تضافر إنساني لم يسبق له مثيل
في سابقة استثنائية، وفي ظرف زمني وجيز،تمكنت الأمم المتحدة من جمع 1.5 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لمواجهة أثار الزلزال الآسيوي المدمر وموجة المد البحري تسونامي.
المنظمات الإنسانية الأممية والدولية في جنيف تحشد طاقاتها تحسباً لإمكانية تفاقم الأوضاع الصحية لملايين الناجين من كارثة الزلزال.
فوجئ العالم بالتأثيرات التي خلفها الزلزال الذي أصاب بعض بلدان جنوب شرق آسيا، وموجات المد البحري “تسونامي” التي جرفت الأخضر واليابس، وأودت بحياة نحو 150 ألف شخص، وتركت الملايين مشردين دون مأوى.
ونتيجة لفداحة الأضرار المترتبة، سارعت المنظمات الإنسانية في جنيف إلى تكثيف نشاطاتها، كل حسب تخصصها. وتولت إدارة المساعدة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة انطلاقا من جنيف، مهمة تنسيق عمليات الإغاثة التي تقوم بها مختلف المنظمات الإنسانية في عين المكان، والتي رافقها تعاون وثيق مع حكومات الدول المتضررة، حسب توضيحات اليزابيث بيرس، الناطقة باسمها في جنيف.
الكارثة لا تقتصر على الخسارة البشرية والمادية…
أرسلت إدارة المساعدة الإنسانية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة خمس فرق للمنطقة، مهمتها تقييم الأضرار الناجمة عن الكارثة، وتنسيق عمليات توزيع المساعدات الإنسانية التي تقدمها الدول والمنظمات الدولية وغير الحكومية.
كما تسهر على إعداد تقارير يومية، تُطّـلعُ من خلالها الدول الأعضاء والرأي العام على مستجدات الأحداث وتطور الوضع في الإقليم.
وتسمح تلك التقارير بالتعرف بدقة على فداحة الأضرار، التي تكبدتها البلدان الآسيوية منذ يوم الأحد الماضي. فعلى سبيل المثال، أدى الزلزال وموجات المد البحري التي تلته، إلى إغراق المياه لأكثر من 200 جزيرة من جزر المالديف، و تدمير ثلث البلاد، وتحطيم أكثر من 4000 مبنى فيها، هذا ناهيك بالطبع عن الخسائر البشرية التي تعدت 12 ألف قتيلاً في جزر المالديف.
لكن حجم الكارثة لا يقتصر على الخسارة البشرية والمادية، بل يتعداه إلى المخاوف المتعلقة بالناجين. فقد عبرت السيدة فضيلة الشايب، المتحدثة بإسم منظمة الصحة العالمية، في حديث مع سويس إنفو عن “تخوف المنظمة من احتمال انتشار أمراض لها علاقة بالمياه، مثل التيفويد والكوليرا والملاريا”.
أكثر ما يقلق منظمة الصحة العالمية هو “تكاثر حالات الإسهال بين المرّحلين”، لاسيما وأن البنية التحتية الصحية من مستشفيات ومصحات قد تعرضت هي الأخرى إلى أضرار بالغة. ولأن الأمر كذلك، لا يتمكن الناجون من الحصول على العلاج الضروري، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفشي أمراض جديدة. وتضرب السيدة الشايب مثلاً بمقاطعة آتشي الإندونيسية، والتي دمر الزلزال فيها ما بين 7 و8 مستشفيات، وأدى في الوقت ذاته إلى صعوبة (وفي بعض الأحيان) استحالة وصول المساعدات الإنسانية التي توافدت على العاصمة جاكارتا.
على صعيد مقابل، يصف الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر، وهي الجهة المسؤولة عن توفير المساعدة الإنسانية في حالات الكوارث الطبيعية، يصف عملياته الجارية في منطقة المحيط الهندي ب “أكبر عملية إنسانية في تاريخه”، ويتوقع أن تتواصل على مدى أكثر من ستة أشهر، وأن تشمل اكثر من مليوني شخص.
ومن المشاكل التي يعاني منها موظفو جمعيات الهلال والصليب الأحمر، الذين كانوا أولى الفرق التي ساهمت في إنقاذ الضحايا، مشكلة الوصول إلى الناجين، والحصول على المعلومات الضرورية الكافية، وتوفر وسائل النقل الضرورية.
وعدا عن الحاجة إلى المياه الصالحة للشرب، يلفت الاتحاد الدولي لجمعيات الهلال والصليب الأحمر إلى احتياجات الناجين اللازمة لإيوائهم بصورة مؤقتة، كالخيام والبطانيات والمواد الغذائية.
وأشار الاتحاد إلى وصول أكثر من أثني عشرة طائرة محملة بمواد إسعاف، وفرتها الجمعيات الوطنية للهلال والصليب الأحمر. ولتسهيل عمليات التبرع، أنشأ الاتحاد الدولي موقعا على شبكة الإنترنت للراغبين في التبرع لضحايا الزلزال.
ومن المشاكل المترتبة عن الكارثة الآسيوية، مشكلة البحث عن قريب أو صديق، وتحديد مصيره. ولهذا الغرض، ونتيجة لضخامة أعداد الضحايا (150 ألف حسب آخر التقديرات الأممية)، وبقاء العديد من الآلاف في عداد المفقودين، أنشأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر موقعاً خاصاً بالبحث عن المفقودين، وهو الموقع الذي شهد تسجيل أسماء اكثر من 2000 مفقود في غضون يوم الأحد وحده.
استجابة لم يسبق لها مثيل
حمى الجهود الإنسانية طالت أيضاً مجال التبرعات. إذ من المقرر أن يعقد مؤتمر دولي، دعت إليه إندونيسيا، يوم 6 يناير في جاكارتا، وسيشارك فيه الأمين العام للأمم المتحدة في فعالياته. ويعتزم السيد كوفي أنان خلال المؤتمر توجيه نداء إلى المجتمع الدولي لجمع المزيد من التبرعات الإنسانية لضحايا كارثة “تسونامي”.
كما ستعقد منظمة الأمم المتحدة يوم 11 يناير اجتماعا وزارياً للدول المانحة في جنيف ، الهدف المعلن له “إطلاع الدول المانحة على تأثيرات وأضرار زلزال وموجات مد تسونامي”، ولو انه لا يستبعد أن تقدم الدول المانحة وعودا بالمساعدة خلال الاجتماع.
وقد أعربت السيدة اليزابيت بيرس، الناطقة باسم إدارة المساعدة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، عن ارتياحها لأنها “المرة الأولى التي تتمكن فيها المنظمة من جمع مساعدات إنسانية بقيمة 1.5 مليار دولار أمريكي وفي ظرف زمني قصير”. وقد أوضحت السيدة بيرس أن هذا المبلغ يخص فقط التبرعات المتعلقة بمنظمات الأمم المتحدة، ولا يشمل المساعدات الثنائية التي تقدمها الدول مباشرة إلى البلدان المتضررة.
سباق مع الزمن.. ولكن
التمويل لا يمثل إذن مشكلة في الوضع الحالي، لكن القضية الأساسية كما توضح الناطقة باسم منظمة الصحة العالمية السيدة فضيلة الشايب، تكمن في “سباق مع الزمن” لتفادي إنفلات “الأوضاع من الرقابة على المستوى الصحي”.
وتقدر منظمة الصحة العالمية أن هناك ما بين ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص، ممن لا يتوفرون على إمكانيات الحصول على المواد الأساسية الضرورية للحياة، من مياه صالحة للشرب أو طعام أو علاج.
ولسد النقص المترتب عن دمار البنية التحتية الصحية في العديد من المناطق، والإيفاء بحاجيات حوالي 500 ألف جريح، أرسلت منظمة الصحة العالمية مواد وأدوات علاجية تكفي لتغطية احتياجات نحو مليوني شخص، لكن المشكلة تتمثل في كيفية إيصال هذه المعدات إلى المناطق المتضررة.
وتشدد السيدة الشايب على ضرورة توفير المياه الصالحة للشرب في أغلب المناطق المتضررة. كما لفتت إلى احتمال انتشار مرض الملاريا أو حمى المستنقعات، خاصة وأن المنطقة معروفة بهذا المرض أساساً، وهو الاحتمال الذي دفع بالمنظمة إلى المسارعة بإرسال معدات وقائية كشباك النوم الحامية من البعوض.
و رغم كل هذه الاستعدادات، فأن التشاؤم يبدو طاغياً إلى حد كبير. فالسيدة فضيلة الشايب تقول “إن حجم الكارثة، وعدد الدول المتأثرة، لا يترك مجالا للتفاؤل”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.