تطورات فلسطينية خطيرة
كان اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ بالقاهرة يوم 15 يونيو الجاري، هو الأصعب في تاريخ هذه الاجتماعات.
فالوزراء كان عليهم تحديد موقف من تطورات فلسطينية خطيرة، وضعت الجميع في مأزق الاختيار.
فالوزراء كان عليهم تحديد موقف من تطورات فلسطينية خطيرة، وضعت الجميع في مأزق الاختيار بين مساندة أحد فصيلين فلسطينيين في مواجهة الآخر كلاهما عزيز على الوجدان العربي أو تمرير الاقتتال ونتائجه والاعتراف بالأمر الواقع الجديد بكل ما يحمله من مرارات، ودعوة خفية لاستخدام السلاح لحسم الخلافات السياسية الداخلية، فضلا عما يشكله من تغيير طبيعة القضية الفلسطينية دوليا وإقليميا.
لذا، لم يكن أمام الوزراء سوى الخروج بموقف وسط، لا هو مع فتح علنا ضد حماس، ولا هو مع قبول سيطرة حماس الكاملة على القطاع ولا هو مع تقسيم النفوذ والأرض، بما يعنيه من ضياع للهدف المُـرتجى المتمثل في دولة فلسطينية في حدود عام 1967.
ومن هنا، جاءت فكرة اللجنة العربية التي سترعى حوارا فلسطينيا بغية العودة إلى صيغة توافق وطني، تعكس نفسها فى الوصول إلى حكومة جديدة وعلاقة مختلفة، يؤمل أن تكون إيجابية بين الحكومة والرئاسة.
وفى خلفية كل ذلك، التنديد بالاقتتال بين الإخوة والأشقاء وتحريمه عربيا، إن لجأ إلى السلاح أي طرف فلسطيني في مواجهة الآخر مستقبلا، والتحريم هنا معناه، أن يقف العرب جميعهم ضدّ هذا الطرف ويمنعون عنه كل مساندة مادية أو رمزية.
بهذا المعنى يكون وزراء الخارجية العرب انتهوا إلى موقف معلن، به قدر من الحياد السلبي إزاء ما جرى، وهو حياد يعني رفضا لما جرى، من حيث المبدأ ومن حيث نتائجه، حتى وإن لم يُـقال ذلك صراحة، ويعني أيضا سعيا إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ولو قليلا، وهنا، تكمن المشكلة الكبرى، لاسيما وأن حماس ليست في وارد التجاوب مع مثل هذا الطرح.
الظاهر والعملي.. مختلفان
ومن الناحية الظاهرية، يبدو هذا الموقف العربي قريبا مما طالب به خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، حين دعا علنا والوزراء في قاعة الاجتماعات، إلى دعم الشرعية الفلسطينية بدلا من شرعية الرئيس في مواجهة شرعية الحكومة المُقالة برئاسة إسماعيل هنية وإلى رعاية عربية لحوار وطني فلسطيني وإلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، لكنه عمَـليا لم يُـجب على السؤال الجوهري، كيف يمكن ذلك في ظل قرارات اتخذها الرئيس وشكلت بدورها واقعا دستوريا وقانونيا جديدا، أهم ما فيه أنه بات محل تأييد الكثير من الدول الكبرى، وفي المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
هذه القرارات الرئاسية، بما فيها من إقالة إسماعيل هنية وحكومة طوارئ وتسمية رئيسها وفرض حالة الطوارئ، أسست بدورها لتقاسم في السلطة بين الضفة وغزة، لاسيما في ضوء رفض هنية وحماس هذه القرارات واستمرار الحركة في السيطرة منفردة على غزة، نحو كيانين منفصلين، وهو تقاسم إن استمر على هذا النحو لفترة من الزمن، فسيعنى تشكيل كيانين فلسطينيين، أحدهما في الضفة يتمتع بالشرعية الإقليمية والدولية وبالدعم الاقتصادي والسياسي، والآخر في غزة، منزوع الشرعية ومُحاصر وموسوم بالإرهاب والخروج على القانون.
ولذلك، فإن لم يتم التحرك العربي سريعا، وأن يكون التفاعل الفلسطيني الايجابي معه على أرضية الحوار وإعادة الأمور إلى نصابها، وفقا للقانون الأساسي، وتحييد المكاسب الناتجة عن الاقتتال الأخير والرجوع إلى اعتبارات السياسة والحوار وبناء الثقة والإنهاء التدريجي والحاسم للمظاهر المسلحة في غزة، والتوقف عن سياسات الثأر والانتقام، فيتعمق الانقسام الجغرافي / السياسي، ويُـصبح واقع الكيانين، أمرا لا مفر منه.
الضربة القاضية
خيار الكيانين بهذا المعنى أو بالأحرى الكانتونين، سيشكل الضربة القاضية للقضية الفلسطينية، والتي تبدو الآن في مفترق طرق معقّـد ومليء بالمطبّـات الكبرى، فبدلا من أن يكون مبدأ الدولة الفلسطينية المستقلة التي تحتوي كل الفلسطينيين، هو العنصر الحاكم في حاضر القضية ومستقبلها، بات الأمر محصورا في كيفية الحفاظ على رموز السلطة الوطنية ومؤسساتها، وفي استعادة الحد الأدنى من التوافق الفلسطيني، الذي يحُـول دون استخدام السلاح ضد الأخ والقريب والجار.
كما سيوفِّـر هذا الخيار هدية كبرى لإسرائيل، التي طالما أشاعت أنه لا يوجد شريك فلسطيني موثوق فيه، قادر على اتخاذ القرارات الكبرى من أجل الأمن والسلام معا، وهو ضربة قاضية أيضا لجهود العرب لإحياء مبادرتهم للسلام، والتي حاولوا في أعقاب قمة الرياض نهاية شهر مارس الماضي أن يجعلوها أساسا لعملية تسوية تاريخية، تُـقيم دولة فلسطينية من ناحية، وتعيد تشكيل العلاقات الإقليمية جذريا من ناحية أخرى.
سباق بين خيارين
والواضح أن السباق الآن سيكون بين اختيارين، الأول، تعميق الانقسام الفلسطيني سياسيا وجغرافيا، والثاني، إعادة اللحمة الفلسطينية بأسرع ما يمكن، وتجاوز ما حدث، بعد محاصرة نتائجها السلبية بشكل أو بأخر.
والأول، هو الاختيار الإسرائيلي الأمريكي والمدعوم أوروبيا، والحُـجج هنا جاهزة ومعلنة، بداية من محاصرة منظمة إرهابية وفاقدة للشرعية، ونهاية بأن الأولوية هي لاستعادة الشرعية المُـبكى عليها.
وفى ظل هذا الاختيار، فإن الهدف الأقصى هو إنهاء نفوذ حماس وشرعيتها لدى مؤيديها والمتعاطفين معها، أما الهدف الأدنى، فهو تحييد نفوذ حماس الطاغي في غزة، وتحويل الحركة إلى مجرد فصيل لا يملك الحسم السياسي أو الميداني، ولا يقدر على مناطحة السلطة.
أما الوسيلة، فهي خنق القطاع وتحويله إلى سِـجن كبير لا تستطيع فيه حماس أن تدبِّـر أمورها وأمور مليون وستمائة آلف فلسطيني، بلا موارد أو بنية أساسية أو علاقات خارجية، الأمر الذي سيثير النِّـقمة لدى الفلسطينيين، وربما يدفعهم إلى الانقلاب على حماس وسلطتها، التي لم تؤمِّـن لهم سُـبل الحياة، وقطعت عنهم كل دعم ومساندة.
واقع مرير وثمن عالي
وفى ظل هذا الاختيار، فالمطلوب هو تشكيل واقع فلسطيني مرير في غزة، يؤدي إلى إنهاء ظاهرة حماس عبر الناس أنفسهم، الذين سيدفعون لذلك ثمنا كبيرا جدا. فمن ناحية، سيكونون محلا للحِـصار المُـحكم في الفترة المقبلة، ومن ناحية ثانية، مطلوب منهم أن يكونوا محرِّك التغيير ووسيلة استبعاد حماس من المشهد الفلسطيني، على الأقل في غزة.
وفي ظل هذا الاختيار أيضا، سيكون مطلوبا إيجاد فارق جوهري وفي مدى زمني قريب جدا بين حياة الناس في غزة وحياة إخوتهم وأقاربهم في الضفة. فمن خلال الدعم السخي، الذي يبدو أنه تقرّر أمريكيا وإسرائيليا وأوروبيا بالفعل للرئيس الفلسطيني، سيمكن تحسِـين حياة الفلسطينيين في القطاع بدرجة تفوق حياة نظرائهم في غزة، مما سيثير الحنق والضيق والرغبة في التمرد والثورة على حكام غزة الحمساويين أو هكذا يأمل أصحاب هذه النظرية في تصعيد الحصار على غزة، وصولا إلى خنقها.
تغاضي عربي محتمل
بيد أن هذا الخنق الصارم القاطع لا يستقيم إلا بدعم عربي واسع المدى يصعُـب تصوره، ومن ثم يصعب حدوثه، فلا زال الفلسطينيون محَـال تعاطف الرأي العام العربي، ومن غير المتصور أن يجاهر أي نظام عربي بأنه مع تجويع ومحاصرة أكثر من مليون فلسطيني فقط لأنه غاضب من حماس أو لأن توازن القوى الجديد في غزة لا يعجبه ولا يرضي مصالحه، ولكن هذا لا يمنع أن يكون هناك قدر من التغاضي العربي، وربما القبول الضمني للإجراءات التي ستتخذها إسرائيل والولايات المتحدة، لإخضاع حماس وتغيير جلدها، خاصة وأن المؤشرات تقول، إن بعضا من العرب لا يمكنه، لاعتبارات داخلية بالأساس، أن يقبل تمرير ما حدث بسهولة أو يتعامل معه باعتباره شأنا داخليا فلسطينيا وحسب.
وهؤلاء هم المرشحون أكثر من غيرهم للوقوف بصلابة، إذا حماس في المرحلة المقبلة، خاصة إن لم تستجب للموقف العربي الداعي إلى حل وسط، وأن تتخلى عن مكاسبها التي ستكون وبَـالا عليها وعلى الشعب الفلسطيني.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القدس (رويترز) – تسعى إسرائيل يوم الاثنين 18 يونيو للحصول على دعم أوروبي لإستراتيجية تساندها الولايات المتحدة بعزل حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في غزة، بينما تفرج عن أموال مجمدة لحكومة الطوارئ، التي شكلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الضفة الغربية المحتلة.
وقالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، إنها ستحاول إقناع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في محادثات في ستراسبورغ بفرنسا يوم الاثنين، بمواصلة حظر المساعدات المستمر منذ عام ضد حماس، التي ترفض الاعتراف بإسرائيل.
وفي نيويورك تعهّـد رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت بتعزيز عباس وقال، إن إسرائيل ستفرج عن عائدات الضرائب المجمدة.، وتخطط الإدارة الأمريكية برئاسة جورج بوش، لرفع حظر على المساعدات المباشرة لحكومة عباس الأسبوع الحالي.
وتريد واشنطن الإسراع بوتيرة المحادثات، التي تهدف لإقامة دولة فلسطينية بين أولمرت وعباس في الضفة الغربية، في حين تعزل حماس اقتصاديا ودبلوماسيا وعسكريا في قطاع غزة.
وأبدى دبلوماسيون أوروبيون الشك تجاه الإستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية الجديدة، وقال دبلوماسي رفيع بالاتحاد الأوروبي “قد تحل مشاكل اليوم… ولكن ماذا عن المستقبل..”؟
وأشار دبلوماسيون آخرون إلى تساؤلات تتردّد بشأن الأساس القانوني للحكومة، التي شكلها عباس بمقتضى مرسوم صدر يوم الخميس14 يونيو، بعد أن تغلب الجناح العسكري لحماس على الموالين لحركة فتح التي يتزعمها عباس في غزة وسيطر على القطاع.
وقال إسماعيل هنية، أحد قادة حماس، إنه لا زال يعتبر حكومة الوحدة التي تشكلت مع فتح في مارس، والذي يشغل منصب رئيس الوزراء بها، الحكومة الفلسطينية الشرعية واتّـهم عباس بالمشاركة في مؤامرة بقيادة أمريكية للإطاحة به.
وقبل توجهها إلى أوروبا قالت ليفني لراديو إسرائيل إن الدولة العبرية “ستنتهز” فرصة قدمت إليها من جراء الانقسامات السياسية بين الضفة الغربية وغزة، لفصل المعتدلين عن حماس الأكثر تشددا، وقالت “يجب أن نستغل هذا الانقسام حتى النهاية… إنه يفرق بين المعتدلين والمتطرفين”.
ومن المتوقع أن يعقد عباس يوم الاثنين 18 يونيو، جلسة ثانية لحكومة الطوارئ، وأصدر عباس مراسيم دستورية لإعفاء الحكومة من السعي للحصول على موافقة البرلمان، الذي تسيطر عليه حماس.
ويواجه 1.5 مليون شخص في غزة احتمال أن يشهدوا مزيدا من الصعوبات والعزلة، مع تهديد إسرائيل بقطع إمدادات الوقود وإعلان الموردين المحليين أن الوقود اللازم للسيارات والمواقد في قطاع غزة، قد ينفد في غضون يومين.
وفرضت القوى الغربية حظرا على المساعدات بعد أن وصلت حماس للسلطة في مارس عام 2006، لأن حماس رفضت الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف وقبول اتفاقات السلام المؤقتة.
وقالت الشركة الاسرائيلية، التي تزود قطاع غزة بالوقود، إنها استأنفت الامدادات الطبيعية يوم الاثنين بعد أن احتج الفلسطينيون على خفض الامدادات لقطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس).
وقالت شركة دور الون، وهي شركة وقود اسرائيلية خاصة تزود غزة بالامدادات “بداية من اليوم، استأنفنا امدادات الوقود المعتادة لقطاع غزة”، لتغير القرار الذي أعلن يوم الاحد بتوفير الوقود فقط لمحطات الكهرباء بغزة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 18 يونيو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.