تـقريـر فـولكر لا يـستـثـني أحـدا!
حـمّـل التقرير النهائي حول التحقيق في برنامج النفط مقابل الغذاء الأمين العام للأمم المتحدة ونائبته ومجلس الأمن المسؤولية عن عدم القيام بمراقبة جادة.
ولئن لم يثبت التقرير استفادة مباشرة لكوفي أنان من التجاوزات، فإنه كشف تورط ابنه كوجو في محاولات تفضيل شركة كوتيكنا لمراقبة مشتريات البرنامج، وتورط مدير البرنامج بينون سيفن.
لم يستثن تقرير لجنة التحقيق في التجاوزات التي عرفها برنامج النفط مقابل الغذاء لا الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ولا نائبته لويز فريشيت ولا مجلس الأمن الدولي، إذ حملهم جميعا جانبا من المسؤولية في عدم القيام بمراقبة صارمة لعمليات إدارة هذا البرنامج الذي سمح ببيع ما قيمته 100 مليار دولار من النفط العراقي بغرض شراء مواد غذائية وأدوية للتخفيف من معاناة الشعب العراقي تحت الحصار.
مسؤولية سكرتارية الأمم المتحدة
وخصص التقرير الذي جاء في أكثر من ألف صفحة، فقرة مطولة للحديث عن الأخطاء التي ارتكبت على مستوى سكرتارية الأمم المتحدة، سواء فيما يتعلق بأمينها العام كوفي أنان أو بنائبته الكندية لويز فريشيت التي عهد لها بالإشراف مباشرة على البرنامج والتي يخضع لها مدير البرنامج القبرصي بينون سيفن المتهم بتسلم رشوة في هذا البرنامج.
التقرير استنتج أن “مدير البرنامج بينون سيفن أشرف على برنامج حجمه 100 مليار بدون الخضوع لمراقبة كافية من مسؤوليه”.
وحتى لما عـُلم من مقالات صحفية بوجود تجاوزات مثل تضخيم السلطات العراقية لفواتير تصدير النفط، او بعد شروع النظام العراقي في تهريب كميات من النفط، سواء للأردن او لسوريا او تركيا، مرات بعلم من دول مجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية والتي سمحت للنظام العراقي بتحصيل حوالي 10 مليار دولار في حسابات خاصة، يرى التقرير “أن المسؤولين في سكرتارية الأمم المتحدة وبالأخص الأمين العام ونائبته، ترددوا في الاعتراف بوجود هذه التجاوزات او في معالجتها مما سمح للسيد بينون سيفن بالتصرف بكل حرية في إدارة البرنامج”.
وأعاد التقرير الحالي تأكيد ما ورد في التقرير المرحلي من تجاوزات واتهامات تعاطي السيد بينون سيفن للرشوة في الوقت الذي كان يشرف على برنامج النفط مقابل الغذاء، مثل “عدم قدرته على مقاومة محاولات التوريط التي قام بها النظام العراقي، وعدم قدرته على القيام بتحقيق في انتهاك قوانين الحصار، وعدم إفصاحه أمام اللجنة 661 المكلفة بمراقبة تسيير البرنامج عن تجاوزات وانتهاكات ارتكبها النظام العراقي”.
واختتم التقرير خلاصته في هذه النقطة بالقول “كان لزاما على سكرتارية الأمم المتحدة او ما يسمى بالطابق 38، أن تدرك أبعاد ما يرتكبه السيد بينون سيفن من تجاوزات”. قبل أن يضيف “لكنها لم تقم بأية مراقبة فعلية”.
تبرئة للأب وتوريط للإبن
أما فيما يتعلق بتورط نجل الأمين العام، كوجو أنان، في تفضيل حصول الشركة السويسرية التي كان يشتغل فيها “كوتيكنا” على صفقة مراقبة مشتريات برنامج النفط مقابل الغذاء، فقد أورد التقرير إثباتات تدين الإبن ولا تثبت تورط الأب.
إذ اعتدمت لجنة التحقيق على بقايا المكالمات التي قدمت لها عن مجموع المكالمات التي تبادلها كوجو أنان مع والده في خريف عام 1998، وهي فترة الفصل في صفقات الإشراف على مشتريات النفط مقابل الغذاء. وما توصلت إليه اللجنة هو “أن تلك المكالمات لم تكن لها علاقة بصفقة كوتيكنا”.
وعن تصريحات أحد مسؤولي شركة كوتيكنا، ميخائيل ويلسن، المدونة في تقرير داخلي للشركة، والتي أشار فيها الى اتصال أولي بالأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وبمرافقيه أثناء حضورهم قمة الفرانكوفونية في شهر ديسمبر 1998 ومفاتحتهم برغبة كوتيكنا في الحصول على صفقة المراقبة، توصل التقرير الى “أن شهود عيان لم يؤكدوا وقوع هذا اللقاء”.
وأورد التقرير أن حتى صاحب التصريح، ميخائيل ويلسن “الذي قام بذلك للتباهي أمام زملائه وتعزيز مكانته في الشركة، تراجع عن تصريحاته مما يؤكد تكذيب الأمين العام وقوع مثل هذا اللقاء”.
وعلى عكس ما صرح به من قبل – من أنه لم يتوسط لشركة كوتيكنا- توصلت لجنة التحقيق في حق نجل الأمين العام كوجو أنان الى دلائل تثبت “انه اتصل في أوقات هامة بلجنة الأمم المتحدة المعنية بتسليم صفقات مراقبة المشتريات الإنسانية في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء”.
كما توصلت اللجنة الى دلائل تثبت “استخدام كوجو أنان لإسم أبيه من اجل شراء سيارة مرسيدس” والاستفادة من التخفيضات الدبلوماسية والإعفاءات الجمركية. ولم تحصل اللجنة على إثباتات تشير الى موافقة والده على شراء السيارة او ان يكون والده على علم باتصالاته مع لجنة تسليم صفقات المراقبة.
خلاصة في وقتها
والخلاصة التي توصلت اليها لجنة فلوكر بخصوص الرقابة في منظمة الأمم المتحدة في وقت يكثر فيه الحديث عن ضرورة إصلاح المنظمة الدولية، هي “أن منظمة الأمم المتحدة في حاجة الى إدارة تنفيذية قوية، وإلى إصلاحات إدارية جذرية والى نظم مراقبة وتحقيق أكثر نزاهة”.
كما طالبت اللجنة الدول الأعضاء، ومجلس الأمن الدولي بالخصوص، بتحمل مسؤولياتهم من أجل تفادي وقوع مثل هذه التجاوزات في برامج أخرى. وكشفت اللجنة النقاب عن “محاولات ارشاء النظام العراقي للأمين العام السابق بطرس بطرس غالي”. وعلى الرغم من عدم عثورها على إثباتات، أوضحت اللجنة بأنها ستواصل تحرياتها.
وفي اول رد فعل له على تقرير اللجنة، أوضح الأمين العام كوفي أنان بأن “التقرير وجه لي انتقادات وأنا أقبلها”. ولكن الأمين العام رفض اية استقالة موضحا “لا أتوقع أية استقالة … بل سنواصل القيام بعملنا”.
أما المدير السابق لبرنامج النفط مقابل الغذاء، بينون سيفن، فقد رفض الخلاصة التي توصلت اليها اللجنة واصفا إياها بـ”الخاطئة وغير المرتكزة على الدلائل”. وقد اتهم السيد سيفن، في بيان صادر عن محاميه، مجلس الأمن بأنه كان على علم بتفاصيل سير برنامج النفط مقابل الغذاء، بما في ذلك المشاكل المثارة في مجال تضخيم الفواتير او تطبيق الأسعار او الرقابة”.
كما أوضح أنه كان “يرفع تقارير دورية للأمين العام كوفي أنان، وتقارير يومية لرئيسته المباشرة لويز فريشيت نائبة الأمين العام”.
وفي تعليقه لسويس إنفو، أوضح العضو السويسري في لجنة التحقيق وأستاذ القانون مارك بيت بأن “الخلاصة التي توصلنا إليها من خلال هذا التحقيق، هي أن الأمم المتحدة ليست قادرة على تسيير برنامج مثل برنامج النفط مقابل الغذاء، وهو ما اعترف به الأمين العام عندما صرح بأنه كان من الأفضل ألا يقحم المنظمة في مشروع مماثل”.
وعبر العضو السويسري في لجنة التحقيق عن “الأمل في أن يتم استغلال فرصة إدخال الإصلاحات على النظام الأممي”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.