تساؤلات في عراق ما بعد الانتخابات
"إقامة نظام حكم إسلامي شيعي في العراق على غرار النموذج الإيراني".. أو "إقامة دولة كردية مستقلة".. أو "نشوب حرب أهلية بين الأطراف الأساسية"؟
3 احتمالات باتت تثير مخاوف متصاعدة بعد الإنتخابات التي تميزت بمقاطعة أغلبية السنة، والتقدم الكبير للائحة الشيعية، فضلا عن الاستفتاء الذي أيدت فيه الأغلبية الساحقة من الأكراد فكرة الانفصال.
مع مقاطعة أغلبية السنة العراقيين للانتخابات، وتقدم اللائحة الشيعية التي يدعمها المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني بحصولها على قرابة ثلثي الأصوات، واستفتاء للأكراد أسفر عن موافقة 95% منهم على ضرورة الانفصال بدولة كردية مستقلة، بدأت المخاوف تتصاعد إزاء احتمال من ثلاثة:
أولا: إقامة نظام حكم إسلامي شيعي في العراق على غرار النموذج الإيراني.
ثانيا: إقامة دولة كردية مستقلة تمهد لتفتيت العراق إلى ثلاث دويلات.
ثالثا: نشوب حرب أهلية يحاول فيها كل طرف من الأطراف العراقية الأساسية تحقيق مصالحه وفرض أجندته السياسية في وقت يسعى فيه من يُوصفون بـ “المتمردون” إلى نشوب تلك الحرب.
“تمسك أمريكي بوحدة العراق”
سألنا السيد آدم إيرلي نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية عن تقييمه للاحتمالات الثلاثة فقال: “مع أن هناك احتمالا بأن تتمخض الانتخابات العراقية عن نظام سياسي يضم جانبا هاما من رجال الدين وأن يكون للعلماء المسلمين مستوى من التأثير والنفوذ في مؤسسات الدولة العراقية وفي عملية صياغة الدستور العراقي الدائم، فإنه من غير المحتمل أن ينتخب الشعب العراقي حكومة تدير البلاد على غرار النموذج الإيراني، وذلك لاختلاف المجتمع العراقي الذي ضم عبر تاريخه الطويل فئات عرقية ودينية مختلفة لا يصلح معها النموذج الإيراني”.
كما أن العلاقات المضطربة مع النظام الإيراني والتي عانى منها الشعب العراقي لا تقود إلى احتمال قيام علاقة تحالف بين نظام الجمهورية الإسلامية في طهران وبين الحكومة العراقية الجديدة.
وفيما يتعلق بتصويت غالبية عظمى من الأكراد لصالح الاستقلال عن العراق، قال السيد إيرلي إن الولايات المتحدة ستواصل التمسك بضرورة الحفاظ على وحدة وسلامة التراب العراقي، ولن تساند أي مطالبة للأكراد بالانفصال، خاصة وأنه يمكن الحفاظ على وحدة العراق من خلال دستور دائم يوفر الحريات الأساسية ويضمن حقوق الأقليات، ومن خلال إقامة حكم فيدرالي يمكن أن ينعم فيه الأكراد بالحكم الذاتي.
ونبه نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة تنظر بجدية إلى الخطر الذي تمثله محاولات أبو مصعب الزرقاوي لإشعال فتيل حرب أهلية في العراق وإثارة مناخ من الفوضى الاجتماعية يتمكن خلالها من تحقيق أهدافه.
وأشار إلى أن التلويح بخطر تفتيت العراق سبق واستخدمه صدام حسين كمبرر لبقائه في حكم أساسه القمع وإلا تفتتت وحدة التراب العراقي، وقال إن الولايات المتحدة تعتقد أن ما سيحدث في العراق سيكون سلميا وبالاتفاق بين القوى السياسية المتنوعة، ولكن إذا قررت تلك القوى من خلال صياغة الدستور والتوافق فيما بينها تغيير الصيغة العراقية فهذا شأنهم، غير أن الولايات المتحدة ترى أن العراق يجب أن يبقى دولة موحدة لصالح الشعب العراقي ككل ولصالح الاستقرار في المنطقة.
تداخل المصالح الأمريكية والإسرائيلية
ويختلف الدكتور كلوفيس مقصود، السفير السابق للجامعة العربية في الأمم المتحدة ومدير مركز دراسات الجنوب في الجامعة الأمريكية في واشنطن، مع ذلك التحليل، إذ يرى أن المسؤولين الأمريكيين منذ بداية الحرب على العراق دأبوا على “ترسيخ الانقسامات بين المكونات الأساسية لنسيج المجتمع العراقي بالإشارة إلى الأكراد في الشمال، والمثلث السني في الوسط، والشيعة في الجنوب”، ولم يهتموا بوحدة التراب العراقي قدر اهتمامهم بتحويل المنطقة العربية وامتدادها الشرق أوسطي في إيران وأفغانستان إلى “الساحة الوحيدة المرشحة لتمكين الولايات المتحدة من بلورة هدفها الإمبراطوري الرسولي”على حد تعبيره.
وقال: “إن ما يفسر إصرار الرئيس بوش وفريق المحافظين الجدد في حكومته على تأكيد أن الولايات المتحدة تقف في جانب الحق فيما تقوم به في العراق هو إصرار على عدم الاعتراف بالخطأ وإثبات المغزى الرسولي للدور الإمبريالي الذي تقوم عليه السياسة الأمريكية منذ تولى الرئيس بوش الحكم قبل أربعة أعوام، والذي اعتبر من البداية أن العراق هي محك الرضوخ للسياسة الأمريكية وأن التعاون الدولي مع المشروع الأمريكي في العراق هو مقياس للصداقة الأمريكية مع دول العالم”.
ونبه الدكتور كلوفيس مقصود إلى أن ذلك التركيز على الوضع العربي يعني أن الأمة العربية والشرق الأوسط أصبحت نقطة الارتكاز في السياسة الأمريكية عالميا، كما تبنت فئات المحافظين الجدد المتصهينين الترويج للربط بين النفاذ إلى الدافع الإمبريالي وبين أهداف دينية لكسب التعاطف بين اليمينيين المسيحيين لتك السياسات.
وتطرق الدكتور مقصود إلى الحديث عن الانتخابات في العراق فقال إن المحافظين الجدد الذين نجحوا في جعل إسرائيل محورا لمشروع الهيمنة الأمريكي على مصير المنطقة العربية ومستقبلها سرعان ما استخدموا الانتخابات التي جرت في العراق لتبرير الغزو وتغطية أكاذيبهم وخرقهم للشرعية الدولية وتفسير تلك الانتخابات بأنها مدخل للحملة “الرسولية” التي يريد الرئيس بوش القيام بها في المنطقة العربية تحت غطاء نشر الديمقراطية.
مخاوف من الاستراتيجية الإسرائيلية
ويخشى بعض زعماء الجالية العراقية الأمريكية من السنة من التلميحات الصادرة من الفئتين الرئيسيتين الأخريين في العراق إزاء مستقبل العراق بعد الانتخابات، حيث دعت صحيفة الاتحاد التي تصدرها جماعة الأكراد (التي تساند جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني) إلى تقبل حقيقة أن العراق “لن يبقى موحدا بنهاية العام الحالي وأن ذلك سيكون أفضل لكافة الأطراف العراقية”.
كما رحب الدكتور على العطار، أحد الناشطين العراقيين الأمريكيين الشيعة، بأن الانتخابات العراقية ستفضي لأول مرة إلى “انتقال الشيعة من المقعد الخلفي إلى مقعد القيادة”.
ومع مقاطعة السنة للانتخابات وإصرارهم على تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية، تزداد مخاوف البعض من أن تلك الانتخابات قد تتمخض في نهاية المطاف عن قيام “أول دولة عربية شيعية”.
من جهة أخرى، تخشى أوساط عربية وإقليمية من أن تتجه الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة (بعد زوال القوة العسكرية العراقية) إلى مزيد تشجيع الأقليات داخل الدول العربية على التعبير عن ذاتها والمطالبة بحق تقرير المصير وذلك من أجل استخدام النزعات الانفصالية في التأكيد على “عدم صحة اعتقاد العرب بوحدتهم ثقافيا وحضاريا، وإبراز أن المجتمعات العربية ما هي إلا خليط منوع من الثقافات والأصول العرقية والدينية المختلفة لكل منها تاريخها”، حسب رأي هذه الأوساط.
ويذهب نفس الرأي إلى أن إسرائيل تهدف من ذلك (حسبما ورد مؤخرا في كتاب صادر عن مركز دايان للأبحاث في جامعة تل أبيب) إلى “إلغاء مفهوم القومية العربية والقضاء على فكرة الوحدة العربية، ومن ثم تبرير الوجود الإسرائيلي في المنطقة طالما أنها تضم خليطا من القوميات”، ولذلك يشكل التعدد العرقي والقبلي والديني في العراق فرصة لإذكاء تلك النعرات الانفصالية الكامنة أو المقموعة.
الجدل مستمر حول الانسحاب
ومع أن هناك نصائح كثيرة من الخبراء الأمريكيين لإدارة الرئيس بوش بأن مجرد قبول فكرة الانسحاب الأمريكي المنظم من الأراضي العراقية قد ينزع فتيل الاحتمالات الخطرة التي تنتظر عراق ما بعد الانتخابات وتقليص حجم المساندة للتمرد أو المقاومة المسلحة، فإن الرئيس بوش واصل رفض الجدول الزمني للانسحاب.
وقال في خطابه عن حالة الاتحاد الأمريكي إن الانسحاب سيرتكز على “رغبة وقدرة القوات العراقية على مقاومة أعداء العراق والحفاظ على أمن البلاد”. وسارع السناتور الديمقراطي إدوارد كينيدي إلى المطالبة بسحب القوات الأمريكية من العراق والسماح للأمم المتحدة بتولي مهمة مساعدة العراقيين على صياغة دستورهم الدائم.
وحذر كينيدي، (الذي حدد جدولا زمنيا يتم بمقتضاه سحب القوات الأمريكية من العراق في العام القادم)، من أن دورة العنف في العراق ستتصاعد إذا استمر الوجود العسكري الأمريكي هناك حيث تحولت الحرب إلى حرب ضد الاحتلال الأمريكي وهو ما حدث في فيتنام قبل أربعين عاما.
كذلك تساءل النائب الديمقراطي مارتن ميهان: “ألم يحن الوقت لنقر بأننا لا نقاتل في العراق، فلول النظام السابق ولا إرهابيين تسللوا للعراق من الخارج وإنما نقاتل في معظم الأحيان جماعات عراقية توحدت لمقاومة القوات الأمريكية؟”.
من جانبها اتهمت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي الرئيس بوش بأنه “لم يقدم خطة واضحة لإنهاء الوجود العسكري الأمريكي في العراق في وقت يدرك فيه الجميع أنه ليس بوسع القوات الأمريكية أن تبقى في العراق إلى أجل غير مسمى”.
أما النائب الديمقراطي تشارلس رانجل فقال: “إن الرئيس بوش لم يهتم بتقدير عدد الجنود الأمريكيين الذين سيلاقون حتفهم في العراق لمجرد رفضه الإعلان عن جدول زمني للانسحاب”. غير أن السناتور الجمهوري البارز جون ماكين أعرب عن اعتقاده بأن “الرئيس بوش لديه استراتيجية للخروج من العراق تعتمد على تدريب قوات الأمن العراقية أولا ثم التأكد من انتخاب حكومة عراقية ثم تبدأ عملية الانسحاب”.
أخطاء .. وأوهام
ويختلف الدكتور أنتوني كوردسمان، خبير الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، مع محاولة التخفي وراء ما يسمي بـ “استراتيجية الخروج” ويقول: “إن الخروج ليس استراتيجية وإنما هو تكتيك، فصحيح أن خروج القوات الأمريكية من العراق سيزيل الإصابات وينهي مصرع الجنود الأمريكيين وسيقلص نفقات الحرب، ولكنه حاليا سيخلق مشاكل تفوق ما سيوفره الخروج من حلول، منها الإخفاق السياسي والفوضى بل واحتمال نشوب حرب أهلية في العراق”.
ومضى السيد كوردسمان إلى القول: “إن على الولايات المتحدة أن تدرك أنها وصلت إلى ما وصلت إليه من حال في العراق بسبب عامين من ارتكاب أخطاء كان بوسعنا تفاديها”، وخلص إلى القول: “لم يكن النجاح في العراق شيئا محققا أبدا ولم تكن فكرة أن العراق يمكن أن يكون نموذجا لنجاح التحول نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط إلا وهما وخيالا بعيدا عن الحقيقة روج لها المحافظون الجدد”.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.