تـحركات جـديدة ضد “سوق البشر”
نظمت سويسرا يوم الخميس 3 نوفمبر الجاري في برن أول مؤتمر وطني حول المتاجرة بالبشر. وتسعى الكنفدرالية إلى تعزيز تشريعاتها في هذا المجال وتنسيق عمليات الجهات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة.
ويندرج الالتزام السويسري في نفس إطار التحركات التي تقوم بها منظمة أرض البشر ضد المتاجرة بالأطفال، خاصة في الهند وإفريقيا.
تظل المتاجرة بالبشر في غالب الأحيان ظاهرة مخفية تُفلت من العقاب. فنادرا ما تجرؤ الضحايا على كسر الصمت وإبلاغ السلطات، لأن الأغلبية توجد في وضع غير قانوني وتخشى التوجه إلى القضاء بسبب جهلها لحقوقها أو الخوف من انتقام من يمسك القبضة بها.
وبالتالي يتعين على السلطات الكشف بشكل أفضل عن تلك الحالات، حسب اعتقاد المسؤول عن “مكتب التنسيق ضد المتاجرة بالبشر والمهاجرين” ستيفان ليبيزيفسكي.
وقد أُنـشأ هذا المكتب عام 2003 بهدف خلق شبكة تسمح بتحسين حماية الضحايا وعقاب المجرمين، ووضع الآليات الضرورية لهذا الغرض على مستوى الكنفدرالية والكانتونات.
وفي هذا الإطار، نظم المكتب يوم الخميس 3 نوفمبر الجاري في برن أول مؤتمر وطني حول المتاجرة بالبشر بمشاركة أكثر من 130 خبيرا من مختلف أرجاء سويسرا. وقد أعرب السيد ليبيزيفسكي عن سعادته للحضور المكثف الذي “فاق التوقعات” ومثـّل “نجاحا كبيرا” على حد تعبيره.
حرب على كافة الجبهات
وتم خلال المؤتمر الوطني تقديم دليل عملي صُُمم لتحسين التعاون بين مختلف الجهات النشيطة في هذا المجال: الشرطة، والقضاء، والسلطات المكلفة بقضايا الهجرة، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الخاصة والعامة المتخصصة في مساعدة الضحايا.
وتعـدُّ الشرطة المكلفة بشؤون الأجانب وجمعيات مساعدة الضحايا من أهم تلك الجهات لأنها أول من يعلم بحال الضحايا. وبما أن الشرطة والجمعيات تكتشف في غالب الأحيان أن هؤلاء الأشخاص يقيمون في سويسرا بصفة غير شرعية، يحدث تضارب في المصالح ويصبح من الضروري خلق جو من الثقة بين الجانبين لإيجاد مخرج.
فبالنسبة لهذه الفئة من الضحايا، تكمن الثقة في منحهم الإمكانية – وليس الحق- في الحصول على رخصة إقامة مؤقتة. ولتشجيعهم على التعاون، تدعو السلطات إلى حمايتهم وإحاطتهم بالعناية اللازمة.
ولإنجاز هذا التعاون وخلق علاقات الثقة تلك، يوصي “مكتب التنسيق ضد المتاجرة بالبشر والمهاجرين” بتنظيم موائد مستديرة على مستوى الكانتونات. ويذكر أن زيورخ خطت بعد تلك الخطوة فيما تستعد برن للقيام بذلك.
كثرة الضحايا وقلة الشكاوى
حاليا، لا تزال البلاغات ضد المتاجرة بالبشر قليلة جدا في سويسرا، إذ لا تتجاوز 40 حالة في العام حسب آخر الأرقام الرسمية التي صدرت في بداية الألفينيات. أما الإدانات فتقل عن ذلك بكثير إذ لا تُسجل منها أكثر من ثلاث أو أربع في العام، بينما يقدر عدد ضحايا تلك الظاهرة بين 1200 و3000.
وتتعلق هذه المعطيات فقط بضحايا المتاجرة بالبشر بهدف الاستغلال الجنسي. وتأمل السلطات أن يتم في المستقبل القريب أيضا معاقبة جرائم المتاجرة بالبشر بهدف الاتجار بالأعضاء والعمل القسري.
وسيبحث مجلس النواب السويسري في دورته الشتوية مقترحات لمراجعة القانون الجنائي بهدف تمكين سويسرا من المصادقة على البروتوكول حول المتاجرة بالمهاجرين والبروتوكول الإختياري لمعاهدة الأمم المتحدة حول حقوق الطفل.
منظمة “أرض البشر” غير الحكومية المعنية بحقوق الطفل، التي قدمت بدورها يوم الخميس 3 نوفمبر في زيورخ مشاريعها في الخارج لمحاربة المتاجرة بالأطفال، أعربت عن سعادتها لمساعي تعزيز التشريعات السويسرية ضد المتاجرة بالبشر. لكن المنظمة تطالب بأن ترتفع عقوبة السجن الأدنى في حق المتاجرين بالأطفال بعام على الأقل.
تحركات في الخارج أيضا
ولحماية الضحايا من الوقوع فريسة بين مخالب الشبكات الإجرامية، تنشط سويسرا أيضا في الخارج عبر بعثاتها الدبلوماسية التي تقوم بفحص دقيق للحالات “المشبوهة” لدى إجراءات منح التأشيرة.
من ناحيتها، تركز منظمة “أرض البشر” بالدرجة الأولى على المتاجرة بالأطفال في بلدانهم الأصلية، وخاصة في الهند وإفريقيا الغربية.
ففي الهند على سبيل المثال، أقامت المنظمة منذ بداية نوفمبر الجاري تحالفا مع نقابة المومسات (التي تضم زهاء 65 ألف امرأة) لمحاربة المتاجرة بالشابات النيباليات واستغلالهن جنسيا في دور الدعارة ببومباي وكالكوتا.
وفي إفريقيا الغربية، وسعت “أرض البشر” رقعة مكافحتها ضد المتاجرة بالأطفال إلى غينيا والسنغال منذ الأسبوع الماضي، وفق ما صرح به المتحدث باسمها بيير زفالن لوكالة الأنباء السويسرية. وتنشط المنظمة بعدُ في كل من بوركينا فاسو وبنين والطوغو.
ويتم استغلال الأطفال في هذه المنطقة من القارة السمراء في الحقول والمزارع والمحاجر، إذ يجبرون على الدعارة والتسول أو على القيام بالأعمال المنزلية. ولاستئصال الداء، تسعى “أرض البشر” إلى إقامة الحوار والتعاون مع الأسر وسكان القرى والمسؤولين الدينيين.
وتشمل نشاطات المنظمة الوقاية من المتاجرة والحرص على الإدماج الاجتماعي للضحايا. وقد أسست بعد في الطوغو مركزين لإعادة إدماج الضحايا.
وتُذّكر منظمة “أرض البشر” أن المتاجرة بالبشر أصبحت ظاهرة عالمية لا تسلم منها سويسرا. وانتهزت بالمناسبة الفرصة للمطالبة باعتماد تشريعات أكثر صرامة.
وقالت المسؤولة عن برامج “أرض البشر” في سويسرا بهذا الشأن “يجب التمكن من وقف ومعاقبة المتاجرين بالأطفال في سويسرا، بغض النظر عن جنسيتهم أو جنسية ضحاياهم، وبعض النظر عن البلد الذي ارتكبوا فيه جرائمهم”.
وأضافت أن هذه الشروط هي وحدها الكفيلة بـ”ألا تُستخدم بلادنا ملجأ لمن يتاجرون بالبشر”.
سويس انفو مع الوكالات
يقدر الخبراء عدد ضحايا المتاجرة بالبشر في سويسرا بين 1500 و3000 سنويا.
أما البلاغات ضد هذه الظاهرة فتظل ضئيلة إذ تتراوح بين 30 و40 حالة في العام، ينتهي أقل من 10% منها بإدانة قضائية.
حاليا، يعاقب القانون الجنائي السويسري فقط المتاجرة بالبشر بهدف الاستغلال الجنسي. تقترح الحكومة تكييف القانون مع التعريف الدولي للمتاجرة بالبشر.
في انتظار ذلك، يحكم في الأنواع الأخرى للمتاجرة، مثل استغلال اليد العاملة أو المتاجرة بالأعضاء استنادا إلى مواد القانون الجنائي المتعلقة بتشجيع الدعارة والعنف والغش…
تريد الحكومة أيضا أن تنضم سويسرا إلى معاهدة الأمم المتحدة ضد الإجرام الدولي المنظم ولبروتوكالاته الإَضافية حول المتاجرة بالبشر.
سيبحث البرلمان السويسري هذين الملفين في دورته الشتوية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.