تصورات متباينة لعراق ما بعد صدام
تجمع جل الفئات العراقية المعارضة على تصور عراق ما بعد صدام في شكل نظام فدرالي ديموقراطي تساهم فيه مختلف الأعراق والديانات والعشائر
لكنها تختلف حول دور الولايات المتحدة وكيفية استعادة الشعب العراقي لزمام السلطة.
في الوقت الذي تنظم فيه الولايات المتحدة أول اجتماع للمعارضة العراقية في الناصرية، ظهرت تباينات واسعة بشأن تصور مجموعات المعارضة لعراق ما بعد صدام حسين. وما يجمع حوله ممثلو المعارضة العراقية على اختلاف مشاربهم بعد الأحداث التي عاشها العراق خلال الأسابيع الماضية، ترحيبهم بسقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين.
فممثل حكومة كردستان في جنيف بيريس زيباري يرحب “بالتخلص من نظام فاشي ناضلنا من أجل الإطاحة به منذ سنوات ونتطلع لنظام ليبرالي ديموقراطي في العراق يكون نموذجا يقتدى به في بلدان الشرق الأوسط”
ورحب ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد علي العضاض، الذي أعلن تنظيمه عدم مشاركته في اجتماع الناصرية، “بالخلاص من النظام المجرم لصدام حسين”، ويأسف للثمن الباهظ “المتمثل في الأرواح التي زهقت والتدمير الذي حصل والمآسي الإنسانية الحالية”.
أما الوزير العراقي السابق والرئيس السابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان السيد أديب الجادر، الذي كان من بين الشخصيات المستقلة التي أصدرت نداءا قبل الحرب تعارض فيه التدخل الأمريكي وتنادي بتنحي صدام عن السلطة، فقد عبر عن “الشعور بالحزن على ما جرى للشعب من سلب ونهب وتقاعس قوات الاحتلال في الحفاظ على الأمن والسلم”. ويقول إن ذلك يٌظهر للرأي العام الدولي “مدى اهتمام الناس بصدام حسين وحقدهم على من حكم العراق 35 سنة بالحديد والنار”. ويعتبر أن صدام حسين ” كان ضد شعبه قبل أن يكون ضد الدول المجاورة”.
حلفاء أم قوات احتلال؟
لكن إجماع فصائل المعارضة العراقية على الترحيب بسقوط نظام صدام حسين لا يعني أنها متفقة على طبيعة المرحلة المقبلة، أي مرحلة ما بعد سقوط النظام.
فممثل حكومة كردستان بيريس زيباري يرى “أن الوجود الأمريكي هام جدا في هذه المرحلة وأن الإدارة الأمريكية للعراق ستكون مؤقتة”، وأعرب عن أمله في أن “يسلم الأمريكيون على المدى البعيد مقاليد إدارة العراق للعراقيين”.
وتقول المعارضة الشيعية الممثلة في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المدعومة من قبل إيران، والتي شاركت في اجتماعي لندن وصلاح الدين للمعارضة العراقية إلى جانب الولايات المتحدة، إنها كانت ترغب في الحصول على دعم لتغيير نظام الرئيس العراقي. لكن ممثلهاالسيد علي العضاض أضاف “هذا لم يحدث، وبالتالي لم نكن مع الحرب ولن نهنئ هؤلاء على ما تم”.
ويوضح ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، معارضة مجموعته لقيام أية حكومة عسكرية أمريكية في العراق مؤكدا “رفض المشاركة في أي حكومة تقام تحت حاكم عسكري”.
أما السيد أديب الجادر، فيشاطر موقف الذين يرون أن التواجد العسكري الأمريكي هو “احتلال للعراق”. ويتكهن بكون العراقيين “سيتخلصون من الاحتلال مثلما تخلصوا من نظام صدام حسين”.
ديموقراطية وحكم فدرالي
ويطمح جميع ممثلي المعارضة العراقية إلى قيام نظام فدرالي ديموقراطي في العراق بمشاركة كل الطوائف، وإن اختلفت نظرتهم إلى الدور الذي يجب أن تلعبه الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا.
فممثل حكومة كردستان بيريس زيباري يرى أن الصيغة المتفق عليها في لندن وصلاح الدين “لا زالت صالحة”، لكنه يطالب بإضافة تمثيل عراقيي الداخل بعد الإطاحة بنظام صدام حسين.
ويعتبر أن الصيغة المثلى هي في إقامة “حكم ذاتي في كل المناطق يراعى فيه التنوع الطائفي والعرقي وفقا للثقل الحقيقي للسكان”. ويستشهد على ذلك بما تردده أنقرة بخصوص نسبة التركمان في العراق، بحيث تقول أنهم يمثلون 15%، بينما يعتبر زيباري أن نسبتهم لا تتعدى 2%.
ويقول ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق علي العضاض أن الحل السريع يكمن في “تشكيل حكومة من العراقيين يكون لها اعتراف دولي وترتكز على قواتها الداخلية بينما يتم تويسع القوات الأجنبية الحالية إلى قوات دولية”.
ويرى العضاض أن الولايات المتحدة لم تف بالتعهدات الواردة في اتفاقي لندن وصلاح الدين مع المعارضة، خصوصا فيما يتعلق “بملء الفراغ في السلطة عن طريق الاستعانة بقوات المعارضة في المناطق التي تسيطر عليها”. ويستشهد بالخصوص بوضع مدينة الكوت التي قال عنها “إن تواجد بعض قوات فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، سمح بالحفاظ على الأمن وتجنب عمليات النهب والسلب”.
أما السيد أديب الجادر، الذي طالب إلى جانب عدد من المثقفين العراقيين بتدخل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية قبل الحرب، فيرى أن مستقبل العراق بعد الإطاحة بنظام صدام، يجب أن “يدار عبر منظمة الأمم المتحدة وبمشاركة أبناء البلد من المدنيين العراقيين الذين كانوا يديرون البلد”. ويفرق بين انصار نظام صدام “الذين إما قتلوا او فروا” وبقية الشعب العراقي “من الخيرين والنظيفين”.
رفض لمرشحي واشنطن ولندن
وفيما يتعلق بعدد من شخصيات المعارضة العراقية، وعلى رأسها أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي، والذي ترشحه أوساط أمريكية لرئاسة إدارة انتقالية في العراق إلى جانب الجنرال الأمريكي جي غارنر، يبدو أن هناك إجماعا بين كل فصائل المعارضة على رفض تفضيل واشنطن أو لندن لبعض المرشحين على حساب باقي ممثلي شرائح الشعب العراقي.
ويقول ممثل حكومة كردستان إن “القاعدة المتفق عليها مع الأمريكيين في مؤتمري لندن وصلاح الدين، هي ست شخصيات تم اختيارها بعد اجتماعات متعددة”. وهذه الشخصيات تضم زعيمي الأكراد جلال الطلباني ومسعود البرزاني إلى جانب أحمد الجلبي وزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية محمد باقر الحكيم وممثل النظام الملكي الشريف علي بن الحسين ووزير الخارجية الأسبق عدنان الباجه جي.
وقد اقترحت حكومة كردستان العراق عقد اجتماع في بغداد لممثلي المعارضة العراقية بمشاركة ممثلين من الداخل لانتخاب الشخصية التي ستتولى رئاسة نواة الحكومة العراقية، وهو الاجتماع المتوقع بعد شهر من الآن إذا وافقت الولايات المتحدة على ذلك.
لكن ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية حذر من مخاطر تراجع الإدارة الأمريكية عن الاتفاق المبرم مع المعارضة العراقية، ويرى أن واشنطن لا يمكنها تحقيق الأمن والاستقرار بدون مشاركة قوات المعارضة.
ويستشهد العضاض على ذلك بعمليات السلب والنهب والاغتيال التي ذهب ضحيتها السيد الخوئي. ويرى “أن الشعب العراقي هو الذي عليه اختيار من سيحكمه وإذا لم يتحقق ذلك، ستكون النتائج كارثية ويتحملها الحلفاء”.
أما أديب الجادر، العضو في مجموعة الشخصيات العراقية المستقلة، فيرى أن “العراقيين لا يريدون أن يحكموا من قبل أناس لا يعرفونهم أو أناس سمعتهم سيئة أو أناس معروفين بتبعيتهم لجهة أجنبية”. ويضيف أن “العراق له تراث وله ماض ولا يقبل لا الاحتلال ولا عملاء الاحتلال”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.