مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تـرهّــل الـدولـة الـعـربـيـة

يوما بعد يوم، يواصل الترهّـل العربي بمظاهره المختلفة الزحف والامتداد في ظل احتقانات وتوترات متعددة

يمينا أو يسارا، ثمة مواجهة ما في بلد عربي، وشمالا أو جنوبا، هناك أزمة ما تتصاعد في بلد عربي، يستوي في ذلك من يقع تحت قهر قوة خارجية أو من يوصف كبلد مستقل ذو سيادة.

هذا القاسم المشترك بين الدول العربية، رغم اختلاف التفاصيل، يعني أن الصيغة العربية للدولة الوطنية تعيش مرحلة ترهل، صحيح أنها تقاوم وتصارع من أجل البقاء، لكن الترهّـل بمظاهره المختلفة آخذ فى الزحف وفي الامتداد، مما يفرض البحث عن بداية جديدة.

الترهل العربي يثير أمرين، إما أن الخطأ كل الخطأ هو فى صيغة الدولة العربية القُـطرية ذاتها أو أن الخطأ هو في النخبة الحاكمة ذاتها، التي استأثرت بالحكم لفترة طويلة وأضاعت على وطنها فُـرص التغيير السلمي والتطور الطبيعي، الذي تشهده البلدان الأخرى نحو الأمام.

وأيا كانت الإجابة على هذا السؤال، فالنتيجة التي نراها ماثلة هي واحدة، أزمة عربية تنتج أخرى وسقف الأمنيات العربية بات محدودا جدا.

حالات بالجملة

هذه النتيجة الواحدة تمتَـد من لبنان إلى اليمن، ومن فلسطين إلى السودان، ومن العراق إلى الجزائر، ومن سوريا إلى مصر، لا فرق بين حالات تُعدُّ مستقلة بالمعنى القانوني، وأخرى تُـصارع قوى القهر الخارجي والاحتلال الأجنبي، فالبوصلة تبدو مشوشة ويجدر تغييرها.

فما معنى أن تتصارع أكبر قوتين في الساحة الفلسطينية، في الوقت الذي يستمر فيه الاحتلال في قضم الأرض واغتيال الناس واعتقال السياسيين وحِـصار السلطة وسجن كل الفلسطينيين في سجن كبير يسمى غزة أو الضفة الغربية المحتلة؟

وما معنى أن تُفاجأ الدولة اللبنانية بوجود تنظيم فتح الإسلام ذي التوجهات القاعدية، فِـكريا وتنظيميا، ليس في مخيم للفلسطينيين البؤساء، بل في مدينة طرابلس، التي كانت تاريخيا رمزا للاعتدال السُـني ومدينة التسامح والتنوع الديني؟ وكيف يفهم المرء ما يجري في اليمن بعد 17 عاما من قيام الوحدة بين الجنوب والشمال، وتندلع مواجهة عبثية يقودها تنظيم الشباب المؤمن، الداعي إلى إحياء زمن الإمامة البغيض، ويُـقال أن الدولة نفسها كانت تدفع بعض الأموال لهذا التنظيم لسبب غير مفهوم قبل عدة سنوات، وأنها قضت على جزء كبير من عناصره في أغسطس 2004، ولكنه ظهر للوجود مرة أخرى بعد ثلاث سنوات؟

وما معنى أن يتدهور الأمن في الصومال في ظل قوات أجنبية، غير متّـفق على توصيف حقيقة وجودِها بين أهل الصومال أنفسهم، وفي ظل حكومة انتقالية مُـعترف بها دوليا على مَـضض، بعد أن كان الأمن نفسه قد استتبّ جُـزئيا في قطاعات واسعة من البلاد على يد قوى شعبية تشكّـلت بحكم الضرورة تحت مظلة ما عُـرف بالمحاكم الإسلامية، التي قُـضِـي عليها عسكريا، ولكنها لا زالت موجودة كقوة سياسية أو قبائلية أو كمزيج منهما.

وفي السياق ذاته، كيف نفهم خِـشية الحكومة العراقية ومَـن يناصرها من احتمالات انسحاب القوات الأمريكية تحت ضغط الداخل الأمريكي نفسه، اللّـهم إلا إذا كانت الحكومة نفسها عاجزة عن فعل أي شيء لبلدها، وكيف نفهم كل هذه الاعتقالات التي تجري يوميا تقريبا فى مصر لأعضاء جماعة الإخوان المحظورة قانونيا، ولكنها ممثلة فى البرلمان بنسبة 20% من العدد الكلي للنواب، اللَّـهم إلا إذا كان ذلك جُـزءا من صورة تعكِـس تخبّـطا سياسيا أفقيا ورأسيا على السواء.

كل هذه الأسئلة وغيرها تنطوي على مفارقات كُـبرى يمكن استيعابها فقط في ضوء حقيقة أن الترهّـل وفِـقدان الاتِّـجاه وغلبة الجزئي على الكلي، وسيادة التحركات قصيرة النظر على السياسات بعيدة النظر، بات من السِّـمات السائدة في سياسات الدولة العربية أو ما يعد دولة تحت التشكيل.

ترهل على الطريقة اللبنانية

ففي المواجهة اللبنانية ضد تنظيم فتح الإسلام، لا يُـمكن فصل الأمر عن حقيقة أن الأزمة السياسية والدستورية، التي يعيشها لبنان منذ أكثر من عامين، قد أفقدت المؤسسات القائمة سِـمة الحيوية وأبعدتها عن دورها الحقيقي وباتت كل مؤسسة سياسية منفصلة تماما عن المؤسستين الأخيرتين. فالحكومة في وادٍ والرئاسة في وادي والبرلمان معطل عن العمل، والكل يبدو متحفِّـزا في مواجهة الكل.

ومما زاد الطين بلّـة، أن الخطاب السياسي للغالبية السائدة، يربط دائما وبصورة ميكانيكية أي قصور في الداخل أو غياب للرؤية أو أي تحد سياسي أو أمني بدور خارجي سوري أو إيراني، مما أفقد المؤسسات الأمنية القدرة على إدراك معنى المسؤولية الذاتية في الفشل كما فى النجاح أو استيعاب المتغيِّـرات الجارية في رحم المجتمع، من قبيل الامتداد السلفي والأصولي وما يخرج منه من تنظيمات تُـعلِـن صراحة أنها ضد الدولة وأن لديها مشروعا بديلا ستعمل على تطبيقه بالعنف.

والمفارقة كما كشفت عنها مُـجريات المواجهة عبر عدة أيام، ليست في مجرد ضعف قدرات الجيش اللبناني وافتقاده للمعدّات المناسبة والملائمة وقلّـة الذخيرة والآليات وحسب، وإنما أيضا في وجود خلايا أصولية نمَـت وترعرعت في كَـنف محيط سُـني يُـعد تاريخيا محيط الاعتدال والتسامح. ورغم أن مظاهر الامتداد الأصولي كانت واضحة منذ أكثر من عامين، إلا أن استيعاب مغزاها كان عصِـيا على فهم المؤسسات الأمنية والسياسية، التي شغلت نفسها بهوامش القضايا وليس جوهرها. وفي تلك قرينة على ترهل شديد بات كامنا في بنية الدولة اللبنانية.

اليمن الموحد في مواجهة الإمامة

مفارقات الترهل المؤسسي تبدو جلية أيضا في حالة اليمن وصراعه مع جماعة الحوثيين، وهم الذين وُجّـهت لهم ضربة قوية نِـسبيا في سبتمبر 2004، حين قتل الجيش اليمني زعيمهم آنذاك حسين الحوثي بن العلامة البارز بدر الدين الحوثي.

ولكن التنظيم ظهر بعد ثلاثة أعوام وكأنه أقوى مما كان عليه حين قتل زعيمه، وأن له علاقات خارجية وتمويلا وأسلحة جاءت عبر الحدود. أين كان الجيش في السنوات الثلاث الماضية؟ وكيف تمت معالجة الظاهرة التي عادت أقوى من السابق؟ لا إجابات واضحة، ولكن مجرّد عودة التنظيم تعني غياب المتابعة والاكتفاء بما تم قبل ثلاث سنوات، وكأنه إنجاز كافٍ في حد ذاته، أما معالجة أسباب الظاهرة فلم تُـعرف أصلا.

من يعرفون اليمن ويعرفون تضحيات أبنائها من أجل الثورة والجمهورية والوحدة، يدهشون حين يعلمون أن جوهر تعاليم الحوثي الأب والابن معا، هي الدعوة إلى إقامة إمامة كتلك التي حكمت اليمن 1200 عاما، وكانت سببا في تخلُّـفه وضَـياع الكثير من حقوقه وحقوق أبنائه. وربما في سياق التعددية الفكرية، يمكن قبول اجتهاد شيعي جعفري أو زيدي حول ضرورة أو وجوب نظام الإمامة، أما في سياق تحويل الفِـكرة إلى تنظيم مسلَّـح يُـمارِس العنف ضد الدولة، فهنا الخطر وهنا الإنذار بأن الترهل بات في صميم عمل مؤسسات الدولة. وهنا وجَـب التنبيه.

فلسطين وصراع على الوهم

بيد أن التنبيه واجب أيضا وبدرجة أكثر حِـدة وقوة لدى هؤلاء الذين يتصارعون، كما هو الحال في فلسطين المحتلة، على مشروع سلطة محاصَـرة ومشروع دولة مجهض ومشروع لعودة الحقوق القومية المشروعة يعاني الأمَـرّين من احتلال بغيض، ولا مبالاة عالمية وعربية وصلت إلى السموات العلى.

يفهم المرء في حالة الاحتلال أن الأولوية هي حتما للوحدة النضالية، السياسية والعسكرية، ضد الاحتلال، أما أن تكون الأولوية هي لمصالح فئوية أو مصالح تنظيم بعينه أو لبناء نفوذ على حساب المصلحة الأولى والأهم، أي التحرير والاستقلال، فهذا أبعد كثيرا من مجرد حالة ترهل عابرة، إنها ولا شك، نهاية غير سعيدة لنِـضال الشعب الفلسطيني بكل فصائله وهيئاته، لاسيما وأن الاحتلال ماضٍ في مشروعه عبر الاغتيال والاعتقال والحصار وبناء الأسوار وتشكيل وقائع مضادة لكل الحقوق الفلسطينية.

ورغم قسوة ما يجري في فلسطين المحتلة، فإن الوقت بقي فيه فسحة صغيرة، إن فاتت فلن يجد الفلسطينيون ما يناضلون من أجله، وهذه الفسحة المحدودة هي ما بقي من أمل لاستعادة الوعي الوطني على حساب الوعي الفصائلي، واستعادة بوصلة التحرير بدلا من بوصلة المغامرات، التي لا طائل من ورائها، أيا كانت التبريرات البراقة التي تُـقال بشأنها.

وفي الجنوب أيضا

جنوبا، ليس الحال بأسعد من الشمال، فالسودان الذي يناضل من أجل تسوية تاريخية لميراث الحرب الأهلية في الجنوب تحت مظلة اتفاقيات نيفاشا الموقُّـعة قبل عامين ونيف، يُـواجه الضغوط تِـلو الضغوط من أجل التحكم فيما يجري في دارفور، والتي يوظفها الغرب بقيادة أمريكية أوروبية لإعادة تشكيل السودان الدولة على نحو يخدم مصالحه بعيدة المدى.

وبالرغم من صمود الخرطوم حتى اللحظة في وجه الضغوط، فإن مسيرة بناء دولة متعددة تنتصر للحريات والتنوع والديموقراطية، تواجَـه بعثرات وانتكاسات واحدة تِـلو الأخرى، ومن غير الواضح كيف سيكون الحال إذا ما فُـرض نشر قوات أممية في الغرب، لكن المرجح أن المزيد من ترهل الدولة الموحدة سيكون نتيجة حتمية.

وفي الجنوب أيضا، لا يعطي الصومال بارقة أمل بقدر ما يطرح بدوره نموذجا آخر لدولة فاشلة، لم يبق منها سوى قراصنة يحكمون الممرات من وإلى البلاد، وقادة محليين لا همّ لهم سوى جمع الأموال وتنظيم الأنصار، وحكومة انتقالية استضافت قوة غزو، ولا تدري ماذا ستفعل من أجل بناء الدولة وتجميع الشعب تحت مظلة راية واحدة.

د. حسن أبوطالب – القاهرة

بيروت (رويترز) – يخشى اللبنانيون من انتشار أعمال العنف على غرار ما يجري في العراق، بعد أن هاجم مسلحون إسلاميون الجيش اللبناني في بلد أشتهر بأنه قلب الليبرالية في العالم العربي.

وقال شربل باسيل، الذي يدير مطعم “لو شيف” في بيروت لرويترز “كنا نعتقد أننا شهدنا كل شيء، لكن هذا النوع من التطرف الذي يدمر العراق جديد علينا”.

ويقاتل الجيش اللبناني جماعة فتح الإسلام، التي تتفق مع فكر تنظيم القاعدة في شمال لبنان.

وقال باسيل “إن هذه الجماعات ستتكاثر ما بقي السعوديون والإيرانيون والسوريون والإسرائيليون وآخرون، يعلمهم الله، يستخدمون لبنان ساحة لتصفية الحسابات”.

وكان مطعم باسيل عامرا برواده عادة، لكنه خلا يوم الخميس من الرواد في ظل تضرر الأعمال في إنحاء العاصمة بيروت، بسبب أعمال العنف التي وقعت خلال هذا الأسبوع، منها انفجار قنبلتين في العاصمة وانفجار قنبلة ثالثة إلى الشرق مباشرة من بيروت.

وأثار سفك الدماء اليومي في العراق، حيث يلعب الإسلاميون دورا محوريا في القتال، مخاوف من احتمال تحول لبنان إلى عراق آخر.

وقال رجل أعمال يدعى جورج بولس “رأينا ما تستطيع هذه الجماعات فعله في العراق، انتظرت حكومتنا أطول من اللازم لاتخاذ إجراءات حاسمة ضدهم”، وأضاف “المتشددون يعملون في الشمال منذ سنين، كل اللبنانيين الذين أعرفهم، مسيحيين ومسلمين، يفهمون أنهم لا يمثلون الإسلام”.

ويسود الشمال اللبناني، الذي تتخذه فتح الإسلام مركزا مناخا مختلفا عن العاصمة الليبرالية، حيث تزدحم الحانات والمطاعم بالرواد. فطرابلس مدينة محافظة للمسلمين السنة في الغالب، ويشكو السياسيون فيها من إهمال حكومة بيروت لها.

وسادت السياسة، وليس السلاح، في غالب الأحوال منذ انتهاء الحرب الأهلية التي دارت بين 1975 و1990، حيث كانت الجماعات الإسلامية السُـنية المتشددة موجودة فيها، لكن الغلبة كانت للجماعات العلمانية.

وفي عام 2000، اشتبك مسلحون إسلاميون مع الجيش اللبناني بالقرب من طرابلس وقتل 40 شخصا.

وقالت هالة محمود، وهي أم لطفلين “تخويف اللبنانيين من النزول إلى الشوارع يتطلب الكثير، لكن الخوف من تفجيرات على غِـرار ما يجري في العراق، فعل ذلك”.

وقتل العشرات بينهم مدنيون و22 متشددا على الأقل و32 جنديا في قتال بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام في أسوأ عنف داخلي يشهده لبنان منذ الحرب الأهلية.

وأيد كثيرون عمليات الجيش، لكن البعض غير واثق من إمكانية أن تسيطر الدولة على الصراع.

وقالت تالين كانلجيان، التي تدير متجرا للعطور في حي الحمراء بالعاصمة “هذه الجماعات ستتكاثر وسيكون لدينا نسختنا مما يجري في العراق”.

ولكن مع بقاء ذكريات الحرب الأهلية ماثلة في الأذهان، كانت هناك مشاعر تفاؤل بأن لبنان سيتغلب على أعمال العنف.

وقالت لينا عبد النبي “قد نكون دخلنا نفق العراق والناس خائفة، لكننا لن نستمر… هناك إجماع على رفض العنف”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 24 مايو 2007)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية