تــراث لا يمكن أن يزول
افتتحت مصر مساء الأربعاء مكتبة الإسكندرية بعد تجديدات واستعدادات استمرت لسنوات طويلة، لتقديم صرح ثقافي عتيق في ثوب عصري إلى العالم، يربط تراثا إنسانيا بعجلة الزمن وبالثورة الرقمية.
المكتبة تمثل في الوقت نفسه، دليلا على أن الشرق لا يزال ينبض بومضات من المعرفة والثقافة، إلا أن التحديات التي تواجهها جسيمة.
حلم الإنسان طويلا بمكتبة تضم بين جنباتها أمهات الكتب في جميع أنواع العلوم والمعارف، وكان الشرق أول من حقق هذا الحلم قبل قرون، فعرف العالم مكتبات بابل والإسكندرية وبغداد.
إلا أن مكتبة الإسكندرية كانت متميزة بأنها “بنك معلومات عصور ما قبل الميلاد”، حيث ضمت في ذلك الوقت ما بين أربعمائة وسبعمائة ألف مخطوطة في جميع أنواع العلوم والمعارف، وتميزت عن غيرها أيضا بفن التبويب والتصنيف الذي نقله عنها العالم فيما بعد.
استغرق العمل في مشروع إعادة الحياة إلى مكتبة الإسكندرية اثنتي عشرة سنة، ساهمت فيه العديد من دول العالم والمنظمات الدولية، مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “يونيسكو” وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية،وبدأت أعمال البناء عام 1995.
وتعرض هذا المشروع الطموح منذ انطلاقته إلى إنتقادات مختلفة، لاسيما من علماء الآثار الذين أخذوا على القائمين عليه عدم إجراء عمليات تنقيب جدية في المكان الذي بنيت فيه المكتبة، للبحث عن احتمال وجود حفريات أو آثار نادرة.
ويشرف على إدارة هذا الصرح الثقافي العملاق مجلس للأمناء يضم 22 من نخبة من الأكاديميين والمثقفين من مختلف دول العالم.
الهدف: ثمانية ملايين كتاب
ولهذه المكتبة الأثرية 19 جمعية صديقة تدعمها حول العالم، قدمت حتى الآن مساعدات مختلفة تمثلت غالبيتها في شكل مجموعات من الكتب والمخطوطات أوالمعدات أو منح تدريب للعاملين في المكتبة على أحدث أنواع أنظمة المكتبات والتعامل مع قواعد البيانات.
وعلى الرغم من أن هدف المكتبة هو أن تضم بين أجنحتها المختلفة ثمانية ملايين كتاب، إلا أن المتوفر لديها الآن لا يزيد عن 240 ألف كتاب, وتعول إدارتها على الإهداءات والمنح من أرجاء المعمورة، إلى جانب دار نشر مستقلة تنتقي اصادراتها بشكل يعكس مكانة المكتبة على مستوى العالم.
البحث عن التميز
وبحثا عن التميز والخصوصية، تتبنى المكتبة مشروعات ثقافية مختلفة، تحاول من خلالها أن تقدم جديدا في دوامة عصر المعلومات والتقنية الرقمية. وقد تصبح بالفعل “مكتبة دولية رقمية شاملة” إذا ركزت على “الخصوصية العربية”، التي يمكن أن تنفرد بها بالتعاون مع جميع الدول العربية، وتواصل العمل بجدية في بنك المعلومات مع تسهيل الدخول إليها من خلال شبكة الانترنت.
ومن البرامج المتميزة التي ستبدأ فيها المكتبة بعد الافتتاح، مشروع حماية الخط العربي من الاندثار، حيث أكد الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير المكتبة لوسائل الإعلام، أن هذا المشروع يتضمن أفكارا عملية لحماية فن الخط العربي من الاندثار وإنقاذه من الرداءة.
ومن المؤكد أن نجاح مثل هذه الفعاليات العملية والثقافية المتميزة يتطلب تضافر جهود الجميع على نطاق عربي موسع، لتظهر المكتبة في المستوى المرجو منها، وحتى لا تتحول إلى مجرد مبنى ضخم، يحمل ذكرى الأيام الخوالي، ولا يربطه بالواقع سوى فن العمارة، أو بعض أجهزة الكمبيوتر المتناثرة هنا وهناك.
تحديات ثقافية
تواجه “مكتبة الإسكندرية” كمعلم ثقافي ضخم تحديات كبيرة، فهناك مشروعات تجري على قدم وساق لتنفيذ دوائر العلوم والمعارف على شبكة الإنترنت والاستيلاء على لقب “مركز دائرة المعارف”.
فجامعة شيكاغو أنجزت خطوات جادة لنشر أول دائرة معارف متكاملة على شبكة الإنترنت، والمكتبة الوطنية الفرنسية، قاربت على الانتهاء من مشروع يحمل اسم “الغال” Gallica لتحويل محتوياتها إلى شبكة الإنترنت، في صراع مع الزمن للحصول على لقب أول مكتبة رقمية كاملة في العالم، حيث نشرت حتى الآن مليوني صفحة من كتبها على شبكة الإنترنت.
في الوقت نفسه تسعى إيطاليا مع اليابان لتحقيق مشروع “المكتبة العالمية”. أما ألمانيا، فاكتفت مؤقتا بوضع ألف كتاب من أمهات الكتب في مختلف فروع العلم والثقافة على شبكة الإنترنت، تحت عنوان “المكتبة الألمانية”.
وقد تنجح مكتبة الإسكندرية في التميّز من خلال رعايتها لوثائق ومخطوطات وكتب التراث الإنساني، الذي خلفته الحضارات المتعاقبة التي تعايشت على أرض منطقتنا العربية وشواطئ المتوسط، والتي انطلقت منها الديانات السماوية.
منارة الفكر القديمة
ومن الواضح أن تحديات عصر المعلومات والإنترنت ليس غائبة عن أذهان القائمين على مكتبة الإسكندرية ومحبيها، حيث حصلت المكتبة على أرشيف متكامل للوثائق والكتب على الشبكة العنكبوتية، تقدر قيمته بخمسة ملايين دولار، إلى جانب منح دراسية لتدريب العاملين على استخدام هذا الأرشيف.
افتتاح مكتبة الإسكندرية بتميزها المرتقب، سيعمل على عودة عروس المتوسط إلى المشهد الثقافي في العالم، والأمل معقود على أن تكون على مستوى التحديات التي تواجهها، لتربط بين شطري الكرة الأرضية، شمالها مع جنوبها، وشرقها مع غربها، وليلتقى العالم مجددا عند منارة الفكر القديمة في ثوبها الجديد.
تامر أبوالعينين – سويس انفو
افتتح الرئيس المصري حسني مبارك مكتبة الاسكندرية بحضور نظيره الفرنسي جاك شيراك، علما بأن فرنسا ودولا عديدة أخرى من بينها سويسرا ساهمت بشكل أو بآخر في إحياء هذا المشروع الثقافي الإنساني
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.