تـحوّلات المغرب .. تـخـتـمـر!
عاش المغرب الأقصى خلال عام 2003 تطورات متلاحقة ومهمة، لكنها لم تخرجه من حالة الانتظار التي يعرفها منذ بداية العقد الحالي.
ولم تفلح القرارات والمبادرات المتخذة في زحزحة سكون القضايا التي تحكم مسار المملكة السياسي، داخليا وإقليميا وعربيا.
لقد كشفت الحرب الأمريكية على العراق، وتطورات القضية الفلسطينية عن الوهن الذي أصاب مكانة المغرب على الصعيد الدولي، وفقدانه للكثير من الحركية والديناميكية التي طبعت فعله السياسي منذ نهايات العقد السابع من القرن الماضي، والذي حوله الى المخاطب الأساسي في عدد من الملفات العربية، خاصة ملف القضية الفلسطينية، إن كان من خلال قدرته على جعل لجنة القدس الإسلامية التي يترأسها مرجعية، أو احتضانه لقمم عربية وإسلامية، ورئاسته للجان تشكلها هذه القمم.
فخلال الحرب علىالعراق وما تلاها، لم تتمكن الدبلوماسية المغربية من إطلاق مبادرة عربية أو حركة باتجاه خلق موقف عربي موحّـد، كان مغرب القرن الماضي يتميّـز بها. وحتى في القضية الفلسطينية، كان المغرب غائبا، وحين حاول أن يظهر في الصورة، ظهر في الزمان والوضع الخاطئ.
ومع التهديدات المتواصلة بتهويد مدينة القدس، واستمرار حصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وسياسة القمع والبطش الإسرائيلية الممارسة ضد الشعب الفلسطيني، والتي تُـوّجت بإعلان حكومة ارييل شارون عن إقامة الجدار العازل، كان المغرب غائبا، ولم يظهر في الصورة إلا من خلال اللقاءات مع وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم، والتي أعطت نتائج سلبية، حتى على ملف االنزاع الصحراوي التي حاولت الدبلوماسية المغربية تجيير تلك اللقاءات لفائدتها.
ذلك أن ما كانت الدبلوماسية المغربية تطمح إليه من إعادة الاتصال مع الدولة العبرية، هو تأمين دعم اللوبي اليهودي الأمريكي لصالح الموقف المغربي في قضية الصحراء الغربية، التي لازالت تحكم وتتحكم بالسياسة المغربية محليا وإقليميا ودوليا.
مـوقف حــرج
في المقابل، وجّـهت الولايات المتحدة في يوليو 2003 صفعة قاسية للمغرب بتبنيها مشروع تسوية قدّمها جيمس بيكر إلى مجلس الأمن الدولي، يرى فيه المغرب انحيازا لوجهة نظر جبهة البوليزاريو والجزائر.
وإذا كان التحرك السريع والموقف الفرنسي إلى جانب المغرب قد حالا دون إقرار إلزام أطراف النزاع الصحراوي بتطبيق المشروع، فإن الموقف المغربي لا زال حرجا بإنتظار ما ستُـسفر عنه تحركات واتصالات ما قبل “إعادة مناقشة كيفية تطبيق المشروع” في الأسبوع الأخير من شهر يناير 2004.
وبسبب النزاع الصحراوي، نجح المغرب في حرمان الجزائر من مكاسب رئاستها لاتحاد المغرب العربي، وحال دون أن تتوج هذه الرئاسة بقمة كانت مقررة في 23 ديسمبر الجاري.
وكشف فشل عقد القمة المغاربية، بعد نجاح قمة 5 زائد 5 الأوروبية-المغاربية بتونس عن المسافة الشاسعة التي لا زالت تفصل الجزائر عن المغرب ثنائيا وإقليميا، وأن التحركات والاتصالات، خاصة الفرنسية التي شهدتها خلال عام 2003، لم تنجح في إعطاء أية بارقة أمل بتحسن قريب لهذه العلاقات، التي لا زالت تتّـسم بالفتور وإغلاق الحدود البرية، والحملات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية.
تطورات داخلية مهمة
مقابل السكون والفشل الدبلوماسي على الصعيد الخارجي، كان الميدان الداخلي المغربي يعرف تطورات تستحق الكثير من التأمل، وانتظار آثارها على مستقبله واستقراره.
فالانتخابات البلدية التي جرت في سبتمبر 2003 أعلنت نجاح الدولة في إجراء انتخابات نزيهة وذات مصداقية، وفشل الأحزاب في تدبير تحالفاتها وحتى شؤونها الداخلية، فأفقدتها جزءا من مصداقيتها لصالح التيارات الأصولية الكامنة، والتي أبانت عن وجهها في تفجيرات 16 مايو في الدار البيضاء، واستهدفت مطاعم ونوادي وفندقا، وأسفرت عن 45 قتيلا وعشرات الجرحى، ومئات من المعتقلين حُـكم على أكثر من ألف منهم بالإعدام أو السجن لفترات طويلة.
ورغم مرور أكثر من 7 اشهر على هجمات 16 مايو، وسلسلة المحاكمات التي عرفتها محاكم الدار البيضاء والرباط وفاس وأغادير ومراكش، فإن الكثير من الغموض لا زال يلف مسألة الجماعات الأصولية المغربية المسؤولة عن هذه التفجيرات أو المنددة بها، ودور جماعات خارجية في هذه الهجمات، خاصة وأن القضاء كشف عن فراغ ملف أعضاء خلية القاعدة النائمة التي أعلنت السلطات في منتصف 2002 عن ضبطها، وقالت إنها كانت تعد لهجمات ضد أهداف بحرية أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق، وتفجيرات في ساحة “الفنا” السياحية بمراكش، وحافلات لنقل الركاب.
سياسيا أدت هجمات 16 مايو أسفرت عن استكانة التيارات الأصولية المغربية المعتدلة، بعد الفورة التي خلقتها في الساحة السياسية المغربية منذ انتخابات مجلس النواب في سبتمبر 2002، وما حققته فيها من نتائج إيجابية.
فالتيارات الأصولية المعتدلة اضطرت للموافقة على قانون مكافحة الإرهاب وتمريره في البرلمان بعد أن عارضته لشهور طويلة وكافحت لعدم إقراره، وأيضا مباركة قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس بشأن قانون الأسرة الذي حمل في طياته ثورة لصالح المرأة المغربية.
تحولات تختمر ..
وفي الشأن الحزبي، عرف مغرب 2003 الاعتزال السياسي للوزير الأول السابق عبد الرحمن اليوسفي بعد استقالته من زعامة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أقوى الأحزاب المغربية، وتولي محمد اليازغي زعامة الحزب بعد نقاش مطول في صفوفه، وتوقع أن يخلق هذا التغيير ديناميكية في الحياة الحزبية والسياسية المغربية، بدأت بتنظيم ندوة لمناقشة وثيقة التحول في الحزب، والتي شارك فيها ولأول مرة بشكل مشترك، ممثلين لتيارات ديمقراطية ويسارية راديكالية كان بعضها جزءا من الاتحاد الاشتراكي، وكذلك تيارات أصولية معتدلة.
ويصعب التحدث عن مغرب 2003 دون التوقف في المحطة الثقافية التي تميّـزت بنشاطات وفعاليات الرباط عاصمة للثقافة العربية والقضايا الثقافية والفكرية، التي أثارتها على مدى شهور، إن كان في ميدان الفكر العربي وأزماته، أو علاقاته مع الآخر أو الإبداعات العربية شِـعرا ورواية، وتميّـزت كذلك بفقدان علمين من أعلام ثقافتها، الفنان التشكيلي والشاعر محمد القاسمي، والكاتب والروائي محمد شكري الذي شغل دنيا الإبداع منذ نشر روايته “الخبز الحافي” التي تُـرجمت إلى أكثر من 40 لغة عالمية.
إنه المغرب الذي لا يعرف التحولات الانقلابية أو المفاجئة، بل التحولات التي لا تُـدرك لانها تدخل الحياة اليومية بشكل طبيعي وهادئ. وما من شك في أن ما عرفه البلد من تطورات أو تحولات عام 2003، ستظهر أثاره في العمق المغربي بعد أن يختمر دون التعاطي معه كناتج مفاجئ.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.