعاة ظروف السجين قبل المحاكمة وأثناء المحاكمة وبعد المحاكمة”، كحقه في الحصول على محام وفي زيارة أقاربه له.
وهي المعلومات التي يتوجب على كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وعلى السلطات العراقية توفيرها.
الحقوق يمكن المطالبة بها بعد عملية الإفراج
على صعيد أخر، ونتيجة لإفراج سلطات الاحتلال عن عدد كبير من المعتقلين العراقيين بعد فضيحة صور التعذيب في سجن أبو غريب، استفسرت سويس إنفو من السيدة زروقي عن نوعية الحقوق التي يتمتع بها من أفرج عنهم بموجب القوانين والأعراف الدولية.
تفرق الخبيرة الأممية، التي رحبت بأي إفراج يتم في هذا الصدد، بين المعتقلين الذين أوقفوا بموجب اتفاقية جنيف، وعوملوا معاملة حسنة، ولم يتعرضوا للتعذيب، ثم تم الإفراج عنهم بدون محاكمة، وبين الأشخاص الذين تعرضوا للتعذيب. فالفئة الأخيرة يحق لها المطالبة بالتعويض وبإعادة الاعتبار لكرامتهم.
وتلفت السيدة زروقي إلى أن مهمة فريق العمل المكلف بالحبس التعسفي تنتهي بمجرد الإفراج عن السجين، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى وجود ميكانزمات أخرى قادرة على إعانة ومساندة السجين في المطالبة بحقوقه بعد عملية الإفراج.
لا انتقائية في التعامل!
كيف يشعر المدافعون عن حقوق الإنسان وهم يرون أن من كان يطالب باحترام تلك المعايير بالأمس هم الذين ينتهكونها اليوم؟ السيدة زروقي ترد قائلة “إن ذلك محبط وخطير”.
فهي تعتبر أنه “إذا كان انتهاك المعايير الدولية من طرف بلد، لا يحترم أصلا هذه المبادئ، أمرا مقبولا، فإن ما يضعفنا كهيئات هو صعوبة الحديث عن معايير تنُتهك على المستوى الدولي”.
ولكنها ترى في نفس الوقت أن الحديث عن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل والصين والجزائر وغيرها من الدول، عندما تمارس فيها انتهاكات، يعطي المدافعين عن حقوق الإنسان “مزيدا من المصداقية ويدلل على عدم ممارستهم الانتقائية”.
وتتذكر السيدة زروقي أنها قالت أمام أول اجتماع للجنة الفرعية لحقوق الإنسان بعد إقامة معسكر جوانتانامو، والشروع في تطبيق إجراءات محاربة الإرهاب: ” بمن يمكننا الاقتداء نحن خبراء الجنوب لإقناع دولنا وهيئاتنا بضرورة احترام المعايير الدولية؟”
السيدة ليلى زروقي هي من بين الخبراء الأممين القلائل الذين دافعوا عن احترام معايير حقوق الإنسان بغض النظر عما إذا كانت الدولة المنتهكة من الجنوب أو الشمال، لكن هذا الموقف لا ينطبق مع الأسف على كل دعاة عالمية معايير حقوق الإنسان.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.