تطورات سودانية تدعو للتفاؤل .. لكن الصعوبات تظل قائمة!
يبدو ان الأخبار الطيبة بدأت تعرف طريقها إلى السودان وإن كان على مضض، فالحكومة السودانية قبلت القرار الدولى رقم 1769 الخاص بنشر قوات مختلطة فى دارفور..
.. وغالبية فصائل التمرد انتهت من أولى اجتماعاتها فى السادس من أغسطس، وتوصلت إلى بيان أكدت فيه على أن الحل السلمى هو السبيل الوحيد لإنهاء مأساة السودانيين فى دارفور. وهو ما وجد ترحيبا إفريقيا وإقليميا على نحو غير معتاد.
هذان التطوران يفتحان بابا كان مغلقا لفترة طويلة، هو باب التسوية السياسية الشاملة سواء من حيث عناصرها او من حيث مشاركة كل الأطراف المعنية بالأزمة.
ولكن فتح الباب وحده لا يكفى فلابد من المثابرة و الاستمرارية، وهنا تثور كثير من الهواجس حول طبيعة وتوقيت الخطوة المقبلة. خاصة وان الشكوك المتبادلة بين الحكومة السودانية وكل من واشنطن ولندن ما زالت كبيرة وهما المحركان لملف دارفور دوليا، وهو ما ظهر فى تصريحات جون براون رئيس الوزراء البريطانى عشية زيارته إلى الولايات المتحدة ، والتى جاءت بعد يوم واحد من صدور القرار الدولى 1769 حيث أكد أن العقوبات قد تكون من نصيب الحكومة السودانية إذا رفضت التعاون فى تطبيق القرار، دون أن يشير بكلمة إلى عقوبات محتملة على فصائل التمرد إن لم تتعاون بما يكفى لتطبيق القرار، وذلك فى الوقت الذى كانت فيه المؤشرات الأولية تقول ان الحكومة ستقبل القرار ولن تعارضه، وهو ما تأكد فى اليوم التالى رسميا.
نقلة مهمة
والقرار الدولى فى حد ذاته يمثل نقلة مهمة فى تاريخ ازمة دافور، وفى تاريخ مهمات حفظ السلام الدولية، وفى العلاقة بين الحكومة السودانية والمنظمة الدولية. فالقرار يؤسس لقوات مختلطة تحت رعاية منظمتين كبيرتين، الاولى تمثل العالم ككل، والثانية تمثل قارة بأكملها، وهنا تبرز حالة التفرد على نحو جلى.
كما انه صدر بطريقة مختلفة جذريا عن الطريقة التى صدر بها القرار السابق رقم 1706، والذى يتضمن انتهاكا صارخا لسيادة السودان، وصدر دون ادنى تشاور مع اى بلد افريقى ولا الاتحاد الافريقى و لا الحكومة المعنية، وعبر فى مجمله عن محاولة امريكية بريطانية مشتركة لفرض وصاية دولية على السودان انطلاقا من وصاية مُحكمة على دار فور. أما القرار الاخير فقد سبقته مشاورات مع الاتحاد الافريقى ودول رئيسية فى القارة كجنوب افريقيا ودول عربية، وكذلك مع الحكومة السودانية عبر سفيرها فى واشنطن.
ولعل هذه الطريقة شبه الديموقراطية كانت عاملا من عوامل صدور القرار بالإجماع، وأيضا ترحيب الحكومة به، على الاقل لان القرار تضمن فكرة غير مسبوقة وهى تشكيل قوة مختلطة بين قوات افريقية وأخرى دولية، وبما يوفر حجة للحكومة بأنها لم ترضخ للضغوط الدولية التى أرادت الاطاحة تماما بالقوة الافريقية، فى حين تمسك السودان بهذه القوات كدليل على عمق انتمائه للقارة ولمؤسساتها الاتحادية من ناحية، ولتقليل حجم الضغوط التى يمكن ان تنتج عن قوة دولية خالصة تحت قيادة الأمم المتحدة.
المهمات والصلاحيات
ناهيك عن العدد والمهمات والصلاحيات والتى أعطيت لهذه القوة المختلطة والاموال التى ستصرف على هذه القوة والتى ستصل إلى مليارى دولار فى العام الاول. وإن كان لا يعرف بعد هل سيمكن التخلص من هذه القوات فعلا بعد عام واحد، ام ان التمديد لعام آخر سيكون هو السبيل الوحيد.
أما العدد يقارب 27 ألف فرد، بين جندى قوات مسلحة وجنود شرطة، وهو الأكبر فى قوات حفظ السلام، وهم مدعومون بمعدات وطائرات مقرات قيادة واتصال سيتم إنشاؤها فى غضون شهر اكتوبر المقبل، وللقوات حق استخدام السلاح للدفاع عن النفس او لفرض القرار نفسه، بمعنى التغلب على معارضى القرار والرافضين التعاون فى تطبيقه. وهنا تقترب هذه القوات من عملية فرض السلام وليس حفظه وحسب.
لكن يظل القرار ناقصا فى أحد الجوانب، وهو انه صدر قبل ان يتم التوصل إلى تسوية سياسية واضحة المعالم بين الحكومة وفصائل التمرد. وإن من ناحية أخرى يمكن القول انه ف ظل التغير السياسى و الاستراتيجى الذى يعبر عنه القرار 1769، ولاسيما ترحيب الحكومة السودانية به وإعلانها مد يد التعاون إلى الامم المتحدة من أجل تطبيقه، فقد تشكل عنصر ضغط كبير على زعماء التمرد، الذين وصل عدد حركاتهم بين كبيرة وصغيرة ومجرد أسم على ورق او موقع على شبكة الإنترنت، إلى اكثر من 112 فصيلا.
ومما زاد الضغط على زعماء التمرد أيضا ذلك التوافق بين الأمم المتحدة والاتحاد الافريقى على متابعة الشق السياسى للوصول إلى اتفاق تسوية تقوم قوات حفظ السلام على تطبيقه، مما يوفر لها ارضية نجاح سريعة نسبيا. ومن هنا جاءت اجتماعات اروشا لزعماء التمرد، بغية التوصل إلى منهجية عمل ورؤية سياسية موحدة تمهد الطريق لمباحثات ناجحة مع الحكومة السودانية.
اجتماعات اروشا وشكوك أخرى
رغم أهمية حدث اجتماعات اروشا، وما صدر عنها من بيان واضح المعالم يؤيد القرار 1769، لكن الشكوك حول فاعلية هذا الاجتماع تظل قائمة، إذ غاب عنها عبد الواحد نور أبرز زعماء التمرد ومؤسس حركة تحرير السودان، والمنتمى إلى قبيلة الفور وهى اكبر القبائل فى الاقليم سكانا، والتى تكن احتراما خاصة له. وحين يغيب شخص بهذا التأثير السياسى والمعنوى، يصبح انتظار نتائج فورية وذات تأثير ايجابى على الأرض لاجتماعات أروشا مسألة غير مؤكدة، بل قد تبدو مستبعدة إلى حين تسوية مسألة مشاركة عبد الواحد نور.
لكن الرجل يطرح شروطا تبدو غير عملية وبعيدة عن الواقعية، إذ يطالب بنشر القوات الدولية أولا قبل البحث فى أى تسوية سياسية مع الحكومة القومية، كما يدعو إلى عودة المهجرين إلى قرارهم ومدنهم، ويطالب بضمانات أخرى لردع الحكومة عن القيام بأى تحرك مضاد، ويرى ضرورة نزع أسلحة من يعرفون بالجنجويد، او راكبى الدواب الملثمون، والمتهمون بأنهم تابعون للحكومة ومسؤولون عن مأساة أهل دار فور.
ويدعو أيضا إلى فرض حظر جوى على الاقليم تراقبه وتطبقه القوى الكبرى، فى سيناريو مكرر لما جرى لإقليم كردستان فى شمال العراق مطلع التسعينات من القرن الماضى، وانتهى عمليا إلى إعداد الاقليم للانفصال الواقعى اولا، ثم القانونى ثانيا عن باقى إقاليم الدولة العراقية.
التسوية ام تغيير الوقائع
مثل هذه الشروط تعنى انه لا ضرورة لتسوية أولا، بل لتغيير الوقائع على الأرض، ثم بعد ذلك الدخول فى اتفاقات حول تقاسم السلطة والثروة وهيكلة وضع الإقليم على طريق الحكم الذاتى. وهى رؤية لا توافق عليها الفصائل الاخرى، و لا دول الجوار الجغرافى للسودان والذى يهمها أن تنتهى ازمة دارفور بمشاركة الجميع ووفق إطار قابل للتطبيق تحت رعاية دولية وإفريقية.
والواضح أن زعماء الفصائل يريدون التوصل إلى تسوية سياسية مفصلة البنود ومضمونة دوليا وأفريقيا، وربما تكون قريبة الشبه من التسوية الخاصة بالجنوب السودانى المعروفة باتفاقيات نيفاشا للعام 2005، وذلك جنبا إلى جنب نشر القوات المختلطة حسب القرار 1769، والتى سيكون عليها عبء توفير الأمن والاستقرار فى الإقليم المضطرب.
وهو ما تتضح خطوطه العريضة فى البيان الصادر عن اجتماعات أروشا، والذى تضمن أربعة إشارات إيجابية، الاولى الاستعداد للمشاركة فى المفاوضات النهائية المقبلة، والثانية الترحيب بالقرار الدولى الجديد وتأكيد التعاون مع هذه القوات الدولية من أجل تنفيذ القرار بكل بنوده، والثالثة الالتزام بالسماح للقوافل المساعدات الإنسانية الوصول إلى المتضررين، والرابعة دعوة الزعماء الذين لم يحضروا الاجتماعات للمشاركة فى الجولات المقبلة رغبة فى تحقيق مبدأ الحل الشامل.
فروقات ضخمة
هذه الرغبة فى الحل الشامل، ورغم مضمونها الايجابى – على الأقل فى هذه المرحلة – لكنها لا تخفى ان هناك بين زعماء فصائل التمرد فروقات ضخمة سواء فى المكانة والقدرة على تمثيل قطاعات عريضة من مواطنى دافور ، وفى الارتباطات الخارجية وفى رؤية الحل.
وهنا تبدو نقطتان مهمتان، الاولى تتعلق بعلاقة إقليم دارفور بالحكومة المركزية ، هل سيصل الأمر إلى حد المطالبة بالحكم الذاتى الموسع وبعد الإقرار بتوحيد الإقليم ككل أم سيظل منقسما إلى ثلاثة أقاليم فرعية كما هو الحال الآن. والثانية إلى اى مدى سيقبل هؤلاء الزعماء بعد التوصل إلى تسوية سياسية ما، انهاء او تقليص ارتباطاتهم الخارجية ماليا وتسليحيا.
الحكومة من جانبها تصر على ان اتفاق ابوجا الذى تم التوصل إليه فى مايو الماضى تحت رعاية أفريقية، وتم توقيعه مع فصيل منى أركو مناوى من حركة تحرير السودان، هو الأساس الذى يعترف بالأقاليم الثلاثة الفرعية ولا يصر على حكم ذاتى للإقليم ككل، ولا يطالب بحقوق مماثلة لما ورد فى اتفاقية نيفاشا الخاصة بالجنوب. وكل ما تعرضه الحكومة حتى الآن هو تعديل بعض بنود اتفاق ابوجا بما لا يؤدى إلى تغييره هيكليا، وهو ما لا يمكن التعويل عليه كثيرا، على الاقل وفقا لملابسات اللحظة الجارية.
د. حسن أبو طالب – القاهرة
الخرطوم (رويترز) – قال يان الياسون مبعوث الامم المتحدة الخاص الى دارفور يوم الثلاثاء ان حكومة السودان ليست متحمسة لبعض عناصر برنامج تفاوضي مشترك لفصائل المتمردين في دارفور والذي اتفق عليه خلال محادثات توسطت فيها المنظمة الدولية والاتحاد الافريقي.
ونجح الياسون ونظيره في الاتحاد الافريقي سالم أحمد سالم في جمع العديد من زعماء وفصائل دارفور معا في محادثات وحدة في أروشا في مطلع الاسبوع.
وخرجوا من الاجتماع في تنزانيا ببرنامج مشترك شمل الاتفاق على قضايا الارض واقتسام السلطة والثروة قبل محادثات مقترحة مع الحكومة.
لكن الياسون قال للصحفيين في أعقاب اجتماع مع مسؤولين بوزارة الخارجية في الخرطوم “لم تستقبل كل النقاط بحماس كبير لكنه أساس.”
وتقول الخرطوم ان اتفاق السلام في دارفور الذي وقعته في مايو ايار عام 2006 مع فصيل واحد من ثلاثة فصائل متمردة ينبغي الا يطرح للنقاش مجددا لتهدئة مخاوف المتمردين الذين انقسموا منذ ذلك الحين الى أكثر من 12 فصيلا.
وقال الياسون “الحكومة (السودانية) لا تريد اعادة التفاوض بخصوص اتفاق السلام في دارفور وهذه مسألة سنناقشها مع الحكومة وأيضا مع غير الموقعين (على الاتفاق) لنرى كيف سنستكمل جدول الاعمال النهائي.”
وذكر أن فريق الامم المتحدة والاتحاد الافريقي المشترك سيحاول التقريب بين موقفي الحكومة والمتمردين خلال الاسابيع المقبلة من أجل التوصل الى جدول أعمال نهائي للمحادثات التي يتوقع أن تبدأ في غضون نحو شهرين.
وقال مطرف صديق وكيل وزارة الخارجية ان الحكومة ترحب بمحادثات أروشا لكنها تشعر بخيبة أمل لعدم مشاركة كل الفصائل فيها ولانقضاء الموعد الاصلي الذي كان يتوقع أن تبدأ فيه محادثات السلام في أول أغسطس اب.
ويقول خبراء دوليون ان التقديرات تشير الى أن زهاء 200 ألف شخص قتلوا ونزح نحو 2.5 مليون اخرين من ديارهم خلال أربع سنوات من القتل والاغتصاب والسلب والمرض تصفها واشنطن بأنها ابادة جماعية في دارفور.
لكن الحكومات الاوروبية تعزف عن استخدام هذا التعبير الذي ترفضه الخرطوم التي تقدر عدد القتلى في دارفور بنحو تسعة الاف فقط.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أوامر باعتقال وزير في الحكومة وزعيم احدى الميليشيات بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
وذكر لويس مورينو أوكامبو رئيس هيئة الادعاء بالمحكمة الجنائية الدولية يوم الثلاثاء أن الخرطوم يتعين عليها أن تسلم المشتبه بهم.
وقال مورينو أوكامبو لرويترز في استراليا “لا يستطيع السودان أن يصبح دولة منبوذة. يعلم السودان أن هذا أمر مهم. الحكومة تحتاج الى الشرعية ولذا عليها أن تحترم القانون.”
ويقول السودان ان المحكمة ليست لها سلطة في دارفور.
وبعد شهور من المحادثات والتهديدات والمفاوضات وافقت الحكومة في اخر الامر على نشر قوة مشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي قوامها 26 ألف فرد لحفظ السلام في دارفور لكنها ذكرت أن معظم القوات يجب أن تكون من افريقيا.
لكن زامبيا قالت يوم الثلاثاء 7 أغسطس ان القارة لا تستطيع توفير ما يكفي من الجنود للمهمة وان الحاجة تدعو للبحث عن قوات دولية من مناطق أخرى.
وقال مونديا سيكاتانا وزير خارجية زامبيا لرويترز خلال اجتماع في ماليزيا “ليست لدينا الوسائل. افريقيا لا تتوفر لها القدرة على الفور للتعامل مع الوضع في دارفور.”
وأيد أندرو ناتسيوس المبعوث الامريكي الخاص الى السودان هذا الرأي قائلا ” سوف نحاول أن نجند من افريقيا. لكن الواضح بالفعل بعد الحديث مع زعماء وعسكريين أفارقة أنه لا توجد قوات افريقية كافية مدربة على عمليات حفظ السلام لتشكيل هذه القوة.”
وأضاف قائلا للصحفيين “أعتقد أن هناك تفهما من الحكومة السودانية أننا سنضطر للذهاب خارج أفريقيا. هذا موضوع حساس.”
وتقول الامم المتحدة ان نشر القوة يجب أن يجري بالتوازي مع استئناف عملية السلام ليكون هناك سلام تحافظ عليه.
وقال محللون ان فرصة نجاح اجتماع اروشا عرقلها غياب بعض شخصيات المتمردين المهمة لكنها نجحت رغم ذلك في تعزيز وحدة الصف التي كانت عقبة رئيسية أمام التفاوض مع الحكومة.
ومن الذين لم يحضروا سليمان جاموس منسق عمليات الاغاثة الانسانية في جماعة جيش تحرير السودان الذي يعتبره الخبراء شخصية رئيسية مهمة لاستمرار أي سلام.
ويرقد جاموس في مستشفى خارج دارفور ويواجه احتمال الاعتقال اذا عاد الى الاقليم. وقالت الحكومة يوم الثلاثاء انها مستعدة للسماح بعودته اذا حصلت على ضمانات من المجتمع الدولي بألا يعاود الانضمام الى جماعات مسلحة في دارفور.
وقال الياسون ان هناك مقعدا شاغرا متاحا في أي مفاوضات مستقبلا لعبد الواحد محمد النور زعيم ومؤسس جيش تحرير السودان الذي يرفض المشاركة في اي محادثات قبل ان يطبق في دارفور برنامج نفط مقابل الغذاء ويفرض على الاقليم حظر جوي.
ولا يحظى النور بعدد كبير من القوات لكنه يتمتع بتأييد ضخم من الفور أكبر القبائل في دارفور.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 أغسطس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.