تشديد القبضة لمواجهة الهجرة السرية
فور استلامه لمقاليد وزارة العدل والشرطة السويسرية، أصدر بلوخر، زعيم حزب الشعب اليميني المتشدد، تعليمات من أجل إعداد تقرير مُفصل عن الهجرة السرية.
المكاتب الفدرالية التابعة للوزير أعدت التقرير المطلوب الذي لا يحمل في طياته من جديد سوى إمكانية استعماله كذريعة “رسمية” لتبني المزيد من الإجراءات الردعية.
“الهجرة السرية تطرح مشاكل جسيمة لسويسرا في مجالات اللجوء والإجرام والعمالة غير القانونية، ويجب التصدي لها بفرض المزيد من الإجراءات الردعية”. هذه هي القناعة التي عبرت عنها السلطات المعنية بشؤون اللاجئين والأجانب والمهاجرين لدى عرض آخر تقرير حول وضع الهجرة السرية في سويسرا يوم الثلاثاء 29 يونيو في برن.
هذا التقرير الذي أُعدَّ استجابة لتعليمات وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر، لم ينجح في تحديد الرقم المضبوط لتعداد المهاجرين السريين في سويسرا حيث تراوحت التقديرات الواردة فيه بين 50 ألف و.. 300 ألف شخص. ويوحي الفرق الشاسع بين العددين بضبابية واقع وحقيقة الظاهرة في الكنفدرالية. ومازال يجب انتظار صدور تقرير آخر أكثر دقة حول المقيمين بصفة غير شرعية في سويسرا وتوزيعهم الجغرافي في مختلف أنحاء البلاد.
وأقر معدو التقرير -أي المكتب الفدرالي للأجانب والمكتب الفدرالي للاجئين والشرطة الفدرالية وجهاز حرس الحدود- أن الإحصائيات الواردة في دراستهم المشتركة حول الإجرام غير مُكتملة. فإن كانت نسبة 55% من البلاغات التي تتوصل بها الشرطة تعني الأجانب، فمازال يُجهل إن كان هؤلاء مهاجرين سريين أو سياحا أو مقيمين على الجانب الآخر من الحدود أم طالبي لجوء. في المقابل، يشدد التقرير على أن هذه المعطيات غير المكتملة تُعد “المشكل الأكثر خطورة” على مستوى أمن السكان.
من ناحية أخرى، يؤكد التقرير أن أنجع وسيلة لمحاربة الإجرام تكمن في تعزيز إجراءات الاندماج. لكن فيما يخص قضاء عقوبة السجن، يساند منجزو التقرير فكرة السيد بلوخر المتمثلة في ترحيل الأشخاص المُدانين إلى السجون في بلدانهم الأصلية.
تعزيز المراقبة بأقـل عدد من الحرس!
أما على الصعيد الاقتصادي، فيظل “العمل الأسود” الذي يزاوله المهاجرون السريون المشكلة الرئيسية. ولئن كان عدد قليل من الكانتونات يعتبر هذه الظاهرة خطيرة، فإن التقرير يشدد على أنها تتسبب في رفع نسبة البطالة في القطاعات المعنية، ويؤكد على أن التأمينات الاجتماعية والسلطات الضريبية تتكبد خسائر تصل إلى حوالي 10 مليار فرنك سنويا.
ويقترح التقرير عددا من الإجراءات الملحة للتصدي لظاهرة الهجرة السرية يتصدرها تعزيز المراقبة على الحدود بتعيين 1600 شرطي إضافي أو أكثر، و290 حرس حدود. لكن ما يثير الدهشة ويوحي بالتناقض بهذا الشأن اعتزام السلطات السويسرية خفض نسبة حرس الحدود بنسبة 10% إلى غاية عام 2008. ويشار هنا إلى أن 90% من طالبي اللجوء، أي ما يعادل 20 ألف شخص، يعبرون الحدود السويسرية كل سنة بصفة غير شرعية حسبما ورد في التقرير.
وتدعو السلطات المعنية بشؤون اللاجئين والأجانب أيضا إلى تعزيز المراقبة في المطارات وداخل مختلف الكانتونات، كما تقترح إصدار تصريح إقامة جديد للأجانب يصعب تزويره.
وجاء نشر التقرير الذي يتضمن 92 صفحة في سياق توجهات وزير الشرطة والعدل اليميني كريستوف بلوخر الذي يبدو أنه يكرس كامل طاقته لفرض أقصى حد ممكن من التشدد في مجال اللجوء والأجانب. ومن أبرز الإجراءات التي تمكن من فرضها قرار وقف المساعدات الإجتماعية المقدمة لطالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم الذي بدأ العمل منذ فاتح أبريل الماضي.
رؤى ضيقة .. ونفـاق
وبينما رأى رئيس مكتب الهجرة والاندماج والنزوح إدوارد غنيسا أن التقرير الجديد “قدم للمرة الأولى صورة شاملة عن كافة المشاكل التي تطرحها الهجرة السرية”، قال يورغ شيرتنلايب من المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين في تصريح لـ”سويس انفو”: “إن التقرير ينظر للأمور بعين واحدة فقط ويتجاهل تماما قضايا الإندماج”.
أما المحامي جون ميشيل دوليفو، العضو في التجمع السويسري للدفاع عن حقوق المهاجرين السريين -المعروفين بـ”البدون” أي بدون أوراق إقامة قانونية- فيدين ما أسماه بـ”النفاق” الذي يكتسيه الجدل حول الهجرة السرية وخاصة العمل الأسود، حيث يقول: “طالما يحتاج اقتصاد البلاد إلى هذه اليد العاملة الرخيصة والمُسخرة، من العبث اعتزام محاربة المهاجرين السريين والعمل الأسود”.
وقد أوضح التقرير استنادا لدراسة جامعية حديثة، أن حوالي 90 ألف مهاجر سري يعملون في سويسرا، أي بزيادة تفوق 30% مقارنة مع أرقام عام 1994. ويعمل هؤلاء في قطاعات الزراعة والبناء، وفي الفنادق والمطاعم، أو في خدمة البيوت وشبكات الدعارة.
ويعتقد المحامي دوليفو أن توجهات سويسرا في مجال الهجرة تدخل في إطار “الحملة الإيديولوجية التي أطلقها كريستوف بلوخر”، أبرز وجوه حزب الشعب السويسري اليميني المتشدد. وهو الحزب الذي بنى نجاحه في الانتخابات التشريعية الأخيرة على “خطاب معاد للأجانب”.
ويضيف المحامي دوليفو في حديثه مع “سويس انفو”: “إنه يخوض الحملة باسم حزب الشعب لتقديم الهجرة كظاهرة سلبية وغير شرعية فقط. والآن بعد أن أصبح ضمن الحكومة، يواصل الحملة ولكن هذه المرة باسم الحكومة”.
ويأتي نشر التقرير تحديدا في الوقت الذي ينكب البرلمان على دراسة القوانين الجديدة حول اللجوء والأجانب والعمل الأسود. ففي حين صادق مجلس النواب على هذه القوانين الثلاثة، يتعين على مجلس الشيوخ حسم الأمر في الخريف المقبل. وقد وعد كريستوف بلوخر أنه سيقترح خلال مداولات مجلس الشيوخ إجراءات أكثر تشددا وحزما.
“لم كل هذه الضجة؟”
وقد عكست العديد من الصحف السويسرية الصادرة يوم 30 يونيو انزعاجها من التقرير الجديد محذرة من التناقض والمبالغة وإثارة مشاعر الخوف من الأجانب. صحيفة “24 ساعة” التي تصدر في لوزان أشارت في افتتاحية بعنوان: “حذاري من التناقض” إلى أن كريستوف بلوخر، الذي ينشط بحيوية فائقة في مجال تشديد الإجراءات، هو نفسه الذي لا يضيع أية فرصة لرفض رفع عدد الموظفين حتى في الحالات الملحة التي تقتضي تعزيز الأمن وتطبيق القوانين.
من جهتها، ختمت صحيفة “لا ليبرتي” التي تصدر بفريبورغ تعليقها على سياسات بلوخر بالتنويه إلى “أنه سيشدد سياسته بتقديم صورة عن الأجانب كأشخاص خطرين، وذلك قبل ثلاثة أشهر من التصويت على تسهيل منح الجنسية ومن دون قول أي كلمة عن الدعم الذي يقدمه الأجانب لسويسرا والذي يفوق أي تقدير”.
أما افتتاحية صحيفة “لوتون” الصادرة في جنيف فأبرزت – بعد عرض مختلف أوجه الهجرة السرية والمشاكل التي تطرحها في سويسرا- أن الأمر لا يقتضي هذه الضجة وحالة الفزع من الأجانب والمهاجرين غير الشرعيين، خاصة وأن معدي التقرير أكدوا بأنفسهم أنه “مقارنة مع باقي دول العالم، تُسجل سويسرا نسبة ضعيفة في مجال الإجرام رغم النسبة المُرتفعة من الأجانب” التي تقطن أراضيها.
إصلاح بخات – سويس انفو
في عام 2003، حاول 8200 شخصا عبور الحدود السويسرية بصفة غير شرعية
تتصدى السلطات السويسرية كل عام لزهاء 100 شخص يحاولون التسلل لأراضيها
حسب معطيات الشرطة، يصل 90% من طالبي اللجوء إلى سويسرا بطرق سرية أي ما يقدر بـ 20 ألف شخص في السنة
يتراوح عدد المهاجرين السريين داخل سويسرا ما بين 50 و300 ألف شخص
90 ألف أجنبي يعملون في سويسرا بصفة غير قانونية (العمل الأسود)
في تقرير جاء في 92 صفحة، طلبت أربعة مكاتب فدرالية تعزيز الإجراءات لمكافحة الهجرة السرية. يقول التقرير إن هذه الظاهرة تطرح مشاكل عديدة خاصة على مستوى الإجرام و”العمل الأسود” والتكاليف الناجمة عن المخالفات التي يرتكبها المهاجرون السريون. هذا وتعتزم برن تعزيز عمليات المراقبة على الحدود وفي داخل البلاد.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.